عرض مشاركة واحدة
قديم 11/06/2008   #31
شب و شيخ الشباب Najm
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Najm
Najm is offline
 
نورنا ب:
May 2008
المطرح:
غريب..
مشاركات:
272

إرسال خطاب MSN إلى Najm
افتراضي


مشاركة بسيطة مني في موضوعك القيم تصب في مجرى (لعنة نيتشه) ولكن لها أكثر من قراءة وعن قصد وضعتها في هذا الموضوع تحياتي لك وشكرا

ورقة نقدية واحدة شبه متهرئة كلما بقى لديه، فكّر أن من الملائم والضروري أيضا, أن يشتري سيجارة ليدخنها بعمق، لاستيعاب حقيقة شعوره، بعد أن دفع ثمن دفتر الخدمة العسكرية، على ذمة الجيش الرابع للخلافة العباسية، والذي وقعه مسبقا أبو العباس السفاح، ومهره بخاتمه الرهيب.
اشترى السيجارة واخذ يدخن، وهو يقطع الطريق، مخترقا الأحياء السكنية بمضمار وهمي مستقيم .
أخذ يخمن مقدار المسافة التي قطعها خلال الخمسة عشر يوما الفارطة، وهو يرسم الخطوط الملتوية والإهليجية والدائرية المكررة في أسواق المدينة، لجمع المبلغ الذي يدفعه شهريا إلى والي التجنيد.
المسافة المتحصلة من المستقيم الفرضي, هي أطول من المسافة الواقعية, لطريق بغداد الموصل، حمل فيها بضاعته من الحقائب, والملابس المستعملة، وأن عليه أن يقطع نفس المسافة تقريبا, خلال الخمسة عشر يوم القادمة، ليفي بمتطلبات ( العلف اليومي ) إضافة للعلف المرسل من وراء الحدود.
ستجئ بعدها الخمسة عشر يوم الجديدة, للوفاء بالوعد الذهبي مع والي التجنيد.
وهكذا يجب على البندول البشري, أن يضبط الزمن بصورة دقيقة وحازمة.
أراد أن يتذكر الماضي، فبدا لا يقل جدبا عن حاضره الملتهب بنيران الظهيرة الحامية، كان الماضي سلسلة من الهروبات، والمطاردات ليلية ونهارية مع أشقائه وأحبائه الطيبون، وهم يحاولون أن يوصلوه مجانا, إلى البوابة الشرقية، لكنه كان يأبى الذهاب إلى الخلود ويفضل الحياة الخاملة‍‍ !‍‍.
واليوم يمتطي رجليه اللتين عفرهما التراب، محتذيا الصندل الذي صار لونه الرصاصي متلائما مع البيئة بشكل عجيب.
ولأن الكف الأسود يحرك جميع الخيوط المرئية وغير المرئية، فلا سبيل غير الصبر، فقد اكتشف حاجته إلى بنطال وقميص جديدين !!، لكي يتلافى جدية الحزن، الذي نزل كصاحب دار في أفق أحلامه المستيقظة، ولكي يستميل الأنظار إلى اتجاه آخر, ذودا عن نابه المخلوع المحتاج إلى مراجعة الطبيب، بدلا من دفع الثمن الدوري، ولاستحالة الاستثناء، فقد ظل في الانتظار كفزاعة الطيور، وهو يتوكأ على جريدة مكسورة، لعل الناب ينبجس فجأة !، من
تحت لحاء اللثة، من يدري.. ربما كان لبنيا!؟.
عليه فقط ألا يضحك بشراهة، فأنه بذلك يفتح نافذة واسعة، على تأريخ القلاع المنخورة, والحصون القديمة، التي بناها السلاطين فوق مجاري التنفس، في زمن الغزوات والفروسية
أن ابتسامة ضئيلة تمنحه الوقار الحزين، يحتاجه أغلب الاحيان، لاقتراض النقود لحين ميسرة في واقع العسر الأعظم، وفي انتظار الطيارة العمياء, التي تفوق سرعتها الصوت, والتي من المحتمل جدا أن تقع على الدار المؤجرة, باحتضان ودود، وهي تباشر المهمة النبيلة, في رش ال.... (t. d.d ) للتقليل من الانفجار السكاني.
سيشتري خلال هذا الانتظار جوربا جديدا !, قبل أن يشتري الحذاء!.. لأنه يؤمن بالتخطيط . ونظرا لتصميمه وجديته المفاجئة, والحالة الفسفورية التي انتابته, فقد دفع الباب الصدئ بقوة أرعبت العصافير المتهامسة, فوق الشجرة, وطارت في كل اتجاه.
على أثر الصوت الذي أحدثه, خرجت امرأة, تناولت منه دفتر الخدمة وقالت:
ـ هل رأيت حطام الكوز الذي وقع ؟.
وأشارت إلى زاوية في الدار. نظر بذهول إلى الزاوية. رأى حطام الكوز. وبسرعة الحاسبات المتطورة, أدرك الرقم المطلوب. لو أنه تجرأ واشترى الآخر. تمتم بعدة حروف هو نفسه لم يفهم شيئا منها.
المرأة التي أنزلت يدها عن الإشارة باتجاه الحطام، غادرت المكان، بعد أن أدت عملها الرائع، وذهبت لإتمام العجين.
فكر بروية واسترخاء، ورأى أن لابد له من سنة مكبوسة بقوة هائلة، بحيث يكون فيها شهر شباط منضغطا باثني عشر يوما فقط، لكي يحدث التوازن!، بين المجموعة الشمسية والمجرات النائية في هذا الكون، أو يحيا حياة الأشجار! ألم يقل داروين: أن أصل الإنسان شجرة يابسة تقضمها النيران؟.
انتابته فكرة مباغتة وحيوية, للخروج من هذا المأزق، فكر وهو يقطع الممر إلى المكان الذي يتم فيه العجين، أن يستأصل الجهاز الهضمي من الجميع!. ويتخلص من هذه الحاويات ويكون بذلك قد قطع حبل الوصل, مع أطول وتد لأكبر مؤسسة دولية ترعى هذه الحاويات.
عندما وصل إلى المرأة المتمايلة على الإناء المقعر، قال بجدية غريبة:
ـ أريد قرصا من خبز الدهن.
أجابت باحتجاج:
ـ كلهم سوف يريدون !.
أجابها بلا مبالاة:
ـ ليكن ..أعملي للجميع.
نظرت إليه بنفاذ صبر:
ـ ماذا تعني؟
ـ أعني مأدبة العشاء الأخير!.
كرر بأعلى صوته:
ـ فلتحيا الأشجار!.
تساءلت المرأة:
ـ أتهذي أيها الرجل؟!.
قال وهو شارد الذهن:
ـ هكذا تكلم زرادشت!.
تساءلت المرأة بصوت خفيض، وهي تضع كفها الملطخ بالعجين على جبهته:
ـ من هو عر بشت ؟؟

أي قدرمن الحقيقة يستطيع أن يتحمله الإنسان..!

يقول نيتشه: "أدى تبنِّي مفهوم السعادة إلى خنق البحث العلمي."
يمكن القول، اليوم: "أدى البحثُ العلمي إلى خنق مفهوم السعادة."
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05504 seconds with 11 queries