الغربةُ مثل الفودكا كلاهما يفتكان في جسدي فتكَ النّسرِ بطريدته!
كنتُ في غربةٍ إبّانَ دراستي في لبنانَ، غربةٍ في لهجتي، وغربةٍ في مهجتي! كنتُ غريباً عن أجواءِ هذا البلد، عن جوّه السياسيّ، وعن جوّه الاجتماعيّ... إلخ! وما أن تآلفتُ "فكرياً" معه، بعد عامٍ أو عامين من الدراسة فيه، حتّى بدأت سلاسلُ الغربة تتفكّك عن أوصالي ولمّا تتمّ عتقي بكليّتي حتّى غادرتُه إلى بلدٍ أوروبيّ في صدرِه الغربيّ ينبضُ قلباً شرقيّا! مكثتُ فيه أربعة أعوام ونيّف وذقتُ الغربة كما لم أفعل في لبنان!
وبعدَ مضيّ هذه الأعوام... وبعدَ أن صقلتُ جهالتي، وقوّمتُ ما خلّفته العادات البالية في نفسي، ومنحتُ هذه النفس مكاناً فسيحاً تلهجُ فيه وتلهو، اقتطفتُه من حياتي الدنيا في عالمٍ غريقٍ بأسباب المادّة؛ دفعتني الظروف إلى العودة إلى بلدي. وما أن راحت الأيّامُ الأولى تعدو حتى اختنقتُ وقلتُ: غربةٌ في الوطن لأشدُّ كفراً من أيّة غربة! كنتُ غريباً عن بلدي وأبنائه في فكري وعاداتي ومهما فعلتُ إلا أنّني بقيتُ على هذه الحال قلباً واضطررتُ إلى أن أكون على غيرها قالباً!
وها قد عُدتُ لبنان وغربتي لمّا تزل على ذينك الحال!
هذا العالمُ بأسرِه لن يفكّ غربةَ نفسي عنه وعن أصحابِه!
.
Mors ultima ratio
.
www.tuesillevir.blogspot.com
|