عرض مشاركة واحدة
قديم 18/08/2008   #8
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


معنى أن تكون ناصرياً اليوم



ليست هذه زيارة الى ثورة يوليو. فقط الى حقبة فيها. الحقبة الناصرية. لا نوستالجيا في الأمر. فعبور الزمن سيتم ذهابا من احداث راهنة الى تجربة سابقة، وإيابا منها الى محاولة استكشاف منطق في التعاطي مع مشكلات حالية. والقصد طرح السؤال التالي: هل يمكن للعربي ان يكون ناصريا اليوم؟
البداية، وهي ذريعة، ما حصل لهدى عبد الناصر في »الأهرام«. انه تحريف في عنوان مقال. لكنه تحريف يقول الكثير. ارادت ان تنقل عن والدها شرحه لقبول مبادرة وليام روجرز. فهو يسعى الى تجنب ظرفي لمواجهة مع الولايات المتحدة من أجل ان يتمكن من بناء سد الصواريخ في سياق حرب الاستنزاف. غير ان العنوان اوحى ان الرجل يعتزم الانسحاب الكامل من المواجهة. فبدل موقف »ناصري« معقّد بتنا أمام موقف »ساداتي« بسيط.
موقف جمال عبد الناصر، في هذه الحالة، مركّب. وهو نموذج عن نهج. فهو يسمح لنفسه بالتراجع التكتيكي في معركة. يحيّد خصوما. يكسب اصدقاء ويورطهم. يستخدم الوقت لتعديل موازين القوى. لا يضيّع هدفه النهائي. يحسن تقدير نفوذ القوى الخارجية ومعنى التفوق الاسرائيلي. يستفيد، قدر المستطاع، من تناقضات. يبحث عن تحالفات ثابتة وراسخة تقوم على تبادل المصالح. يظهر معرفة بالعالم كما هو فعلا وكما يحدد سياساته. يراهن على صدقيته الوطنية والقومية بما يوسع هامش المناورة لديه. يتراجع خطوة إعدادا للتقدم خطوتين. يفهم الصلات العميقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ولا يمنعه ذلك من احراج الطرف الاقوى، عبر استعارة مظلته، من أجل اتقاء هجوم الطرف المحلي او تكبيل يديه. يطوّق بالسياسة ارجحية الخصم العسكرية في انتظار استعادة القدرة الدفاعية في طور ارقى من المواجهة. يميّز بين لحظة هجوم ولحظة دفاع لجهة الشعارات واساليب العمل الخاصة بكل منهما.
من وقف، آنذاك، ضد هذا السلوك. فعل ذلك حشد من فرسان الجملة الثورية. من المزايدين. من الذين اعتبروا هزيمة 67 ازاحة لآخر عقبة من درب الثورة الحقيقية. من الذين خلطوا بين خدش اسرائيل عند القشرة وبين الاعداد لمواجهة جدية معها. من الذين اشتروا راحة الضمير بدولارات يدفعونها لمن يبدو تجاوزا لعبد الناصر عن يساره. من المأخوذين بثورات الطلاب في العالم. من »الخواجات« اليسراويين. من القطريين في فلسطين وغيرها. من اصحاب نظرية التوريط الصبيانية. كان هؤلاء كلهم قلة. لكنهم اعتبروا قبول المبادرة خيانة وعملوا، من حيث يدرون او لا يدرون، في خدمة عرب آخرين وقفوا ضد المبادرة شكلا ومع صاحبها ودولته وإدارته فعلا ومضمونا.
لقد كانت تلك المرحلة مهمة (حوادث أيلول 1970 بعدها، وموت عبد الناصر). ومنذ ذلك الوقت لم نعد نشهد في الحياة السياسية العربية خطا يجمع بين الواقعية الباردة في الحساب وبين التمسك بأهداف بعيدة مع تسخير الوقت والجهد لاحداث التعديلات التي تقيم وصلا بين الوضع الملموس والقصد المنشود.
