عرض مشاركة واحدة
قديم 14/01/2008   #70
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


جريدة ليبراسيون 13 اغسطس 6002

LIBERATION

بقلم: كلود جيبال

القاهرة تفقد محفوظ

توفي الكاتب المصري الحصل علي جائزة نوبل في الأدب عام 8891 عن عمر 49 عامًا. طوال ما يقرب من قرن، ظل «بلزاك العربي» يرسم صورة لأمته ويعلن حبه للمدينة التي ولد فيها.

منذ عدة سنوات في صباح يوم مليء بالغيوم من شهر ديسمبر، كان رجلان ذوا شوارب كبيرة يقومان بحراسة منزل الأديب الكبير وسط باقات الزهور التي غطت الرصيف أمام النيل في الشقة امتزجت رائحة الورد برائحة الياسمين وانتشرت باقات الزهور في كل مكان حتي فوق المكتبات لتضفي علي المكان ألوانا زاهية، كان نجيب محفوظ يمر بين الباقات والزهور التي أرسلت له بمناسبة عيد ميلاده «هذه الباقة من لجنة نوبل، وهذه من وزير الثقافة، ويا تري من أرسل هذه؟» هكذا سأل وهو يمرر يدا حانية علي الزهور ووجهه مبتسم مثل طفل يقف أمام محل لعب. أضاف محفوظ وهو يجلس «أنا محظوظ جدا بكل هذا الاهتمام» ثم بدا أنه يسرح بعيدا وهو يسحب سيجارة من جيبه ويشعلها بنهم. «لا أسمح لنفسي سوي بسيجارة واحدة من حين لآخر بدون علم زوجتي وطبيبي». حول عنق الكاتب، يوجد وشاح ناعم يخفي بالكاد الندبة التي سببها جرح في الشريان الستاني إثر طعنة وجهها له أحد المتعصبين عام 4991 وقد حاول هذا المجرم قتل الكاتب المصري الحاصل علي جائزة نوبل لأنه كان يظن أن محفوظ أساء إلي الإسلام بتجسيد الله والأنبياء في روايته «أولاد حارتنا».

بعد رحلة طويلة مع المرض، توفي أمس في القاهرة أشهر الكتاب العرب.

كان محفوظ يمثل الرمز الحقيقي لبلده، يقف تمثاله شامخا في مدخل شارع جامعة الدول العربية أحد أهم شوارع العاصمة (يا له من رمز) منذ عدة سنوات كان محفوظ يعيش في عزلة ويهرب من المناسبات العامة والاحتفالات التي كان يدعي إليها. كان يتحجج بالتعب وبضعف سمعه وبصره. وكان يعتذر عن غيابه بعدة أسطر يقرؤها بهدوء أحد تلاميذه. فقط دائرة من الأصدقاء المقربين، من مثقفين وصحفيين وفنانيين وكتاب كانوا يستطيعون إخراجه من كهفه لتناول العشاء في المقاهي أو المطاعم العائمة في القاهرة. هذه اللقاءات التي أصبحت نادرة جدًا منذ ثلاث سنوات بسبب وعكة صحية أدخلته المستشفي، كانت تمثل شيئًا مهمًا جدا في حياة منظمة جدًا، كان محفوظ يكتب خلال ثلاثة أشهر فقط في السنة في فصل الشتاء من كل عام.

ولد محفوظ عام 1191 في قلب المدينة التي بناها الفاطميون عند أحد أطراف حي الجمالية الشعبي وفي كل أعماله لم يتوقف قط عن سرد ووصف البيئة التي ولد بها. روائي المدينة لم يهتم قط بالأرياف والفلاحين، والصحاري والقري، فقط رواية واحدة من رواياته الحديثة وهي «ميرامار» تدور أحداثها في الإسكندرية. محفوظ القاهرة لم يكن يتنفس سوي لمدينته وشعبه. أصحاب نفوذ وبؤساء تجار وشحاذون، أشراف ولصوص وحكماء وأصحاب أخلاق، كل هؤلاء يسكنون أعماله الخصبة. من خلال أكثر من أربعين رواية، بالإضافة إلي القصص القصيرة والسيناريوهات، رسمت أعمال محفوظ صورة أمة وأبنائها علي مدار ما يقرب من قرن. أعمال كلها مغرقة في الواقعية جعلته يستحق لقب بلزاك العربي.

