عرض مشاركة واحدة
قديم 17/09/2009   #4
شب و شيخ الشباب Nasserm
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ Nasserm
Nasserm is offline
 
نورنا ب:
Aug 2009
المطرح:
نقطة زرقاء باهتة
مشاركات:
998

افتراضي


مرتا: [تبدو في مدخل الدار.] لماذا لا تدخل الدار، يا لعازر؟ حضَّرتْ أمُّنا طعام العشاء. [بشيء من نفاد الصبر.] عندما تكون مع مريم تتكلَّمان، وتتكلَّمان، وتتكلَّمان، ولا يعرف أحد ما تقولان.

[تقف مرتا لحظات قليلة ثم تدخل الدار.]

لعازر: [يُكلِّم نفسه كأنه لم يسمع مرتا.] ضاع عمري سُدًى، تبددتُ جوعان وعطشان. ألا أعطيتَني قليلاً من الخبز والخمر؟

مريم: [تمشي إليه وتضمُّه بذراعها.] سأعطيك ما أردتَه يا أخي، ولكن تعال ندخل الدار. فأمُّنا حضَّرت طعام العشاء.

المجنون
: يسأل عن خبز لا تستطيعون خَبْزَه، وعن خمر لا تعرفُها جرارُكم.

لعازر: أقلت لكم إني جوعان وعطشان؟ لست جائعًا لخبزكم، ولا عطشان لخمركم. أقول لكم: لن أدخل دارًا إلا ويدُ حبيبتي على مزلاج الباب. لن أجلس إلى الوليمة إلا وهي بجانبي.

[تطلُّ الأم من باب الدار.]

الأم: لماذا لا تزال في الضباب، يا لعازر؟ وأنتِ، يا مريم، لماذا لا تدخلين الدار؟ أضأتُ الشموع ووضعت الطعام على الطبق، وأنتما في الخارج تثرثران وتلوكان كلماتكما في الظلام.

لعازر: أمي تريدُني أن أدخل إلى قبر. تريدني أن آكل وأشرب. حتى إنها تأمرني أن أجلس بين الوجوه المقنَّعة، وأن أتلقَّى الزبدية من أيدٍ ذابلةٍ، وأستمدَّ الحياة من كؤوس الطين.

المجنون: أيها الطائر الأبيض الذي طار جنوبًا، حيث الشمس تحبُّ كلَّ الأشياء، ما الذي أمسك بكَ في الهواء، ومن أعادَك؟ أعادك صديقُك يسوع الناصري لأنه أشفق على الذين لا أجنحة لهم ليطيروا معك. أيها الطائر الأبيض، الطقس باردٌ هنا، وأنتَ ترتجف وريح الشمال تضحك بين أرياشك.

لعازر: تكون في الدار تحت سقف. تكون بين جدران أربعة وشبَّاك. تقف هنا، من دون أن ترى. عقلُك هنا، ونفسي هناك. كلُّكم على الأرض، وأنا بكلِّيتي في الفضاء. تزحفون إلى الدُّور، وأطير خلف قمم الجبال. كلُّكم عبيد، الواحد منكم عبدُ الآخر، وتعبدون أنفسكم. تنامون، ولا تحلمون. تستيقظون، ولكنكم لا تمشون بين التلال. بالأمس مللتُكم، ومللتُ حياتكم، وكنتُ أتوق إلى العالم الآخر الذي تسمُّونه الموت. وان كنت قد متُّ فلتوقي. أما الآن فإني أقف ههنا، في هذه اللحظة، متمرِّدًا على ما تسمُّونه الحياة.

مرتا: [تخرج من الدار ولعازر يتكلَّم.] لكن المعلَّم رأى أحزاننا وآلامنا، وناداك لتعود إلينا – وأنت تتمرد. يا للثوب يتمرَّد على حائكه! يا للدار تتمرَّد على بانيها!

مريم: عَرَفَ قلوبنا وكان رفيقًا بنا. وعندما رأى أمَّنا، ورأى في عينيها ابنها الميت، وقد دفنوه تحت التراب، أَسَرَهُ حزنُها. هدأ لحظة وصمت. [وقفة.] بعد ذلك لحقنا به إلى قبرك.

