عرض مشاركة واحدة
قديم 19/10/2009   #3
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


أولئك الطلائعيون عاشوا وراء أفقنا، في الجليل، وفي الشارون وفي المرج (ابن عامر). شباب أقوياء، حميمو الفؤاد ولكنهم سكوتون مستغرقون في التفكير، وفتيات ممتلئات الجسم، صريحات، متمالكات النفس، كأنهن يعرفن كلّ شيء ويفهمن كلّ شيء، يعرفنك أيضًا ويعرفن كلّ ارتباكاتك، وبالرغم من ذلك فهن يتصرفن معك بلطف وجدّية واحترام، ليس كما مع الأولاد بل مثل رجل ككل الرجال ولكنه ما زال قصير القامة.
بدا هؤلاء الطلائعيون والطلائعيات أقوياء، جدّيين، يحفظون السرّ، قادرين على الغناء في حلقة أغاني الحنين والأشواق التي تقطع القلب وكذلك أغاني الدعابة والهزل وأغاني الشهوة الجريئة إلى حد الفزع الذي يتجاوز حدود الحياء، قادرون على عاصفة من الرقص الجارف حتى النّشوة، قادرون على الانزواء والتأمل، على حياة الميدان والخيام، وعلى كلّ عمل صعب، "نحن رهن الإشارة دائمًا"، "حمل إليك أبناؤك سلام – المحراث، واليوم يحملون إليك السلام على البنـــاد- ق!"، "حيثما نُرسَل – إلى هناك نتوجّه"، قادرون على ركوب الخيول غير الأليفة، والجرّارات ذات الجنازير العريضة، يعرفون العربية، يعرفون المغاور والأودية والمسدسات والقنابل اليدوية، وإلى جانب كلّ ذلك، يقرؤون الشعر وكتب المطالعة، واسعو الاطلاع، يكتمون مشاعرهم، يتحادثون أحيانًا فيما بينهم بصوت منخفض جدًًّا على ضوء شمعة في خيمتهم في الهزيع الأخير من الليل حول معنى الحياة وعن الاختيار الشهيّ بين الحبّ والواجب وبين الحاجة القومية وبين الحقّ.
أحيانًا كنت أذهب مع أصدقاء إلى ساحة تنوفا حيث تفرّغ الشاحنات حمولتها، كي أنظر إليهم قادمين من وراء جبال الظلام على ظهر شاحنة محمّلة بالمنتجات الزراعية، "يلبسون الملابس العادية والنطاق والأحذية الثقيلة"، كنت أدور حولهم كي أشمّ رائحة القشّ وانتشي بروائح المسافات: هناك، عندهم، تحدث الأمور الكبيرة بالفعل. هناك يبنون البلاد ويصلحون العالم، وينشئون مجتمعا جديدا، يتركون أثرهم على الأرض وعلى التاريخ، هناك يحرثون الحقول ويغرسون الكروم، هناك يؤلفون شعرا حديثا، هناك يركبون مدججين على ظهر الفرس ويردون بالنار على نيران الثوّار العرب، هناك يأخذون الرعاع التافهين ويصنعون منهم شعبا مقاتلا.
حلمت سرا بأنهم يأخذونني أيضًا إليهم في أحد الأيام. كي يحوّلوني أيضًا إلى شعب مقاتل. كي تتحول حياتي أيضًا إلى شعر حديث، حياة نقية، مستقيمة وبسيطة مثل كأس ماء بارد في يوم حار.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.02926 seconds with 11 queries