عرض مشاركة واحدة
قديم 25/07/2007   #1
شب و شيخ الشباب BL@CK
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ BL@CK
BL@CK is offline
 
نورنا ب:
Apr 2007
المطرح:
Aleppo-Syria
مشاركات:
4,345

افتراضي مـلـحـدٌ مـن الـعـصـور الـقـدمـى ..


تعتبر البوذية ظاهرة فريدة فى عالم الدين والفلسفة , فهي الدين الذى لا يعرف له رباً ينتهى اليه و الفلسفة التى تبتدأ بما هو محسوس لتنتهى إلى ما هو صرف ومطلق , وربما هي أكثر الفلسفات شيوعاً ورواجاً بين اناساً من جميع الطبقات فلاسفة ومثقفون وعمال بسطاء , شرقا وغربا .


ورغم الحروب الضروس التي شنت عليها لأقتلاعها اقتلاعاً وهنا نذكر الحملات الهندوسية .. المسيحية .. الإسلامية .. الشيوعية , إلا إنها لازالت حية و مزدهرة ولاتزال منبع الهام لملايين البشر

البوذية دين بلا اله و فلسفة لا تتوقف عند المصطلحات بل تسعى لتحويل الفكر الى ممارسة

تبدأ قصتها المعروفة مع امير شاب يرى حجم المعاناة الأنسانية الفقر المرض الجهل الموت , فيقرر ان يبحث عن علة كل هذا , فيأخذ طريقه الى الغابات وحيدا متأملا مجرباً كل انواع الممارسات التآملية والتقشف وقهر الذات.

لكنه لا يتقدم خطوة واحدة بل يقع فى ظلمة نفسية عميقة تكاد تصل به الى اليآس , رويدا رويدا يكتشف طريق الأعتدال فالتنور ليس منوطاً بقهر الجسد و التنكر له فما الجسد إلا صديق الروح و رفيقها فى هذا العالم , ليتبنى طريق الأعتدال فالعقل السليم فى الجسم السليم كماتقول الحكمة .

يتقدم رويدا فى اكتشاف الحكمة حتى يشرق الفجر فى اعماق نفسه , وليصبح بوذا (المتنور) , يكتشف ان سر المآساة البشرية يقبع فى احضان العقل , الذى يبنى تصوراته على ان السعادة فيما هو محسوس وجسدى , فى حجم الممتلكات والأثقال , لكن هذه السعادة لا تجلب ورائها الا مزيدا من التعاسة فعندما يتعلق القلب بها وتصبح محور اهتمامه ينكسر القلب مع انكسارها ..

ليقدم طريقا آخر للسعادة الرحمة الكونية الأيمان ان الأنسان جزء من هذا الكل قطرة من هذا البحر علاقته بالكون والأشياء رحمة ومحبة وليس تقاتل وتنازع وسفك دماء .

نلاحظ أن بوذا .. لايأخذ البشر مغرقاً إياهم فى تفاصيل حول وجود الهي مستقل , او رباً جالساً على عرش الكون , فهو لا يرى هذا شيئاً مهماً ولايعيره اهتماماً , الكون كان موجودا من الأزل وسيظل موجودا الى الأبد , والنفس (آتما)موجودة من الأزل الى الأبد تتحول من صورة الى أخرى تتقمص قمصا عدة لكن جوهرها نوراني ابدي(الطاقة بالتعبير العلمي).

كان ثائرا رافضا للكهنوت ونظام التقسيم الطبقى , لكنه لم يرفع سيفاً و لم يقاتل احدا ولم يأخذ سبايا ولاجواري ولم يكره احداً على إتباعه ولم يطلب حتى من أحدا أن يتبعه ..

ركز اهتمامه على تدريب محبيه و مريديه على سلوك طريق الكلام الصحيح التفكير الصحيح العمل الصحيح الطعام الصحيح , إدراك ان خلاصهم الشخصي جزء من الخلاص الكوني , ولاخلاص دون شفقة و لا عنف فلم يعد أحدا بجنة تحت ظلال السيوف ولا فردوساً بحور عين ولحم طيرا مما يشتهون , بل الفردوس هو تحرر العقل من شوائبه واوهامه وادراك متعة أخرى على مستوى أعلى وأرقى .. !!!

بوذا كان ملحدا ..

بوذا كان انسانا فى ارقى صور الوجود البشرى , الأنسان الذى يتوحد بالكون فى محبة لاتنتهى..

ويحَ زمَنٍ أصبَحَ فيهِ عاشِقُ الوطَنِ يُهان ..

ويُشطَبُ مِن ذاكرةِ عشقِهِ ..

ومِن قائِمَةِ بني الإنسان !!



.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03407 seconds with 11 queries