عرض مشاركة واحدة
قديم 01/04/2009   #3
صبيّة و ست الصبايا stygnuut
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ stygnuut
stygnuut is offline
 
نورنا ب:
Mar 2009
مشاركات:
130

افتراضي



دياسبورا
الرواية العربية وهاجس الحرية
بعض الأحداث الثقافية الخاصة والمثيرة، تعيدنا إلى أنفسنا وإلى المستوى الثقافي العربي المتسيّد اليوم. وأهم حدثين طبعا هذه السنة في موسم توزيع الجوائز بالإمارات ومعرض أبو ظبي للكتاب، هما حصول كاتبين من مصر على أعلى جائزتين عربيتين: جائزة الشيخ زايد للآداب، وجائزة البوكر العربية للرواية. الأولى فاز بها جمال الغيطاني على روايته رِنّ، وهي الجزء السادس من دفاتر التدوين، نص سير- ذاتي إلى حد كبير يستعيد فيه الكاتب حياته ومحيطه بالكثير من الصوفية والتأمل في الشأن الحياتي، مدمرا في الوقت نفسه، الشكل الروائي في نظامه السردي المتعارف عليه. والثانية فاز بها الروائي ويوسف زيدان على روايته عزازيل. رواية أسالت مدادا كبيرا وكان يخشى أن تفصل أو أن توضع في البراد بسبب حديثها عن موضوعة حساسة تتعلق بالدين المسيحي إذ أثارت منذ صدورها حفيظة الكنيسة القبطية التي اعتبرتها اعتداء على قداستها. قبل أن تؤكد أن الجائزة باصطفافها بجانب هذا النص، قد أعطته كل مبررات الاعتداء العمدي على الدين. لم تتأثر اللجنة بهذه المسبقات. ماذا في هذه الرواية لتستثار حفيظة رجال الدين، ولم تترك رواد معرض أبو ظبي حياديين تجاه هذا النص؟ يوسف زيدان ليس روائيا محترفا أو على الأقل لم يكن كذلك. فهو باحث بقسم المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، وألف وحقق أكثـر من 30 عملا في تاريخ العلوم والفلسفة والتصوف. الرواية التي دخلها من باب التجريب لم تكن هاجسه الأصلي. وتتكون عزازيل من 31 رقا نظمت في شكل فصول. تتحدث عن ترجمة لمخطوطات قام بها مترجم وهمي، وهي عبارة عن لفائف مكتوبة باللغة السريانية دفنت داخل صندوق خشبي وكتبت في القرن الخامس الميلادي، عثـر عليه في حالة جيدة في منطقة الخرائب، حول محيط قلعة القديس سمعان العمودي قرب حلب. كتبها الراهب هيبا بطلب من عزازيل. وعزازيل هو اسم الشيطان كما يقول البقلاني: إن إبليس قبل أن يرتكب المعصية كان ملكا من الملائكة واسمه عزازيل، وكان أشدهم ذكاء واجتهادا وعلما. وهذه الرواية هي الثانية بعد ظل الأفعى التي ناقشت قداسة الأنوثة في مراحل مبكرة من التاريخ البشري قبل أن تتحول المجتمعات الإنسانية إلى السلطة الذكورية. والكاتب منكب حاليا على رواية جديدة أسماها مؤقتا أيل، وتعني الله. فالجهد متأت إذن من رؤية مسبقة ومشروع تاريخي، وليس وليد صدفة طارئة. المهم من وراء ذلك كله هو أن الرواية كجنس، تضعنا أمام مسألة في غاية الأهمية: جرأة الكاتب في تعامله مع قضايا حساسة ليست في المحصّلة إلا موضوعات للكتابة، وليست بأي حال من الأحوال تاريخا. وتضعنا أيضا في موقع اختبار قدراتنا لاستيعاب حرية الكاتب ومخياله الحر الذي صفعنا بحقائق عن أنفسنا وعن تاريخنا وعن ديننا لا نريد سماعها. في ظل فشل الدراسات التاريخية عن قول الحقيقة لأنها تحت وصاية السلطة. تحتل الرواية اليوم مرتبة مهمة لا تلغي فيها التاريخ ولكنها تتحول إلى مرآته الكاشفة عن ضعفه. فهي ليست تحت أية قوة كيفما كانت، ولا حتى قوة الحاكم الذي ليس من حقه أن يعيد الروائي إلى جادة الصواب؟ لأنه قال كلاما لا يجوز قوله؟ فالرواية في النهاية هي متخيل ومؤسسة رمزية قائمة بذاتها، وتقع خارج دوائر السلطان والأمر والنهي. المتخيّل ضرب من ضروب الجنون كما يعرفه القدامى. وينسى الجميع أن قوة هذا المتخيّل هي الحرية نفسها. فهو من حرر الذهنيات من يقينيات تاريخ ابتأس حتى أصبح بلا جدوى من كثـرة تواطئه. فقد صنع بشكل معلب وجاهز وشرب للأجيال التي اكتشفت عطالته في وقت لاحق. تاريخ لا شيء فيه يصلح إلا صناعة صورة عالية للحاكم، والحاكم نفسه لا يتعظ إذ يكرر أخطاء من سبقوه. التاريخ بهذا المعنى، ليس إلا لحظة مرتبطة بالسلطان أكثر من ارتباطها بالصيرورة. ماذا بقي اليوم من الطغاة الذين دونوا التاريخ مثلما اشتهوه في حياتهم؟ ماذا بقي من الأسماء التي زينوا بها الشوارع في حياتهم والمحطات والمؤسسات والساحات العامة؟ لا شيء. وكأن التاريخ الحقيقي، هو شيء آخر، خزنته الذاكرة، ولا يتحرر إلا مع القراءة التي تضع الرواية اليوم في صف الأجناس التي يقبل عليها الناس بحثا عن هذه الحقيقة الغائبة. يقرأ اليوم القارئ العربي الكتب الممنوعة لأنه يدرك سلفا أن بها شيئا لا يريد السلطان الديني والسياسي والاجتماعي منا أن نعرفه. الذهاب نفسه نحو الرواية دون غيرها، أصبحت له دلالة الثقة في جنس هو وحده القادر على حمل وكشف الأسرار.
دياسبورا
الشاعر وذاكرة المحو


البشير حاج علي. منذ عشرين سنة يوما بيوم، كان هنا. هنا بالضبط حيث كل شيء حي وهادئ، في الزاوية الخلفية من صالون بيته الجميل، الذي تؤثثه الكتب والمصنفات الموسيقية الكثيرة والتاريخية. ينهض ويقوم بشكل دائم. ثم فجأة تخفى وراء المكتبة، وأتاني بحصان خشبي صغير صنعه بيده. هو في الجوهر فرع زيتون متعدد الرؤوس، لبسه بورق السجائر الفضى الداخلي، فبدا الفرع الصغير كأنه حصان أسطوري، بسرج من الفضة، شامخا برأسه إلى الأمام. ثم وضعه بين يدي باسم، ابني ذي الأربع سنوات، وهو يبتسم بخجل: لا شيء أجمل من لعب تصنعها أيادينا. كنت أتأمل حركات الرجل الذي قضى سنوات كثيرة في سجون الاستعمار الفرنسي، ثم سنوات أخرى أكثر مرارة، في سجون الاستقلال العظيمة، التي لم تكن تختلف عن أخواتها بل أنها أحيانا اختزلت الممارسات السابقة واكتشافات الغيستابو والسافاك الإيرانية وغيرهما.
وهو ما جسده البشير حاج علي في كتابه المخيف ''العسف'' Arbitraire'L'' ، الذي صور فيه تفاصيل التعذيب وتفنن المعذبين. وكيف يفقد الإنسان شرطه الإنساني منذ اللحظة التي يتخطى فيها عتبات أبواب السجن الثقيلة. المشكل أن البشير سُجِن ليس لأنه سرق مالا عاما أو باع وطنا، ولكنه فقط، فكر لا كما أُريدَ له أن يفكر، فقط ورفض أن تبنى جزائر الاستقلال على الانقلابات منذ بدء رحلتها الفتية حتى ولو تنوعت أسماؤها: التصحيح الثوري، العودة إلى الخط، سقوط الشعبوية... تساءلت وأنا أتأمل حركاته المليئة بالحياة أو ما تبقى منها: هل يعقل أن يكون هذا الجسد الذي ما يزال ممشوقا، على الرغم من انعكافه عند الظهر، هو جسد أجمل شاعر الذي كتب أناشيد 11ديسمبر، ليدم الفرح، شموس مضيئة، والموسيقى الأندلسية ونظمها الإيقاعية، ويحفظ جزءا كبيرا من مدوناتها. الشاعر الذي لم تأكله السياسة أبدا. لم يكن البشير ظلّ رجل كما يحدث عادة مع الذين تأكلهم السجون، ولكنه كان رجلا بأدق معنى الكلمة وقويا في استقامته كصفصافة. حضَّر لنا يومها قهوة وهو يضحك: لا أعرف شيئا غير هذا، الباقي، صفية تتقنه أحسن مني. كان يقصد زوجته لوسيت. ومضى زمن على الزيارة، ثم ورأيته ثانية. كان ذلك للمرة الأخيرة، في معرض فني لمريم بأن، في قصر الثقافة. كانت تتجول به عبر ممرات المعرض المخصص لرسوماتها التي شكلتها على إيقاعات أشعار بشير علي الثورية منذ أيام الحرب. كانت تقبض على يده وكلما شرحت له كالطفل الصغير أسرار اللوحات وذكرته بالتفاصيل، وكيف تشكلت اللوحة بينهما في ذلك الزمن الذي كان كل يوم يبتعد قليلا، برقت عيناه بشيء يشبه الحياة. ثم يهز رأسه مثل الطفل بالموافقة. كانت مريم بأن تلتفت صوب الفراغ لتكفكف دمعها، تمسحه لكي لا يراها. ثم تمشي به نحو لوحة أخرى. يتأملها. ثم تعاود الكرة. وكان من حين لآخر ينزلق من يدها نحو لوحة سبق أن شرحتها له قبل خمس دقائق، فتعاود بلا ملل الشرح.
