عرض مشاركة واحدة
قديم 12/07/2006   #18
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


ولم ينحصر تشيّع المسلمين إلى فرقٍ متناحرة في الشام وحدها بل تعداها إلى الأندلس. يروي البروفيسور نيكلسون عن المقديسي: " إن الأندلسيين لم يعترفوا إلا بالقرآن وبموطأ مالك، فإذا وجدوا أحداً من أتباع أبي حنيفة أو الشافعي طردوه من بلادهم. وإذا لقوا معتزلياً أو شيعياً قتلوه[29]
فلم يعد المسلم مهتماً بالدين نفسه وإنما بالمذاهب. فإن كان الرجل من مذهبهم رحبوا به، وإن كان من مذهب آخر طردوه من بلدهم أو قتلوه إن كان شيعياً. ولا يزال فقهاء الإسلام يقولون لنا: " المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً".

الدولة العباسية

-وبعد تسعين عاماً من حكم بني أمية، تصدعت دولتهم وسقطت للفرس و الموالي الذين اضطهدهم العرب، فأقاموا الدولة العباسية التي نقلت عاصمة الدولة من الشام إلى بغداد. ويقول المؤرخون إن الحركة العباسية كانت عبارة عن حركة موالي للانتقام من العرب والقضاء على دولتهم. وتشير كثير من القرائن التاريخية إلى أن الدولة العباسية أُسست على بغض العرب. وقد حدث في عهد هذه الدولة رد فعل عنيف ضد العروبة وانتشرت الشعوبية آنذاك انتشاراً عظيم. ورجع العرب في عهد بني العباس إلى الصحراء يرعون الإبل من جديدا.[30]
أرسل إبراهيم الإمام زعيم الدعوة العباسية إلى وكيله أبي مسلم الخراساني يقول له: " إن استطعت ألا تدع بخراسان أحدا يتكلم العربيةً إلا قتلته فافعل! وأيما غلام بلغ خمسة أشبار تتهمه فاقتله، وعليك بمضر فإنهم العدو القريب الدار، فأبد خضراءهم ولا تدع في الأرض منهم دياراً"[31] . وقد طبق أبو مسلم في خراسان هذه السياسة المعادية للعرب تطبيقاً حرفياً، فقتل في بضع سنين ستمائة ألف رجل غيلةً بغير قتال[32]
وقام أحد أعوان أبي مسلم، يخطب في أهل خراسان قائلاً: " يا أهل خراسان! هذه البلاد كانت لآبائكم الأولين، وكانوا يُنصرون على عدوهم لعدلهم وحسن سيرتهم، حتى بدلّوا وظلموا، فسخط الله عليهم فانتزع سلطانهم، وسلط عليهم أذل أمةً كانت في الأرض عندهم، فغلبوهم على بلادهم. .. واسترقوا أولادهم، فكانوا بذلك يحكمون بالعدل ويوفون بالعهد وينصرون المظلوم. ثم بدلوا وغيروا وجاروا في الحكم، وأخافوا أهل البر والتقوى... فسلطكم عليهم لينتقم منهم بكم، فكونوا أشد عقوبةً لأنكم طلبتموهم بالثأر"[33]
ونلاحظ هنا أن المتكلم يحث أهل فارس على هزيمة العرب لأنهم تغيروا وجاروا في الحكم وأخافوا أهل البر والتقوى، فأراد الله الانتقام منهم. فالحركة العباسية كانت حركة شعوبية للانتقام من العرب ولكنهم استعملوا الإسلام كذريعة لثورتهم. وهذا هو النمط الذي سارت عليه كل الحركات منذ بدء الإسلام. كل حركة تذرعت بالإسلام وادعت أنها جاءت لنصرته.
ولكن خلط الدين والدولة في جهاز واحد شبيه بجمع النار والماء معاً. حاول العباسيون أن يلائموا بين الدين والدولة فلم يوفقوا في هذا السبيل إلا ظاهراً. إنهم قربوا الفقهاء وأهل الحديث وأجزلوا لهم العطاء وتظاهروا لهم بالخشوع واستمعوا إلى مواعظهم، لكنهم لم يعملوا بها ولم تعمل بها رعيتهم.
يقول البروفسور فيلب حِتي حول قيام الدولة العباسية: " وفي الواقع أن التغير الديني كان ظاهراً أكثر منه حقيقياً. لقد كان الخليفة البغدادي بخلاف سلفه الأموي يتظاهر بالتقوى ويدّعي التدين. ولكنه كان مع ذلك ذا اتجاه دنيوي مثله سلفه الشامي"[34]. . وجاء المؤرخون بعد ذلك يقولون عنها: إنها كانت ثورة عظمى في سبيل إرجاع الدين إلى نصابه وإحياء سنة الرسول.
في الجانب السياسيأوقفت الدولة العباسية كل الفتوحات وركزت على الدفاع عن البلاد التي فُتحت في العهد الأموي. ولما كانت الدولة الإسلامية وقتها تمتد سلطتها من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً، فقد ركز العباسيون على جمع الريع والخراج من رعاياهم، وصرفوا الأموال الطائلة في بناء القصور وشراء الجواري والغلمان. وانتشر المجون والغناء والطرب في ربوع الدولة. وفي الجانب الديني لم تكن الدولة العباسية أحسن حالاً من دولة بني أمية
