عرض مشاركة واحدة
قديم 12/07/2006   #11
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


ثانياً: معاملة الإسلام للحاكم
لو نظرنا لكيفية معاملة الإسلام للحكام لوجدنا أنه يكاد يؤلههم ويضعهم على منصة فوق البشر. فليس في الإسلام أي منظومة في كيفية محاسبة الحاكم. الإسلام يطلب منا أن نطيع الحاكم، " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم".[44]
وفي حديث عن الرسول " " لا تسبوا الولاة، فإنهم إن أحسنوا كان لهم الأجر وعليكم الشكر. وإن أساءوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر. وإنما هم نقمة ينتقم الله بهم ممن يشاء، فلا تستقبلوا نقمة الله بالحمية والغضب، واستقبلوها بالاستكانة والتضرع "[45] .وكذلك " أطيعوا أولي الأمر فيكم ولو كان عبداً حبشياً رأسه كالزبيبة". فطاعة الحاكم هي أهم من أي صفة أخرى في المسلم. وهناك قاعدة أصولية تقول عندما يبايع المسلم الخليفة أو الأمير على الطاعة، يفقد هذا المسلم إرادة القبول والرفض لأن البيعة هي عقد بيع كامل الشروط، ويجب الإيفاء به. فالمؤمن في دولة الخلفاء الراشدين قد فقد حق الرفض لأوامر الخليفة لأنه بايع الخليفة، والمسلم في العصور التي تبعت دولة الخلفاء إلى يومنا هذا، قد فقد حق الرفض رغم أنه لم يبايع خليفته الذي جاء لمنصة الحكم عن طريق الوراثة، ولكنه فقد هذا الحق لأن البيعة للحاكم ضمنية في الإسلام. فالمسلم مكلفٌ بطاعة ولى الأمر.
ولا يُسأل الحاكم في الإسلام إذا تصرف في أموال المسلمين دون وجه حق كما فعل الخليفة عثمان بن عفان عندما أعطى جمال الصدقة لأقربائه من بني أمية، و عندما أعطى عبد الله بن أبي سرح خمس الفئ من شمال أفريقية. وقد رأينا أن معاوية بن أبي سفيان سمح للحسن بن عليّ عندما صالحه أن يأخذ خمسة ملايين درهم من بيت مال الكوفة. وكذلك عندما خطب الخليفة عثمان بن عفان فقال: " لنأخذّن حاجتنا من هذا الفئ وإن رغمت أنوف أقوام ". ويبدو أن طاعة المسلمين لخليفتهم غلبت عليهم، فلم يعترض على قولة عثمان هذه، حسب علمنا، إلا عليّ بن أبي طالب وعمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري.
ويقال إن أبا الأسود الدؤلي كتب إلى الخليفة عليّ بن أبي طالب يشكو له عامله بالبصرة، عبد الله بن عباس، الذي اتهمه أبو الأسود بأنه أكل أموال بيت مال المسلمين، ولما كتب عليّ إلى ابن عباس يطلب منه كشف حسابات بيت المال، دعا ابن عباس أخواله بني هلال بن عامر، فجاءه منهم الضحاك بن عبد الله وعبد الله بن رزين، فأخذوا ما استطاعوا من بيت المال، وخرجوا مع ابن عباس من البصرة[46]. ويقال إنه ذهب إلى مكة، وكانت يومئذ قد خرجت عن بيعة أمير المؤمنين، واشترى ثلاث جواري. ويقال إنه كتب إلى عليّ أخيراً يقول: " لأن لم تدعني من أساطيرك لأحملنّ هذا المال إلى معاوية يقاتلك به "[47]. ولم يحاسبه أحد بعد ذلك. ولا يمكن، طبعاً، أن تستقيم الأمور في دولةٍ يتصرف حكامها بلا رقيب.
كان معاوية يبني داره الخضراء فمر به أبو ذر، الصحابي المعروف، وهتف أبو ذر في وجه معاوية قائلاً: " من أين لك هذا؟" ثم أخذ يقول لمعاوية: " إن كنت إنما بنيتها من مال المسلمين فهي الخيانة، وإن كنت إنما بنيتها من مالك فإنما هو السرف" [48]. وبالطبع اغتاظ معاوية من هذا الرجل، لكنه لم يتجرأ بمعاقبته لمنزلة أبي ذر عند الصحابة، فكتب إلى الخليفة عثمان بن عفان بأمر أبي ذر، واستدعى عثمان أبا ذر وقال لمن حوله: " أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذاب، إما أن أضربه أو أقتله، فإنه فرّق جماعة المسلمين" .
