عرض مشاركة واحدة
قديم 24/11/2006   #4
شب و شيخ الشباب وائل 76
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ وائل 76
وائل 76 is offline
 
نورنا ب:
Jul 2006
المطرح:
Gaza Palestine
مشاركات:
2,210

افتراضي


نقد الاشتراكية القائمة فعلاً
بدأ تشى رحلته في البناء الاشتراكي في كوبا متأثراً بالنمط السوفييتي، وكان، كما يعتقد الكثيرون، مهندس العلاقات الكوبية ـ السوفيتية في مطلع ستينات القرن الماضي. إلاّ أنه سرعان ما أدرك، وخصوصاً بعد زياراته للاتحاد السوفييتي، أن النمط السوفييتي في البناء الاشتراكي لا يمكن أن يوصلنا الى شاطئ الاشتراكية، فاتخذ، منذ ذلك الحين، مواقف ناقدة وصريحة حياله. وقد شكلت هذه المواقف، التي لم تعرف المهادنة، إحراجاً للقيادة الكوبية.
كان يرى أن إستيراد نمط البناء الاشتراكي من دول اوروبا الشرقية يحمل مخاطر عديدة أهمها البييروفراطية وغياب العدالة الاجتماعية وتعميق الفجوة بين فئات المجتمع وتشكيل طبقة منتفعة من التكنوقراط والبيروقراط اللذين إحتكروا لانفسهم العديد من الامتيازات.
إتخذ البناء الاشتراكي في أنظمة الاشتراكية القائمة فعلاً (المنظومة الاشتراكية آنذاك) كما رآه تشى مساراً منفصلاً عن القيم الثورية وهو ما تجلى في حالة الركود التي سادت المجتمعات الاشتراكية آنذاك والتي كانت نتيجة مباشرة لأخطاء كثيرة في التخطط والسياسات التي أبعدت ما بين الجماهير وسلطة الدولة. فقد قامت الدولة في تلك المجتمعات بتهميش الجماهير وقلّصت مشاركتها في صنع القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أما نتيجة ذلك فهي معروفة للجميع، إذ فقدت الجماهير كل أمل بالمستقبل الموعود وتخلت عن مبادئ الاشتراكية والماركسية والتي هي في صميمها وجوهرها مبادئ إنسانية وأممية.
لهذه الاسباب، أخذ تشى في السنوات الاخيرة من حياته بالابتعاد قدر المستطاع عن النمط السوفييتي، وخلّف فيما يبدو الكثير من الاعمال الناقدة لهذا النمط والتي لم تنشر بعد. ولعل أهم هذه الاعمال وأكثرها راديكالية ما كتبه في نقده ل"كتيب الاقتصاد السياسي"Manual of Political Economy الصادر عام 1966 عن أكاديمية العلوم السوفيتية. وقد اتيح لكارلوس تابلاداCarlos Tablada نشر جزءٍ من هذه الملاحظات النقدية للخطط الاقتصادية السوفيتية التي يصفها غيفارا بانها طرائق "ميكانيكية" و"غير ماركسية". "لا بد للجماهير ان تدير بشكل مباشر مصيرها وأن تقرر أية حصة من الانتاج ستخصص من أجل التراكم وأي منها يذهب للاستهلاك. ويتوجب على التقنيات الاقتصادية ان تدار ضمن حدود هذه المعطيات ولا بد لوعي الجماهير أن يضمن تنفيذها". أما نقده لستالين فيكاد يصل ذروته حين يقول: "تكمن جريمة ستالين التاريخية الكبرى في أنه إنتقص من قيمة التثقيف الشيوعي ومأسس لصنمية منفلتة للسلطة".
على النقيض من السياسيات الاقتصادية السوفيتية التي تعظ "بتنمية قوى الانتاج" والتي نادى بها ستالين وخرشتشيف وخلفاؤهما، فان غيفارا لم يرى إنفصاماً بين بناء الاشتراكية والقيم الاخلاقية: "لست معنياً بالاشتراكية الاقتصادية الخالية من الاخلاق الشيوعية. نحن نكافح الفقر وفي الوقت ذاته نكافح الاغتراب أيضاً... اذا تم فك الاتباط بين الشيوعية والوعي، فانها تصبح [اي الشيوعية] مجرد وسيلة للتوزيع ولكنها لن تكون أخلاقية ثورية".
تمثل الاشتراكية في مفاهيم تشى مشروعاً تاريخياً للمجتمع الجديد الذي يقوم على قيم المساواة والتضامن والعمل الجمعي وإيثار الغير والجدل الحر ومشاركة الجماهير. وقد إستوحى غيفارا هذه القيم والمفاهيم في نقده للاشتراكية القائمة فعلاً في الاتحاد السوفييتي، حييث تصدى للعديد من القضايا التي تتعلق بالبناء الاشتراكي بجراة نادرة الامر الذي أثار الكثير من السخط والعداء له. إلا أن التطورات التي صاحبت وتلت إنهيار هذا النمط تشير الى صحة ومصداقية الكثير مما ذهب اليه غيفارا في نقده آنذاك. وما زلنا بحاجة الى الكثير من الدراسة والتدقيق في هذه المسائل ذات الارتباط الوثيق بما يجري من حولنا اليوم وتأثيراتها الكبيرة على مستقبل الاشتراكية والانسانية.

