عرض مشاركة واحدة
قديم 08/02/2008   #8
شب و شيخ الشباب مالك الحلبي
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ مالك الحلبي
مالك الحلبي is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
المطرح:
حلب
مشاركات:
990

افتراضي


قرقوش

فمن هو قراقوش؟.
هو أحد قواد بطل الإسلام صلاح الدين الأيوبي، كان من أخلص أعوانه ومن أقربهم إليه، وكان قائداً مظفراً، وكان جندياً أميناً، وكان مهندساً حربياًً منقطع النظير.
وكان مثالاً للرجل العسكري، إذا تلقى أمراً أطاع بلا معارضة ولا نظر ولا تأخير، وإن أمر أمراً لم يرض من جنوده بغير الطاعة الكاملة، بلا اعتراض ولا نظر او تأخير.
وكان أعجوبة في أمانته، لما أحس الفاطميون بقرب زوال ملكهم، شرعوا يعبثون بنفائس القصر، ويحملون منها ما يخف حمله، ويغلو ثمنه، وكان القصر مدينة صغيرة، كدس فيها الخلفاء الفاطميون خلال قرون، من التحف والكنوز والنفائس، ما لا يحصيه العد ، ولو أن عشرة لصوص أخذوا منه ما تخفي الثياب ، لخرج كل منهم بغنى الدهر ولم يحس به أحد.
فوكل صلاح الدين قراقوش بحفظ القصر، فنظر فإذا أمامه من عقود الجواهر والحلي النادرة ، والكؤوس والثريات، والبسط المنسوجة بخيوط الذهب، ما لا مثيل له في الدنيا، هذا فضلاً عن العرش الفاطمي، الذي كان من أرطال الذهب، ومن نوادر اليواقيت والجواهر، ومن الصنعة العجيبة ما لا يقّوم بثمن.
وكان في القصر فوق ذلك من ألوان الجمال في المئات والمئات من الجواري المتحدرات من كل أمم الأرض، ما يفتن العابد.
فلا فتنة الجمال، ولا إغواء المال، ووفي الأمانة حقها، ولم يأخذ لنفسه شيئاً.
وهو الذي أقام أعظم المنشآت الحربية، التي تمت في عهد صلاح الدين، وإذا ذهبت إلى مصر، وزرتم القلعة المتربعة على المقطم، المطلة على المدينة، فاعلموا أن هذه القلعة، بل هذه المدينة العسكرية، أثر من آثار قراقوش.
وإذا رأيتم سور القاهرة، الذي بقي من آثاره إلى اليوم ما يدهش الناظر، فاعلموا أن الذي بنى السور، وأقام الجامع، وحفر البئر العجيبة في القلعة هو قراقوش.
ولما وقع الخلاف بين ورثة صلاح الدين، وكادت تقع بينهم الحروب، ما كفهم ولا أصلح بينهم إلا قراقوش.
ولما مات العزيز الأيوبي، وأوصى بالملك لأبنه المنصور، وكان صبياً في التاسعة من عمره، جعل الوصي عليه والمدبر لأمره قراقوش، فكان الحاكم العادل، والأمير الحازم، أصلح البلاد، وأرضى العباد.
هذا قراقوش، فمن أين جاءت الوصمة التي وصم بها؟ ومن الذي شوه هذه الصورة السوية.
إنها جريمة الأدب ياسادة.
لقد أساء المتنبي إلى كافور، فألبسه وجهاً غير وجهه الحقيقي، وأساء أبن مَمّاتي إلى قراقوش فألبسه وجهاً غير وجهه الحقيقي.
ولم يعرف الناس من الأثنين إلا هذا الوجه المعار كوجوه الورق التي يلبسها الصبيان أيام العيد.
وابن مَمّاتي هذا كاتب بارع، وأديب طويل اللسان، كان موظفاً في ديوان صلاح الدين، وكان الرؤساء يخشونه ويتحامونه، ويتملقونه بالود حيناً وبالعطاء أحياناً، لكن قراقوش وهو الرجل العسكري الذي لا يعرف الملق ولا المدارة لم يعبأ به، ولم يخش شره، ولم يدر أن سن القلم أقوى من سنان الرمح، وأن طعنة الرمح تجرح الجرح فيشفى، أو تقتل المجروح فيموت، أما طعنة القلم فتجرح جرحاً لا يشفى، ولا يريح من ألمه الموت.
فألف ابن مَمّاتي رسالة صغيرة، سماها (( الفاشوش في أحكام قراقوش)) ووضع هذه الحكايات ونسبها إليه.
وصدقوها الناس، ونسو التاريخ.
ومات قراقوش الحقيقي، وعاش قراقوش الفاشوش كما مات كافور التاريخ وعاش كافور المتنبي، وكما نسي عنترة الواقع وعرف عنتر القصة.
وهذا يا سادة سلطان الأدب، فيا أيها الأدباء، أتقوا الله في هذا السلطان، ويا أيها الناس لا تخدعوا بتزييف الأدباء.

(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النور:19]
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05349 seconds with 11 queries