عرض مشاركة واحدة
قديم 10/01/2008   #8
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي


اللوح الثاني: نجيب محفوظ يستوعبنا.. فهل هو يمثلنا؟
إذا كان إبداع محفوظ قد غمرنا بكل هذا الثراء والإثراء لما هو تاريخ، فإن شخصه ـ بيننا ـ ليس أقل ثراء، ولا أقل إعجازًًا. في خطوط عريضة، سوف أحاول أن أكشف عن بعض ما عايشته مما هو نجيب محفوظ المواطن المصري الذي يعمل موظفًًا: يأتمر، ويأمر، ويقبض مرتبه، ويحال إلي المعاش، ويرعي أسرته، ويمشي بين الناس، ويطرح نفسه حيثما كانوا، ليجعلها في متناولهم طول الوقت دون تردد.. ثم إنه يبتعد ليشحذ وعيه مبدعًًا متخفيا بروائعه المضيئة والمحركة دون أن يتعارض هذا مع ذاك. إن حضور نجيب محفوظ هكذا يبدو مختلفًًا من حيث الموقف والموقع، لكنه أبدا ليس متناقضًًا، ولا هو متصارع مع بعضه البعض. إنني ـ من باب التفاؤل المؤلم ـ رحت أتصور أنه بحضوره اللاقط المشع معًًا، يمكن أن يمثل تاريخًًا يشير إلي إمكانياتنا الكامنة، فنشعر أننا مطالبون بإطلاقها تتحرر وتضيف، وفيما يلي بعض تجلياته في الحياة العادية ومن ذلك:

أولاً: محفوظ رب الأسرة والحرفوش (الدائرة الخاصة نسبيا):

هذا بُعدٌ لا يحق لي ـ ولا أحد ـ أن يقترب منه، فهو ما أتاح بعضه لبعض حوارييه إلا ثقة بهم، ويقينًًا من أمانتهم، ومن عجب أن يكون مثل هذا البعد هو الأهم عند كثير من النقاد والمؤرخين، ليس بالنسبة لمحفوظ فحسب، وإنما بالنسبة لأي قائد أو رائد أو مبدع، مع أنه ـ في نهاية النهاية ـ بعدًًا ليس متاحًًا أبدًًا مهما ترك من علامات، أو استنتج من شهادات الأقربين. إن ما يمكن أن أشهد به في هذه المنطقة، علي قدر ما أتيح لي، هو أنه بعد لا يتناقض ـ عمومًًا ـ مع غيره في عمق جوهره، لا بالنسبة لنجيب محفوظ مبدعًًا، ولا بالنسبة لنجيب محفوظ شخصًًا يمشي بيننا، ويسمح لخاصته أن يعرفوا أكثر فأكثر. هذا التناسق بين الشخص وإبداعه ليس حال أغلب من هم ليسوا محفوظًًا من المبدعين. إنه بُعد طيب رائع، لا يزيد الأبعاد الأخري إلا عمقًًا، وثراء، ومصداقية، ونبضًًا حيا. كيف حقق نجيب محفوظ ذلك؟ وهل كانت له مضاعفاته التي دفعها بصبر ورضا دون أن ندري؟ لست أعرف. وليس من حقي أن أتمادي أكثر.

ثانيا: محفوظ الموظف (المطيع، والمرؤوس، والرئيس المسئول والرقيب..)

كان لهذا البعد أروع الأثر في تكوين محفوظ الإنسان والمبدع معًًا، فقد أدي عدة وظائف لا يمكن تصور تمامها إلا من خلاله، لقد سمح هذا البعد لمحفوظ أن يخالط الواقع حتي يعجن بمائة يومًًا بيوم، فتعمقت علاقته بالالتزام الراتب (الروتين) الرائع، وتأكدت صلاته بالناس الحقيقيين، ثم إنه من كثرة ما أحب هذه الفرصة وأدرك مدي ضرورتها وروعة عطائها، اندفع في «حضرة المحترم» يقدسها حتي ألّهَهَا، وكأنه ضرب ما عاشه في مائة، ليبلغنا مدي قدسيته رغم اغترابه الظاهر. لا أظن أن أحدًًا وهو يتعامل مع نجيب محفوظ الموظف كان يستطيع أن يتبين منه نجيب محفوظ المبدع، فإذا علمنا أنه لم يكن قط ثم تناقضا، وأن كثيرًًا من مادة إبداعه كان مصدرها هذا العمل البسيط الجميل المنتظم المستمر، أمكننا إدراك ما نعنيه بتحقيق المعادلة الصعبة.