ويقال إن الخليفة العباسي هارون الرشيد كان يتبع طريق الازدواج. إذا جاء وقت الموعظة بكى، وإذا جاء وقت السياسة طغى. فهو في وقت الموعظة من أشد الناس خشوعاً وتعففاً وزهداً. أما حين يجلس في الديوان ينظر في أمر الخراج وتعيين الولاة وشراء الجواري فهو لا يختلف عن نيرون، أو أي طاغية آخر بشئ
يقول صاحب كتاب الأغاني: " كان الرشيد من أغزر الناس دموعاً في وقت الموعظة وأشدهم عسفاً في وقت الغضب والغلظة"
ويقول الدكتور أحمد أمين عنه أيضاً: " إنه كان يصلي في اليوم مائة ركعة ويسفك الدم لشئ لا يستحق سفك الدم"
وكان الخلفاء العباسيون لا يختلفون عن الخلفاء الأمويين، فقد أحاطوا نفسهم بوعاظ السلاطين الذين برروا للرعية سلوك خلفائهم. يحدثنا الرحالة الأندلسي ابن جبير الذي زار بغداد في القرن السادس الهجري عن مجالس الوعظ في بغداد، ويصف أولاً أخلاق البغداديين، ثم يأتي بعد ذلك على وصف وعاظهم فيمجد طريقتهم ويبدي إعجابه بها، ويقول: " ولا جرم أن لهم في طريقة الوعظ والتذكير ومداومة التنبيه والتبصير، والمثابرة على الإنذار المخوّف والتحذير، مقامات تستنزل لهم من رحمة الله تعالى كثيراً من أوزارهم ويسحب ذيل العفو على سوء آثارهم ويمنع المقارعة الصماء أن تحل بديارهم"[35]
فهذا الرحالة يعتقد أن الوعاظ الذين هددوا المصلين بالويل والثبور و عظائم الأمور لمجانبتهم طريق الحق، ونصحوهم بطاعة خلفائهم، سينزل الله عليهم الرحمة ويغفر خطاياهم، لأنهم ذكرّوا المصلين بعذاب جهنم وخوفوهم من الله. ولكن نفس هؤلاء الوعاظ غضوا الطرف عما يفعل الخلفاء، بل أوجدوا لهم العذر بفتاوى مختلقة.
تظاهر الخلفاء العباسيون، وخاصةً هارون الرشيد، بمظهر الورع والتقوى لكنهم كانوا أبعد شئ عن جوهر الدين. فقد أثقلوا كاهل العامة بالضرائب وصرفوا الأموال على الشعراء الذين باتوا يقفون على أبوابهم لمدحهم أو لهجاء أعدائهم.
وكان شغفهم بالشعر كبيراً وشجعوا ترجمة التراث الإغريقي والعلوم عامةً. لكنهم لم يترددوا في سحق من خالفهم الرأي، خاصة فرقة المعتزلة، الذين كانوا بمثابة امتحان امتحن به المأمون والمعتصم والواثق من بعده، الفقهاء في مسألة خلق القرآن. . كان المأمون متفلسفاً شديد الولع بمذهب المعتزلة، والمعتزلة قوم يريدون أن يقيموا العقيدة الدينية على أساس العقل والتفكير المنطقي. وقد استخدموا المأمون في نشر مذهبهم هذا بين الناس. ومالوا إلى اضطهاد من كان يخالفهم الرأي . وجاء المتوكل فأخذ في اضطهاد المعتزلة اضطهاداً مزرياً، وصار يتتبعهم فرداً فرداً ويقصيهم عن مناصبهم التي كانوا فيها على عهد أسلافه الثلاثة. ومن جملة ما فعل في هذا السبيل أنه أمر عامله في مصر أن يحلق لحية قاضي القضاة هناك، إذ كان معتزلياً شديداً، وأن يضربه ويطوف به على حمار في السوق.
لا مراء أن المتوكل كان من أظلم الخلفاء ومن أكثرهم عربدة ودناءة وسفكاً. وقد سماه بعض المستشرقين " نيرون الشرق". ولكن فعله ذاك في إحياء السنة وإماتة الفتنة جعل الفقهاء يمجدونه ويغتفرون له سوء فعله[36]
كل الخلفاء العباسيين لبسوا مسوح الدين لخداع الرعية، وكان أكذبهم هارون الرشيد، فقد استدعى الرشيد ذات مرة ابن السماك الواعظ المشهور، فلما دخل عليه قال له: " عظني" فقال :" يا أمير المؤمنين ... اتق الله واحذره. لا شريك له. واعلم إنك واقف غداً بين يدي الله ربك، ثم مصروف إلى إحدى منزلتين لا ثالث لهما، جنة أو نار". فبكى الرشيد حتى اخضلت لحيته بالدموع. فأقبل الفضل بن الربيع على الواعظ معاتباً وهو يقول: " سبحان الله. هل يخالجك شك في أن أمير المؤمنين مصروف إلى الجنة، إن شاء الله، لقيامه بحق الله وعدله في عباده؟".[37] فابن الربيع قد ضمن الجنة لهارون الرشيد لأنه يبكي من الموعظة.

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04461 seconds with 11 queries