عندما قرر محفوظ اعتناق الأدب مثل الذي يعتنق دينا جديدا، لم يكن قد أتم عامة العشرين. كان الشاب يقرأ لكثير من الكتاب دون أن يستطيع أن يروي عطشه للمعرفة، وقرر أن يهب نفسه للكتابة. بعد دراسة الفلسفة في الجامعة أصبح نجيب محفوظ موظفًا مثل والده وبدأ في كتابة أول مقالاته الصحفية، كان طموحه يتركز في سرد التاريخ المصري من خلال ثلاثين رواية لكنه توقف بعد كتابة ثلاث روايات مستوحاة من التاريخ الفرعوني والتي لم تلق نجاحًا كبيرًا عند نشرها. كان محفوظ محبا أيضا للسينما (شغل أثناء حياته عدة مناصب في الجهاز الحكومي للسينما، منها رئيس الرقابة)، كتب محفوظ عددا كبيرا من السيناريوهات، دون أن يهمل عمله الأشهر وهو الثلاثية (بين القصرين، قصر الشوق، السكرية). الثلاثية حكاية شديدة الواقعية كتبها محفوظ خلال الخمسينيات، حيث كانت القاهرة تشهد تحولا كبيرا، من خلال حكاية أحمد عبد الجواد وأبنائه، تتشابك هموم البلد مع سقوط الملكية، ثم قيام الثورة ونهاية مرحلة زمنية. كان لهذا العمل أثر مهم جدًا علي أدب العالم العربي، حيث استطاع محفوظ أن يمزج بين قواعد الرواية الأوروبية والغني الفريد الذي تتميز به اللغة العربية، تعتبر الثلاثية عملا تأسيسيا ترك اثرا واضحًا علي عدة أجيال من الكتاب، حيث وجد هؤلاء في «الحرافيش» أحد أهم أعمال محفوظ أيضا، استكمالا لنفس الاسلوب والإطار. يقول علاء الأسواني مؤلف رواية «عمارة يعقوبيان»: «لا يستطيع أي كاتب عربي أن ينكر أنه لم يتأثر بأعمال محفوظ».

بالطبع يحكي أيضا محفوظ التغييرات العميقة التي طرأت علي حياته. بداية من حماسه الذي لم ينطفئ قط تجاه الثورة الأولي في مصر عام 9191. من نافذة بيته في الجمالية شاهد محفوظ الطفل الثورة التي قامت ضد المحتل الإنجليزي أما الثورة الثانية عام 2591 والتي أسقطت الملكية وجاءت بجمال عبد الناصر إلي الحكم، فقد تركت لدي هذا الوطني الرومانسي إحساسا أقل حدة. محفوظ يفخر بالاستقلال الجديد والمكاسب التي حققتها الثورة للشعب وبالأخص التعليم، ولكنه يحزن لتسلط الضباط الأحرار وغياب الديمقراطية ولكن محفوظ لم يعبر عن هذا النقد إلا في مرحلة متأخرة حتي إن البعض انتقدوه لأنه لم يتطرق بصورة مباشرة إلي التطورات السياسية في البلاد ولم يتحدث بصوت عال أمام كبار هذا الزمن، سواء كان عبد الناصر، أو السادات أو مبارك. عند قيام الثورة كان محفوظ يعتنق الاشتراكية وبعد عدة سنوات بدأت مواقفه تأخذ اتجاهًا أكثر اعتدالا، حيث شرح للكاتب محمد سلماوي أن «أي نظام يؤدي إلي العدالة الاجتماعية مقبول، حتي وإن كان رأسماليا».

المتحدث باسم المنسيين في العالم الثالث

في كلمته أمام أكاديمية نوبل، كان محفوظ وهو أول كاتب عربي والوحيد الذي حصل علي هذه الجائزة، قد رفع من نبرته، ونصب نفسه متحدثا باسم المنسيين في العالم الثالث، والجائعين في إفريقيا وآسيا، وأعرب عن قلقه، يا لها من نبوءة، تجاه مصير الفلسطينيين، حيث توجه إلي القادة الدوليين قائلا: «لا تكونوا متفرجين علي مآسينا ولكن عليكم أن تلعبوا فيها دورًا نبيلا يناسب أقداركم.. نحن في عصر القادة المسئولين عن الكرة الأرضية».

خلال السنوات الأخيرة كان محفوظ يستعلم عن تطورات العالم في أصدقائه من خلال اللقاءات الأدبية ولم يتوقف عن نقد الأحداث من خلال عمود أسبوعي يكتبه في جريدة الأهرام. كان ينظر بشفقة إلي الفوضي التي تعم الشرق الأوسط ويصر علي أن فوضي الحرب تعبر عن نقص الثقافة كان يكتب: «أنا أقف في صف المعرفة، الطريق الوحيد للخلاص في بحر الجهل العميق الذي نعيش فيه» مثل عبد الجواد الشخصية الرمزية في الثلاثية، لم يكن محفوظ يرتوي قط: علوم تكنولوجية، اتجاهات جيدة في الفكر، لم يكن يفوته شيء، كل شيء كان يبهره حيث صرح مرة لجريدة ليبراسيون: «كلما تقدمت في العمر أدركت مدي جهلي»، «العلم يساعدنا علي أن نكون أفضل، العلم والمعرفة هدية من الله للإنسان».