لعازر: أجل، كانت أحزانُ أمِّي وأحزانُكما والشفقةُ، الشفقةُ على النفس، هي التي أعادتني. كم من الأنانية في الشفقة على النفس، وكم من العمق! أقول إني أتمرَّد. أقول إن الآلهة نفسها يجب ألا تبدِّل الربيع شتاء. تسلقتُ التلال توقًا. إلا أن أحزانكنَّ أعادتني إلى الوادي. أردتنَّ أن يرافقكنَّ الابنُ والأخُ في هذه الحياة. جيرانكنَّ انتظروا أعجوبة. وأنتن وجيرانكنَّ، مثل آبائكنَّ وأجدادكن، تنتظرن أعجوبة لتؤمِنَّ بأشياء الحياة البسيطة. يا قاسيات القلوب، كم مظلم هو الليل في عيونكنَّ. لذلك تُسقِطْنَ الأنبياء من مجدهم لتفرحنَ، ومن بعدُ تقتلنَهم.

مرتا: [بشيء من التوبيخ.] تقول إن أحزاننا شفقة على النفس. وهل شكواك هذه غير شفقة على الذات. اهدأ واقبل الحياة التي وهبكَ إياها المعلِّم.

لعازر: لم يهبني حياة. وهبَكنَّ حياتي. أخذ حياتي من حبيبتي، وأعطاكنَّ إياها معجزة، لتفتح عيونكنَّ وآذانكن. ضحَّى بي، كما ضحَّى بنفسه. [يكلِّم السماء.] اغفر لهم، يا أبتاه، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون.

مريم: [في رهبة.] إنه هو الذي قال هذه الكلمات وهو معلَّق على الصليب.

لعازر: أجل، قال هذه الكلمات، عنِّي وعنه وعن جميع المجهولين الذين يَفهمون ولا يُفهمون. ألم يقل هذه الكلمات عندما طلبتْ دموعُكم أن تعيدني؟ رغباتُكم، لا مشيئتُه، هي التي أمرتْ روحَه أن تقف على الباب المختوم وتحثَّ الأبدية لتسلِّمني إليكم. إن هذا التوق القديم للابن والأخ هو الذي أعادني.

الأم: [تقترب منه وتضع ذراعها حول كتفيه.] كنت دائمًا يا لعازر الابن المطيع والابن المحب. ما حصل لك؟ تعال معنا وانسَ ما يُقلِقُك.

لعازر: [رافعًا يده.] أمِّي وإخوتي وأخواتي هم الذين يسمعون كلماتي.

مريم: هذه أيضًا كلماته هو.

لعازر: أجل، قال هذه الكلمات عنِّي وعنه وعن جميع الذين اتخذوا الارض أمًّا والسماء أبًا، وعن جميع الذين يولدون وقد تحرَّروا من قيود الشعب والوطن والعِرق.

المجنون: يا رُبَّان سفينتي، ملأت الريحُ أشرعتك، فتحديتَ البحر وطلبتَ الجزر المباركة. أيُّ ريح غيَّرتْ اتِّجاه سيركَ، ولماذا رجعتَ إلى هذه الشواطئ؟ أمَرَ يسوع الناصري الريح بنَفَس من نفسه، فملأ الشراعَ الفارغَ، وأفرغَ الشراعَ الملآن.

لعازر
: [فجأة ينسى الجميع، يرفع رأسه ويفتح ذراعيه.] يا حبيبتي! كان فجرٌ في عينيك. وفي ذلك الفجر كان السرُّ الصامت للَّيل العميق، والوعد الصامت ليوم كامل. وها أنا اكتملتُ وصرتُ وحدة تامة. يا حبيبتي، إن هذه الحياة حجابٌ بيننا الآن. هل عليَّ أن أعيش هذا الموت، وأموت ثانية لأعود إلى الحياة؟ هل على رغباتي أن تتريَّث حتى تصفرَّ جميع الأشياء الخضراء وتتعرَّى ثانية وثانية. [وقفة.] لا أستطيع أن ألعنه. ولكن لماذا اختارني وحدي، من دون سائر الرعاة، للعودة إلى الصحراء من المراعي الخضراء.

المجنون: لو كنتَ من الذين يلعنون لما متَّ صغيرًا.