بتنا أمام واقعية مبتذلة تفهم التغيير انتقالا أي تراجعا من تأقلم الى آخر. وامام نزعة تمردية اخلاقية تخلط بين »ان الحق معنا« وبين توفير امكانات وطنية وقومية ودولية لانتزاعه. وأمام سياسات »قنفذية« تتمسك بالمطالب ولا تنتهج سياسة تراكم الانجازات لكسر التقوقع والاقتراب من الاهداف.
انتهت بموت ناصر هذه المحاولة الفريدة في تاريخ العرب الحديث للمشي على حد الشفرة (مع خطر السقوط دائما)، للمشي باستقامة على حبل حاملا ما يساعده على التوازن: معرفة بالواقع من جهة وحرص على تغييره من جهة ثانية. لم نعد نعيش في ظل سياسات تعرف امكاناتها في بلدها وامتها وعالمها وتطرح الشعارات الملائمة ليس لتأبيد الأمر الواقع وإنما لتحريكه، ولو جزئيا، نحو تأمين مصالح محددة.

صدر، قبل أيام، تقرير التنمية الانسانية العربية. كل صفحة صفعة. نحن أمة في القاع تنمويا وديموقراطيا واندماجا وثقافة وإنتاجا. انه عرض حال مزر. يكاد يكون بيان إفلاس.
سال حبر كثير في عرض التقرير والتعليق عليه. ولأن 23 يوليو كان يقترب ذهب البعض الى اكتشاف العلة في الناصرية. ان جمال عبد الناصر هو الذي سقى جذور هذا التخلف المريع. تناسى اصحاب هذا الرأي ان الناصرية دامت، عمليا، 15 سنة فقط (1955 1970) وأننا نعيش منذ 32 سنة مرحلة لاحقة عليها تحمل، في جوانب كثيرة منها، سمات الارتداد عليها. لقد حصل انعطاف مذهل بعد 1970. وما نحن عليه، اليوم، تعود مسؤوليته الى الفئات التي تولت السلطة بعد ذلك. او، بالاحرى، تعود اليها وإلى مثيلاتها ممن كانت حاكمة قبل 1970 في بلدان عديدة بأكثر مما الى عهد الثورة. خاصة ان هذه الفئات، مهما بدت مختلفة مع بعضها اليوم، كانت على خلاف، من مواقع متباينة، مع عبد الناصر.
ان حكامنا اليوم هم ممثلو الشقاق ما بعد 1970 بين الواقعية المبتذلة والهوبرة الجذرية. وإذا وضعنا جانبا فشلهم المتمادي في حل المسألة الوطنية والقومية فاننا نبقى، بشهادة تقرير التنمية، أمام فشل مذهل في الجواب عن سؤال التنمية.
كانت التنمية هما ناصريا بامتياز. وكانت كذلك الى حد ان قوميين مشارقة اعتبروا ذلك مذمة. دعا عبد الناصر (ومارس) الى السيطرة على ثروات البلاد، وإدارتها من دون انغلاق، وتوسيع رقعة المستفيدين منها. وسعى الى بناء قاعدة صناعية، والاهتمام بالريف، والاصرار على اعلى قدر ممكن من التكامل العربي. وفتح باب التعليم أمام أبناء الفقراء. ان هذه بعض من معالم تلك المرحلة. لم تكن موفقة يقول بعض النقاد. صحيح لم تكن موفقة تماما. ولكنها، في المعايير التي كانت سائدة في ذلك الوقت، عربيا وعالمثالثيا، كانت أفضل من غيرها ضمن الشروط المتاحة لها. ولقد شكل ضغط القضية الوطنية، بفعل وجود اسرائيل وتوسعها ولعبها دورها
في قفل طريق الاستقلال، شكل هذا الضغط عنصرا معرقلا لأن المصالح الغربية المتضررة، ومعها ركائز عربية نافذة وداعمة لها، وجدت رأس الحربة النموذجي... والناجح.
