هذا الخريف لك ، ولك ما تستغني عنه الأشجار من زينة ورقة ورقة ، و ما من زينة لك غيرها ، و انت تتغاوى في الدخول الى قاعات فارغة . تدق البلاط دقّا لتُسْمِع نفسك صوت خطواتك عاليا عاليا ، بلا سبب . كأن الوقت كله يوم أحد ... ما من أحد يصحو ، الساعة ، ليتأكد من أي شيء. و في الضوء على الأرصفة ثقوب فضية كحروف من لغة لم تدوّن بعد . و في الورد المطمئن في المربعات فرح يحييك و يُسَليك : تمهل ! و تأمّل في ما ينسيك المقارنة الجاهزة ، وأرْخِ رَسَن المكان قليلا ، فالذاكرة هي أيضا في حاجة الى ما يرتب فوضاها ، دُرْجاً دُرْجاً ،في هذا الخريف .
محمود درويش
مقطع من نص " في حضرة الغياب "
وجعي تراث الناي يشرب من دمي بوْح الغروب و صُفرة الأهدابِ
أمرُّ باسمكِ إذ أخلو الى نفسي