لعازر: يا يسوع الناصري، أخبرني الآن لماذا فعلتَ هذا بي. أمِنَ العدل أن تضعني حجرًا حقيرًا حزينًا يقود إلى أوْجِ مجدك؟ تستطيع أن تُمجِّد اسمَك بإعادة أيِّ مَيْتٍ آخر إلى الحياة. لماذا باعدتَ بين هذا الحبيب وحبيبته؟ لماذا دعوتَني إلى عالمٍ كنتَ تعرف في أعماق أعماقك أنك ستتركه؟ [يصرخ في صوت عالٍ.] لماذا، لماذا، لماذا دعوتَني من قلب الأزل الحيِّ إلى هذا الموت الحيِّ؟ يا يسوع الناصري، لا أستطيع أن ألعنك! لا أستطيع أن ألعنك؟ بركتي أعطيك. [صمت. يبدو لعازر كأنَّ نهرًا جَرَفَ قوته. يقع رأسُه إلى الأمام ويستند إلى صدره. وبعد لحظة صمت هائلة يرفع رأسه ثانية، ويبدو وجهُه وقد تبدَّل، فيصرخ في صوت عميق مرتعد.] يا يسوع الناصري! يا صديقي! كلانا صُلِبَ. اغفِرْ لي! اغْفِرْ لي. عليك البركة، الآن وكلَّ الأوان.

[وفي هذه اللحظة يبدو التلميذ راكضًا من جهة التلال.]

مريم: فيليبُّس!

فيليبُّس: قام. قام المعلِّم من بين الأموات وذهب ناحية الجليل.

المجنون: قام، ولكنه سيُصلَبُ من جديد آلاف المرات.

مريم: فيليبُّس، يا صديقي، ماذا تقول؟

مرتا: [تركض في اتجاه التلميذ وتمسك بذراعيه.] كم أنا سعيدة برؤيتك ثانية. ولكن مَن الذي قام؟ عمَّن تتكلَّم؟

الأم
: [تسير في اتجاهه.] تعال يا بنيَّ. ستشاركنا هذه الليلة طعام العشاء.

فيليبُّس: [من دون أن تؤثر فيه كلماتهم جميعًا.] أقول لكم إن المعلِّم قام من بين الأموات وذهب ناحية الجليل.

[صمت عميق.]

لعازر: ليسمعني جميعُكم. إنْ قام من بين الأموات سيصلبونه ثانية. ولكن لن يصلبوه وحده. سأنادي به وسوف يصلبونني أيضًا. [يدور، يتلفَّت مغتبطًا ويسير في اتجاه التلال.] يا أمي وأختاي، سألحق بالذي أعطاني الحياة، حتى يعطيني الموت. نعم، سأُصلَبُ أنا، وذاك الصلب سوف ينهي هذا الصلب. [صمت.] سوف أطلب روحَه الآن، وسوف أتحرر. ولو أوثقوني بسلاسل من حديد فلن يقيِّدوني. ولو تعلقتُ بألف أمٍّ وألف ألف أخت بثيابي فلن يوقفوني. سوف أرحل مع رياح الشرق، أنَّى تروح. وسوف أطلب حبيبتي عند الغروب، حيث تجد السلامَ كلُّ أيامنا. وسوف أطلب حبيبتي في الليل، حيث ينام كلُّ صباح. وسأصبح الرجل الوحيد الذي عانى الحياة مرتين، والموت مرتين، وعرف الأزل مرتين.

[ينظر لعازر إلى وجه أمه، ومن بعدُ إلى وجْهَيْ أختيه، ثم إلى وجه فيليبُّس. ويعود فينظر إلى وجه أمِّه، كأنه يمشي في نومه. يدور ويركض صوب التلال. يختفي. الجميع مذهولون يرتجفون.]

الأم: يا ولدي، يا ولدي، عُدْ إليَّ.

مريم: إلى أين أنت ذاهب يا أخي؟ عُدْ، يا أخي، عُدْ إلينا.

مرتا: [كأنها تكلِّم نفسها.] الظلمة قاتمة، ويبدو لي أنه سوف يضيع.

الأم
: [تكاد تصرخ.] لعازر، يا ولدي.

[صمت.]

فيليبُّس: ذهب إلى حيث سنذهب جميعًا، ولن يعود.

الأم: [تذهب إلى عمق المسرح، قرب المكان الذي اختفى منه لعازر، وتصرخ.] لعازر، لعازر، يا ولدي! عُدْ إليَّ!

[صمت. خطوات لعازر المسرعة تضيع في المسافة.]

المجنون: ذهب إلى حيث لا تستطيعون الوصول. على أحزانكم أن تبحث عن لعازر آخر. [يتوقف.] مسكين لعازر. إنه أول الشهداء وأعظمهم.


*** *** ***



ربما كان عدم الاتفاق أقصر مسافة بين فكرين. (جبران النبي)
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.08578 seconds with 11 queries