فإذا كان الإسلام دينٌ ودولة، لا بد للدولة من قوانين واضحة معروفة تحدد كيف يُحاسب رئيس الدولة في حال تصرفه بأموال المسلمين دون وجه حق، أو إذا خالف الدستور في أي وجه من وجوهه، وما هو عقابه؟ فالقرآن يذكر لنا عقاب السارق والزانية وشارب الخمر، لكنه لا يحتوي على آية واحدة تحدد لنا عقاب الحاكم الذي يتصرف في أموال الدولة بدون حق، ولا الحاكم الذي يقتل المعارضين له دون وجه حق. ولأن القرآن لا يقدم لنا أي وسيلة أو قانون لمعاقبة الحاكم الظالم، جاء رجال الفتاوي بفتوى تقول " إن أفضل شهيد من ذهب إلى حاكم ظالم فقتله ". فليس هناك قانون لعزل الحاكم أو سجنه، إنما يُقتل، تماماً كما قال عمر بن الخطاب في الذي يخالف الجماعة وقت الشورى، ولا تقتله الدولة حسب قوانين ونظم سارية تضمن له محاكمة عادلة، وإنما تترك الدولة القانون للمجاهدين، الذين يكون أفضلهم من يقتل هذا الإمام الظالم.
ويقال إن عمر بن الخطاب سأل يوماً في مجلسه هل هو خليفة أم ملك؟ فأجابوه أن الملك يعسف الناس وأن عمر لا يفعل ذلك فهو لا يمكن أن يكون ملكاً. ونستنتج من هذا أن الملك لا يمكن أن يكون عادلاً، وقد قال الله في القرآن: " إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون"، ورغم هذا بايع أئمة الإسلام ملوك بني أمية، ولم يحتجوا على ملكهم. ورغم ظلم الملوك يقول القرآن: " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء " ( أل عمرآن/26). فرغم ظلم الملوك يعطيهم الله الملك.
وقد نبذ المسلمون الأوائل الملكية وأصروا على أن حكامهم خلفاء للرسول، ولكن لم تكن الخلافة نظاماً بالمعنى الكامل، ولم يكن لها أصول تمكنها من أن تكون نظرية للحكم ذات حدود صلبة تضمن ديمومتها. وقد اعتبر أبن رشد نظام الخلافة نسخة مطابقة لجمهورية إفلاطون الفاضلة[49]. وجمهورية إفلاطون الفاضلة كانت نظام حكم نظري لم يسبق له أن طُبق لاستحالة توافر الشروط التي أتى بها إفلاطون في الحاكم، ولذا انتهى نظام الخلافة بقيام الدولة الأموية.
وفي القرآن آية تقول: " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا "[50]، ويقول القرطبي في تفسير هذه الآية: " الركون هو السكون إلى الشئ والرضى به. وقال قتادة: معناه لا توادوهم وتطيعوهم". فإذا كان الحاكم ظالماً جائراً فيجب على المسلمين ألا يستكينوا له، وعليهم أن يخرجوا عليه. ولكن لأن القرآن يقول كذلك: " أطيعوا الله وأطيعوا والرسول وأولي الأمر منكم"، فقد اختلط على المسلمين الأمر، فتدخل وعاظ السلاطين فقالوا إن الله هنا يقصد الكافرين والمشركين الذين يجب ألا نوادهم. فطاعة الحاكم أمر إلهي. وقد قال أبو بكر للمسلمين وقت بيعته: " أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم". ولكن في زمن عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان، أصبح عدد كبير من الصحابة لمستفيدين من ذلك الحكم، لذلك أطاعوا الحكام رغم أن الحكام لم يطيعوا الله في عدة وجوه.
ثالثاً: إجماع المؤمنين
عندما ثار زيد بن عليّ على هشام بن عبد الملك في العراق، اختلف الفقهاء في هذه الثورة والأمر بإطاعة أولي الأمر، ويقال إن أبا حنيفة كان يؤيد زيداً ويواليه. وقال الزمخشري: كان أبو حنيفة يفتي سراً بوجوب نصرة زيد بن علي وحمل الأموال إليه والخروج معه على الخليفة. ولكن اتباع أبي حنيفة يقولون إن هذه الرواية غير صحيحة وفقهاء الحنفية مجمعون على القول بعدم جواز الخروج على السلطان ( الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد ج 13 ص 395.)
والإسلام يؤكد مراراً وتكراراً على وحدة المسلمين وجمع صفهم، حتى أن بعض العلماء أفتى أن أي شئ يجتمع عليه المسلمون فهو حق بدليل قول الرسول: " لا تجتمع أمتي على ضلال ". و لذلك عندما تنازل الحسن بن عليّ عن الخلافة وبايع المسلمون معاوية، وتوحدت الدولة الإسلامية مرة أخرى، سُمى ذلك العام بعام الجماعة، رغم أن المسلمين اجتمعوا خلف رجل داهية في السياسة لكنه أبعد ما يكون عن تعاليم الإسلام، وحارب خليفة رسول الله كما حارب أبوه رسول الإسلام على مدى عشرين عاماً. فإجماع الأمة هدفٌ في حد ذاته في الإسلام، وليس مهماً على أي شئ يجتمعون لأن الرسول أخبرنا أنهم لا يجتمعون على ضلال.
وقد رأينا أن الخليفة عمر بن الخطاب قبل أن يموت كان قد اختار ستةً من الصحابه وأمرهم أن يختاروا الخليفة من بينهم، ورأينا كيف أنه عيّن المقداد بن الأسود حاجباً لهم، وقال له: إن أجمع خمسة على رجل منهم وأبى الآخر فاضرب عنقه.

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05372 seconds with 11 queries