ان السياسات التي اتبعت (في عهد عبد الناصر وبعده) تؤكد اننا كنا امام مشروع قاصر للتنمية فبتنا امام مشروع ناجح للتبعية. فمن طفرات الريع النفطي، الى تسخير القطاع العام لمصالح ما دون وطنية، الى إعادة الهيكلة، الى الانفتاح، الى حفز المزاج الاستهلاكي، الى اعدام قيمة العمل والانتاج، الى الارتكاز على سلع تصدير أحادية، الى رفض أي نهج تكاملي، الى... إن ذلك كله هو الذي دفع باتجاه ان تكون حالتنا على ما يصفها التقرير. لقد انتهى التحدي الناصري للآخرين عبر نموذج اقتصادي، اجتماعي مغاير ومع ذلك فإن الفوارق بيننا وبين العالم المتقدم تزداد. ومن دون الادعاء بأن النموذج قابل للاستعادة، في عالم اليوم، فإن فيه توجهات عامة تبقى أكثر قدرة على اعانة العرب في مواجهة عصر العولمة وبناء القدرة الذاتية للخوض في هذا الغمار.
أجرى ثلاثة وزراء خارجية عرب محادثات في واشنطن تناولت الموضوع الفلسطيني في لحظة تأزم خطيرة.
الشكل شكل تضامن عربي. الواقع غير ذلك. غاب السوريون. غاب اللبنانيون برغم ترؤس العمل المشترك حتى القمة المقبلة. وغابت، الى حد بعيد، المبادرة الاجماعية التي اقرت في بيروت. ومن يدقق النظر يكتشف تباينات بين اعضاء الوفد انفسهم. يمكن، لمن يحب المقارنات السريعة، ان يرى في الجهد العربي للتأقلم مع رؤية جورج بوش شيئاً يشبه قبول عبد الناصز مبادرة روجرز. ان في ذلك قدراً من التسرع. فهذا التأقلم لا يريد كسب الوقت لتعديل أي شيء، وهو يأتي، اصلا، في استطراد مبادرة غير مرفقة ببدائل. ان التأقلم هدفه ايجاد امتداد عربي يمارس وصاية »قومية« على قضية فلسطين من دون اي ادعاء بامتلاك تصور ارقى يقود الى بذل جهد اكبر من اجل حل اكثر عدلاً.
لم يكن جمال عبد الناصر فلسطينياً. كان عربياً. او، اصبح عربياً. ولا حاجة، اصلا، لزعيم مصر لان يكون عربياً كما قد تكون حاجة زعيم مشرقي. وعلى الارجح ان الناصرية، كتجربة، تهزأ من الفكرة القائلة ان قضية فلسطين هي قضية العرب المركزية. وهذه الفكرة، بالمناسبة، تستحق الهزء. ان قضية العرب المركزية هي سيرهم نحو مشروع جامع بينهم يؤمن لهم مصالحهم في هذا العالم بأفضل طريقة ممكنة، واسرائيل، بالاصالة عن نفسها والنيابة عن غيرها، هي واحدة من اهم العقبات امام هذا المشروع. لقد وُجدت من اجل ذلك. ومن هنا فإن العرب، في سعيهم الى تحقيق قضيتهم المركزية، مضطرون للتعاطي مع المسألة الاسرائيلية. ويحق للفلسطينيين اعتبار هذه المسألة قضيتهم الوجودية لا المركزية فحسب بحكم الطابع الاستيطاني للصهيونية.
تمثل الناصرية، بهذا المعنى، ارقى حالة عربية (واسلامية طبعاً) في التعاطي مع الموضوع. لقد اكتشفت، بالتجربة، عشية وأثناء وغداة العدوان الثلاثي، معنى اسرائيل المستمد من الاعتراض الاستعماري على نهضة العرب. وحاولت تقديم جواب مركب بقضي بالاستمرار في إيقاظ مصر والعرب وفي خوض اشكال من الحرب الباردة (او الساخنة بمقدار) مع اسرائيل. وتحكم بالصراع مفهوم يقول انه مدعاة الى الترقي العام من اجل الوصول الى حالة تسمح برد التحدي. يصب الصراع، اذاً، في مجرى اوسع منه: انه يستفز التقدم ويوجد مناعة داخلية، بالمعنى الممتد من الاقتصاد الى الثقافة، تحرم اسرائيل من لعب دورها التعطيلي.
