[Ghiath]

كلما تجولت في الوادي الأخضر .. وكلما تنقلت بين طرقاته وزواريبه .. لفتني شيء جديد مفرح .. فأحياناً ألعب مع أطفال الكرنفال المرمريتاوي الرائع .. وأحياناً أنحني لعظمة قلعة الحصن الشامخة .. وأحياناً أركع على مذابح الدير المقدس .. وأحياناً وأحياناً ..
خلال جولتي هذه المرة طالعتني مجموعة من اللوحات المنتشرة في قرى الوادي المتجاورة .. ما لفتني أن هذه اللوحات البيضاء اللون ذات القياس الكبير ( 1 × 2 متر تقريباً ) والتي خطّت عليها كلماتها بأحرف حمراء كبيرة :

( كلّ مسيحيي وادي النصاري
يستنكرون الإساءات التي وجهتها الصحف الغربية للنبي محمد صلّى الله عليه وسلّم )



هذه اللوحات كانت معلقة في أماكن تمكّن كل عابر من قراءتها حتى من نافذة سيارته المسرعة ، وأنها جميعها كانت نظيفة جداّ لم تقترب منها يدٌ مخربة أو عابثة ، على الرغم من كونها جميعاً تقف على جدرانها وحيدة ليلاً دون حماية ودون رقيب ..
تساءلت .. لماذا لم أرَ هذه اللوحات على شاشات التلفزة العربية والعالمية التي نقلت بكثافة مميزة مشاهد حرق السفارات الأجنبية في دمشق وبيروت ؟.. أنا طبعاً لا أدافع عن عما حدث للسفارتين من تخريب لأنني على قناعة تامة بأن الذين قاموا بهذا الفعل ومهما كانت دوافعهم ودوافع من ورائهم وقدامهم لا يمثلون أبداً الإسلام ولا المسلمين بوجههم الحضاري الثقافي المتسامح ..
حين قرأت هذه الكلمات البسيطة الواضحة المفهومة للجميع أرجعتني ذاكرتني إلى العديد من الحوارات والندوات التي تابعتها في العديد من البرامج المحلية والعربية والعالمية حول مسيحيي الشرق .. دورهم .. تاريخهم ومستقبلهم .. وإلى آخر هذه الدويخة التي ستبقى تدور في ذهن من يريد لها الدوران ..
ما أريد قوله أن هذه الكلمات القليلة أوصلت الفكرة الحقيقة التي تقول أن مسيحيي هذا البلد هم أهل بلد .. كما هم المسلمون أهل بلد .. وأن كل تفاصيل الحياة بصغيرها وكبيرها بحلوها ومرّها معقودة بينهم منذ أربعة عشر قرناً ونيّف .. وعلى كل من لا يريد أن يفهم هذه الفكرة الحقيقة أن يفهمها ..
أنا هنا لست بصدد الحديث عن الرسوم التافهة التي حاولت المساس بشخص الرسول الكريم لأن الرسوم بحد ذاتها لم تعد المشكلة، بل المشكلة غدت أعمق وأوسع .. المشكلة باتت صراع مفهومين حضاريين مختلفين وعلى الطرفين التوصل إلى حلّ شاؤوا أم أبوا لأنهم إن لم يفعلوا فالجميع سيخسر ..
ربما في هذه اللوحات مكمن الحل .. فبساطتها حل وتلقائيتها حل وتعبيريتها حل ..
أنا طبعاً لا أطلب من مسلمي ومسيحيي الشرق المُساء إليهم وإلى أحد أعظم مقدساتهم أن يحصروا المطالبة بحقوقهم بلوحات تعلق على جدران .. على العكس تماماً أطالبهم أن يكونوا أكثر وعياً في إيصال مطالبهم المحقة ..
أحدهم أذنب علينا إذن أن نطالب بمعاقبة الفاعل والمحرض والمستفيد، هذا طبعاً بعد أن نتفق فيما بيننا من المحرض ومن المستفيد لأن اللفاعل معروف للجميع .. هكذا ببساطة وتلقائية ومتابعة ومثابرة إلى نصل إلى ما نريد .. هذا طبعاً بعد أن نتفق على ما نريد .

ناجي درويش.
.
.
.
.
منقــــــــــــــــــــــ ــول
و دمتــــــــــــــــم