وقتها لم تكن الوحيدة التي كانت تبكي. كل من عرف ذكاء هذا الشاعر وحساسيته الفنية عرف سعة الخراب الذي سُلِّطَ على الرجل، وكيف حُوِّل الذكاء إلى لاشيء. لقد كانت أقنعة الغباء أقوى في هذه اللعبة التراجيدية.
أدركت يومها أن الجريمة التي ارتكبت في حق البشير كانت أكبر من أي تصور. سنوات التعذيب وآثارها المدمرة ظهرت فيما بعد بشكل قاس على ذاكرته. فقد تعرض في معتقله لمحنة السطل الألماني Epreuve du casque allemand'L الذي كان يوضع رأس المعتقل ثم يضرب عليه بقوة بشيء ثقيل، فيحدث ذلك طنينا يصم الأذنين حتى يسيل الدم منهما. فكان الثمن هو محو الذاكرة. هل يجرأ اليوم قتلته، بعد صحوة ضمير فجائية، أن يقصوا علينا ليالي البشير وأحزانه غير ما قصته علينا رسائله للوسيت
Lettres à Lucette ؟ ثم ماذا ربحوا بمحو ذاكرته؟ وهل كانوا يدركون أنهم كانوا يصنعون صورا قاتمة لجزائر سيورثونها مقتولة ومغتصبة في ليلة عرسها، لشباب سيكفر بكل شيء، ولا يتوانى عن حتى عن رمي نفسه في البحر، في ظل استشراء العبث واللامعنى؟







كارلوس فوانتس مرايا الواقع والتاريخ
أهم حدث في معرض باريس للكتاب، لهذه السنة هو بلا منازع، استضافة المكسيك، وحضور الروائي المكسيكي العظيم، كارلوس فوانتس Carlos Fuentes الذي قدم محاضرة في الأوديتوريوم الكبير للمكتبة الوطنية حول الرواية الأمريكية اللاتينية الجديدة، كما استضافه الجناح الشرفي للمعرض. يكفي هذا الاسم لندرك ثقل تمثيل بلد وقيمته. لقد أصبح هذا الكاتب قيمة ثقافية عالمية بفضل منجزه الإبداعي والفكري المتنوع. ومثله مثل بقية الكتاب في أمريكا اللاتينية، فقد استمد فوانتس مادته الإبداعية والخامات الأولى لنصوصه، من التراث الهندي القديم الذي يشكل جوهر البنية التحتية لنظام القص في أمريكا اللاتينية، وفي المكسيك تحديدا. فكتاباته الكثيرة، التي تعدت الأربعين مؤلفا بين قصص وروايات ودراسات، تحيل إلى هذا العالم المتحوّل باستمرار داخل العنف، وداخل المصائر البشرية الحادة، وداخل التمزّقات الثقافية والإثنية المتعددة وغيرها. مما يجعل أعماله شديدة الارتباط بالإنسان وبكل ما يحيط به، على مدار كل إرثه الكتابي، والمترجم إلى العديد من اللغات العالمية، لم يخرج كارلوس فوانتس عن المدارات التي سطرها منذ بداية رحلته الكتابية: مصير الإنسان أمام تاريخه الفردي وتاريخه الجمعي. فقد استعمل كل ملكاته الكتابية للتعبير عن هذه الحالات. وظيفته الروائية المهيمنة، لم تمنعه مثلا من التصريح برأيه، بكل قوة، عن موقفه مثلا ضد ممارسات بوش التي قادت العالم نحو الحروب وتدمير كل ما بنته الحضارة الإنسانية، في كتابه النقدي الحاد: ضد بوش، لم يضع القفازات في نقده للغطرسة والهيمنة الأمريكية، أو كتابه سرفانتس ونقد القراءة الذي عاد فيه إلى الإرث الإسباني انطلاقا من نص دون كيخوتي. وعلى الرغم من ذلك التعبير الذي كثيرا ما اكتسى طابعا مباشرا، فقد ظل فوانتس مرتبطا عضويا بالكتابة الروائية التي استعمل فيها كل الوسائل البنيوية المعاصرة المساعدة، الوثيقة