ثالثًًا: محفوظ السياسي

تحدد هذا البعد من قبل أن يكتب محفوظ زاوية «وجهة نظر» أسبوعيا في الأهرام، لكن حضوره السياسي مواطنًًا عاديا لا يقتصر علي ما نقرأه له في هذه الزاوية، فهو لا يتردد في إعلان موقفه السياسي الحريص ألا «يستفز السلطان» في أي مناسبة. إنني أشهد أنني لم أعرف عنه نفاقًًا في ذلك، وإنما هو يختار أي لمحة إيجابية لأي حاكم، فيأمل فيها أكثر مما تعد، وكأنه يغري الحاكم ـ بذلك ـ بالعمل علي الاستزادة في هذا الاتجاه. وهو علي الرغم من تصنيفه باعتباره من المحافظين فإنني لا أشك أنه من أول من يتقدم المعارك متي فرضت عليه (علينا). إنه فقط يرفض المعارك المؤجَّلة، والمؤجِّلة لكل ما هو إيجابي آني واجب الأداء حالاً. يكمل هذا البعد أيضًًا تلك الممارسة السياسية العادية الدؤوب، مهما بدت تحصيل حاصل، ومهما تأكد من لاجدواها، فهو يذهب إلي صناديق الانتخاب، ولا يتعالي عن الإجابة عن أي سؤال مهما كان السائل، حتي لو رجح أن هذا السائل سوف يلوي إجابته، من منا يستطع فعل ذلك بهذه البساطة التي نراها فيه؟ من منا يستطيع أن يواصل المشي في طريق يعلم يقينًًا أنه مسدود النهاية، لكنه يواصل المشي فيه؟

محفوظ المقهي (قديمًًا) والفنادق (بعد الحادث):

هذا حضور آخر، فيه من السياسة والخصوصية معًًا، ما لا يترادف مع الحضور السياسي التصريحاتي (وجهة نظر)، أو مع الخصوصية المغلقة الحميمة (الحرافيش)، لكنه أبدًًا ليس متناقضًًا مع أي بعد آخر (كيف يفعلها هكذا ذلك الرجل؟؟!!).
إنها مدرسة مفتوحة لكل من أراد دون أي استئذان أو تحفظ، ودون أوراق اعتماد أو شروط. وهو وحتي كتابة هذه السطور، مازال حاضرًًا جدًًا وسطنا طول الوقت، هي مدرسة لا أعرف لها مثيلاً، فهو يبدو بيننا ـ بكل ما امتحن به من إعاقات حسية ـ أكثرنا حضورًًا، وديمقراطية وانتباهًًا، وتقبلاً للاختلاف، وتسامحًًا، وتعلمًًا (لا تعليمًًا فقط). هو» «هكذا»، ما يمكن أن نكونه نحن؟ حين نلتقط هذا الحضور التاريخي في ذات محفوظ، باعتباره أجمل وأروع من يمثلنا (ياليت)، وحين نتابع هذه الإحاطة الدقيقة لتاريخنا في إبداعه، قد نضبط أنفسنا ونحن نتساءل كيف ذلك؟ هل هذا الرجل هو أصدق ما يمثلنا، أم أنه التحدي الملقي علينا لنكونه؟ إن مجرد تصور صحة هذا الفرض يحملنا مسئولية مؤلمة. بقدر ما يحيطنا بتفاؤل مسئول.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03736 seconds with 11 queries