يستند هذا الوعي الناصري (المصري؟) الى تقدير لجدلية العلاقة بين القطري والقومي. فضغط القطري يفرض اجوبة خاصة به كمستوى مستقل. وتطلب القومي يشترط وعياً بالمصالح المشتركة المستقبلية وبالتدرج الطوعي نحوها. وهكذا ما لم تنشأ مصلحة قطرية في التحرر والتقدم، وما لم يتم اكتشاف الصدام بين ذلك وبين وظيفة الكيان الاستعماري وادوات الهيمنة الغربية الاخرى، فلا مجال لاقناع شعوب بأكملها وزجها في معارك الدفاع عن طموحاتها.
ان تفسيراً محتملا للناصرية يقول انها تشرط وجود »القومي الجيد« في »القطري الجيد«. لذلك تردد عبد الناصر امام الدعوة السورية الى الاندماج الفوري. ولذلك لم يحبط الانفصال وكان في وسعه ذلك (ليته فعل؟). ولذلك رعى صيغة ما للقطرية الفلسطينية. ولذلك عقد صفقة مع فؤاد شهاب. الناصرية تقود الى، في آن معا، الى تشذيب للقطري وتهذيب للقومي من اجل ضمان مسار مديد يبدأ بتحصين الوحدات الوطنية الداخلية ليصل الى عدم التنابذ بين الدول ثم يتدرج نحو التكامل لتكون الوحدة في الافق البعيد.
والمأساة »القطرية« الفلسطينية واجبة العلاج عبر تطويق اسرائيل وإضعافها وحصارها بالتقدم العربي لانه متى تم الارتضاء بالتعايش مع هذه المأساة باتت المطالبة صعبة بحقوق اخرى تبدأ بحقوق العمال وتمر بحقوق الاقليات ولا تنتهي بحقوق النساء.
ان رغبة في الاستفزاز تدفع الى القول بأن عبد الناصر لامس، ذات مرة، فكرة القبول بالكيانية الاسرائيلية نفسها في عملية مقايضة تاريخية كبرى يحصل فيها العرب، والفلسطينيون ضمنهم، على انجاز حقيقي في ما يخص قضيتهم المركزية. ولكنه، هنا ايضاً، اكتشف استحالة ذلك لانه يعني نسفاً للعلة الجوهرية للكيان الصهيوني وهي علة غبر ذات صلة بتجميع اليهود المضطهدين في العالم.
ان ما يحصل عربياً اليوم هو محطة في التسليم بانتصار المشروع الصهيوني: يأخذ الاسرائيليون ما يريدون وتأخذ القوى الاجنبية الباقي وتستمر في تأقلم انحداري لا قعر له.
***
يمكن الاستطراد في هذه الزيارة، انطلاقاً من وقائع راهنة، الى الناصرية. ويمكن، من دون خجل، التطرق الى مسألة الديموقراطية تقييماً ونقداً للرجل الذي حرك كتلة الملايين الهامدة، غير ان الدليل السياحي منحاز لصالح ترجيح الايجابيات الماضية في ضوء الواقع الحالي.

... ومع ذلك هزم جمال عبد الناصر. لقد حورب لايجابياته وهزم للنواقص الفادحة في نظامه، فهل نرمي الولد مع ماء الغسيل الوسخ؟
أن تكون ناصرياً، اليوم، يعني ان تتمثل نقدياً هذه التجربة لتؤسس على دروسها وتتجاوزها. ليست هذه حالة الناصريين ولا حالة الآخرين على تنوعهم. فالثورة المضادة التي اندلعت عام 1970 تأخذ في طريقها كل شيء بما في ذلك الوعي. وهي ما زالت عاتية وتخبئ لنا ما تعتبره سداداً من جانبنا عن فترة حاولنا فيها حضوراً عاقلا وكريماً.

07/23/2002

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05551 seconds with 11 queries