التاريخية، الرسائل، السير وغيرها من العناصر التكوينية. ولعل آخر نصوصه الكبيرة المثيرة للجدل: عرش النسر، الذي بني على المراسلات فقط، يكشف بشكل واضح البنية التاريخية المعقدة لمجتمع أمريكا اللاتينية. الانقلابات والدسائس والقتل من أجل السلطة ليست إلا صورا ومرايا كاشفة لحداثة غربية دخلت على أمريكا الجنوبية بكل وسائلها التدميرية. لم تكن ثقافة الهنود الحمر، في تقاليد الحكم، تسير بهذه الكيفية الظالمة. تدمير الوفاق الطبيعي هو الذي جاء بالدكتاتوريات المختلفة إلى مجتمع أمريكا اللاتينية. الانغماس في السياسة، لم يمنعه أبدا من كتابة روايات عظيمة أصبحت اليوم جزءا حيا من الذاكرة الجمعية، ومرآة لمجتمع معاصر يعيش على الحواف الأكثر حدة.
ولد كارلوس فوانتس في باناما في سنة 1928، وبدأ ينشر أعماله الأدبية بدءا من سنة .1954
ولم يكن مخطئا حينما أعطى لأعماله الكاملة عنوان: عمر الزمن âge du temps' l ، ويعني بذلك أن ما كتبه يتوغل عميقا إلى أبعد من عصرنا وزماننا. فكتابات فوانتس كلها مرتبطة عضويا بالهوية المكسيكية في تمزقها وبحثها الدائم عن التلاؤم وتاريخيتها. فقد أعاد في كتابه النقدي المرآة المدفونة (1994) تأملاته في إسبانيا ومفهوم العالم الجديد متسائلا عن التاريخ المتخفّي والمليء بالنور، ولكن المليء أيضا بالحرائق التي أكلت كل شيء في طريقها، وأبادت حياة ومجتمعات كانت قائمة. هذه الرؤية الحيوية والمتجددة باستمرار، هي التي جعلت كتاباته محبوبة في وطنها، ومتجذرة فيه، قبل أن تكون محبوبة أيضا في الخارج بخطابها الفاعل الملح على الحوار بين الثقافات وعدم الإقصاء. لا يوجد فعل إنساني، كيفما كان، خارج المنظومة البشرية العامة. كل إرثه الثقافي يستغله كارلوس فوانتس لصالح الإنسان. هذا الارتباط القوي بالتاريخ البعيد، لم ينس الكاتب ضرورة الارتباط بالحاضر الحي والملتصق بواقع المكسيك المتحرك باستمرار، في أفق من التناقضات الحادة والأحلام الممكنة، مثلما هو الحال في أعماله: كل العائلات سعيدة، والإرادة والمال (200.
La voluntad y la fortuna الذي يجعل من مكسيك الزمن المعاصر بتناقضاته الكبيرة، موضوعا للكتابة الحيوية والباحثة عن شكلها دوما. لا يوجد شيء ثابت بالنسبة لفوانتس في عالم لا يعرف الاستقرار أبدا. ورواية العجوز غرينغو le vieux gringo (1986) الذي قبل أن يموت، ذهب في رحلة اختيارية أغرقته في تاريخ المكسيك الحديث، وفي الثورة المكسيكية الدموية، التي تأسس على أنقاضها جزء من هوية اليوم، متسائلا حول البداهة التي ليست كذلك دائما: هل التاريخ هو ما نكتبه ونسجله، ونشيعه بوسائط القنوات المعروفة، أم أن التاريخ هو ما يظل خفيا ومدفونا مع أصحابه؟ التاريخ ليس فقط ما يكتب، ولكن أيضا ما يعيشه الناس في لحمهم ودمهم. غرينغو بعد أن تعب وشاخ، أراد أن يختار موته، فخرج ولم يعد ليكشف لنا عن الظلال الخفية في أرض جرداء لا تنبت شيئا سوى أسرارها




  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.07942 seconds with 11 queries