(5)
البحث عن البديل الاشتراكي

الاشتراكية مشروع تاريخي لمجتمع جديد
إرتكز تشى في بحثه عن درب جديد في البناء الاشتراكي على اسس ثلاثة:
1) وسائل الادارة الاقتصادية: رفض النمط الاوروبي الشرقي في بناء الاشتراكية ومجمل مؤثراته على الانسان والمجتمع. "لا يمكن للاشتراكية ان تتحقق" كما قال تشى "دون تغيير في الوعي لموقف أخوي حيال الانسانية، ليس فقط داخل المجتمعات التي تسعى الى بناء الاشتراكية أو تلك الني أنجزت هذا البناء، بل على المستوى العالمي حيال كافة الشعوب التي تعاني من الاضطهاد الامبريالي".
وخلافاً لمفاهيم "المدرسة الاقتصادية" في البناء الاشتراكي التي ترى في الاقتصاد والسياسات الاقتصادية فضاءً معزولاً عن الانسان والمجتمع محكوماً بقانون القيمة والسوق، رأى غيفارا ان القرارات والسياسات الاقتصادية التي تحدد اولويات الانتاج ووسائله يجب ان تحتكم بالمقام الاول الى المعايير الاجتماعية والاخلاقية والسياسية. وعليه، توخى تشى نمطاً في البناء الاشتراكي يقوم على اسس مغايرة تماماً للنمط السوفييتي.
2) حرية الجدل: كان تشى يرى ان الاختلاف في وجهات النظر وحق الجمهور العام في التعبير عن هذه الخلافات أمر طبيعي في عملية البناء الاشتراكي في سبيل شرعنة الاجماع الديمقراطي في الثورة. وكان يعتقد بانه ليس من الممكن تدمير الآراء المخالفة لآرائنا بالقوة لان هذا سيحول دون التطور الحر، وعليه يتوجب علينا إمّا ان ندمر هذه الآراء بالمحاججة أو ان نسمح لها بالتعبير عن ذاتها.
3) الديمقراطية الاشتراكية: رفض تشى مفاهيم الحكم الاستبدادية والديكتاتورية التي تسببت في أضرارٍ فادحة بالتجارب الاشتراكية في عصره، كما رفض، بشكل مطلق، الديمقراطية البرجوازية والبيروقراطية. إلاّ أنه لم يتسنى له، بسبب رحيله المبكر، أن يصيغ رؤية متكاملة للديمقراطية الاشتراكية أو أن يغني مساهماته في هذا المضمار.

الاشتراكية والانسان الجديد
إعتبر تشى أن إقامة علاقات إنسانية جديدة هي الهدف المركزي من وراء الثورة والاشتراكية. هذا هو المعيار الاساسي لتقييم كافة الانجازات، سلباً أو إيجاباً، أي بقدر ما يسهم كل إنجاز في التسريع أو التأخير في هذا المشروع: مشروع الانسانية الجديدة.
وعليه، حذّر تشى من المخاطر التي تقع فيها الطليعة الثورية عندما تنشغل في بناء عملية الانتاج لتلبية حاجات الناس والتغلب على الفقر الذي عانت منه قروناً طويلة. وكان يخشى، أكثر ما يخشى، ان يصبح الانتاج (مقداره ومعاييره) هو الغاية القصوى ويضيع الهدف الاساسي الذي من أجله قامت الثورة. ومن هنا إصطدم مع مدرسة العقلانية الاقتصادية لانها حصرت إهتمامها بالانجازات الاقتصادية البحتة والتي رأى تشى أنها ستؤدي الى إستخدام وسائل وتنفيذ سياسات تركز على النجاحات الاقتصادية في المدى القصير وتجازف بالمستقبل الثوري برمته لما تسببه من تآكل تدريجي في الوعي.
نادى غيفارا بإستخدام الموارد المتوفرة، على شحتها في المراحل المبكرة للبناء الاشتراكي، في إنجاز تنمية متعددة الوجوه والابعاد: الاقتصادية والاجتماعية والانسانية. ولن يتسنى هذا، كما رأى، إلا في التلازم والتكامل بين البناء الاقتصادي من جهة والتثقيف الشيوعي للانسان من جهة اخرى دون فصل بين الاعتبارات الاقتصادية وتلك السياسية ـ الايديولوجية:"يتطلب بناء الشيوعية، بالاضافة الى بناء القاعدة المادية الجديد، بناء الانسان الجديد".
وفي رده على الذين يلهثون وراء النتائج السريعة، أكد تشى ان الانتقال السريع الى الاشتراكية، في ظروف الشعوب المضطَهدة التي تعاني من التخلف المزمن ونهب مواردها وقلة رأس المال، سيكون محالاً دون تضحيات جسيمة وعلى كافة المستويات. "ليست الاشتراكية مجتمع رفاه، كما أنها ليست مجتمعاً طوباوياً يقوم على طيبة الانسان كإنسان. الاشتراكية نظام ينهض تاريخياً ويرتكز أساسا على وضع وسائل الانتاج الاساسية والتوزيع المتساوي للثروة في خدمة المجتمع باسره ضمن إطار الانتاج الاجتماعي. في رأينا أن الشيوعية هي ظاهرة وعي وليست مجرد ظاهرة إنتاج. لن نستطيع الوصول الى الشيوعية عن طريق التراكم الآلي البسيط للبضائع التي يتم توفيرها للناس ... لا يتسنى تحقيق الشيوعية كما عرّفها ماركس، وهي الشيوعية التي نطمح اليها، اذا لم يكن الانسان واعياً، إذا لم يخلق الانسان وعياًُ جديداً تجاه المجتمع". وكان شعاره: " إنتاج، مزيد من الانتاج، وعي ...تلك هي الاسس التي ينبغي للمجتمع الجديد أن يقوم عليها".



إن تراب العالم لا يغمض عيني جمجمة تبحث عن وطن!

19 / 6 / 2007
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05006 seconds with 11 queries