ولكن العطش إلي المعرفة لم يؤثر قط علي معتقداته الدينية، بعد سنوات من الشك المعلن، بحث محفوظ عن أسس إيمانه ووجد في الصوفية إجابة لهذه المعضلة «أمام المطلق والعقلانية، توجد معرفة أخري، معرفة القلب، الحقيقة تعاش وتحس ولكنها لا تشرح».

ثم يضيف: «إسلامي هو ما تعلمته وأنا طفل. الأحداث لم تغير شيئا من قناعتي، حتي محاولة القتل التي تعرضت لها لم تغير شيئا. ما أعرفه أن الله واحد هو يعترف بالحرية ويقول للإنسان يجب ألا تتبع أحدا، اتبعني أنا فقط. الله لا يسمح بالتفرقة والعنف: إذا طلب منك عدوك السلام، تصالح معه، الله هو السلام» هذه العقيدة الإنسانية والسمحة هي ما يستند إليه الكاتب ليبرر مساندته لاتفاق السلام بين مصر وإسرائيل الذي وقعه أنور السادات ورفضه المثقفون في بلده.

كما أكد محفوظ أنه غفر للرجل الذي حاول قتله، حتي وإن كانت طعناته قد تركت اثرًا خطيرًا علي صحة محفوظ ثم تسببت في شل أعصاب يده اليمني ومنعته من الكتابة. كان يقول حزينا: «أنا لست من الرجال الذين يملون ما يكتبون»، وهو يشير إلي الحروف العربية المهزوزة التي رسمها علي المفكرة التي كان يستخدمها لتمرين يده علي الكتابة. كان محفوظ يؤكد: «لمحاربة الإرهاب أول شيء يجب عمله هو ثورة تعليمية حقيقية. هنا في مصرلا نعرف سوي قانون الحفظ عن ظهر قلب، كل ما هو مكتوب هو الحقيقة، يجب التخلص من هذا المنهج والسماح للشباب ببناء عقلية نقدية، يجب أن يتعلموا التفكير. يجب أن يفتح التليفزيون أبوابه للمثقفين والعلماء والمسلمين وأيضًا لمن ليس لديهم أحاسيس دينية. يجب أن يفهم الشباب أن الإسلام ليس ضد الحداثة ولكن ضد العنف. يجب الاستفادة من الحداثة واستخدامها. الثوار الكبار مثل مصطفي كامل وسعد زعلول كانوا من المسلمين الأتقياء وكانوا أيضا يؤمنون بالحداثة ويرسلون الشباب للدراسة في الخارج».

ومع ذلك، فقد أصيب عدد من أصدقاء محفوظ بالإحباط حين طلب خلال الشتاء الماضي موافقة الأزهر، أعلي سلطة للإسلام السني، علي نشر رواية أولاد حارتنا لأول مرة في مصر. وقد أكد هذا الشرط مرة أخري منذ شهرين حيث طلب مخرج مصري شاب من نجيب محفوظ السماح له بتحويل الرواية إلي عمل فني. هذه المحاولة الهادفة إلي مصالحة رجال الدين الذين منعوا نشر الرواية منذ اكثر من 64 عامًا قد صدمت الكثيرين فالكاتب عزت القمحاوي يري «أنه بهذا القرار، يخون محفوظ ما كتبه. فهو يعطي سلطة شرعية للأزهر بالحكم علي الأعمال الأدبية»، أما المخرج مروان حامد فيقول «يجب ألا ننسي أن هذا الكتاب قد جلب له جائزة نوبل ومحاولة قتل في نفس الوقت».

كتب محفوظ إلي الأكاديمية السويدية قائلا: «أنا ابن لحضارتين، الحضارة الفرعونية والحضارة الإسلامية» ولم يذهب صاحب جائزة نوبل إلي الاحتفال لتكريمه بل أرسل ابنتيه لتمثيله. عشق محفوظ نظرية الأبدية لدي الفراعنة والعظمة والثراء اللذين ميزا هذه الحضارة التي عاشت لآلاف السنين، ومن الإسلام أخذ الأمل وعشق العلوم والآداب. كان محفوظ يذكر دائما عبارة الشاعر العربي أبو العلاء المعري «الحسرة عند لحظة موت تساوي أكثر من الفرحة العميقة عند لحظة ميلاد» واليوم تبكي مصر كلها شعلتها المضيئة دائما.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05566 seconds with 11 queries