الموضوع: جليد أسود
عرض مشاركة واحدة
قديم 29/09/2006   #2
شب و شيخ الشباب Fady007
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ Fady007
Fady007 is offline
 
نورنا ب:
Jul 2006
المطرح:
EGYPT
مشاركات:
1,360

افتراضي


ضحكا ثم ضحكا، وقال روجر، "حسناً، تبدو الأنوار مضاءة لكن لا يوجد أحد في المنزل". لكن الأمر لم يكن صحيحاً. فقد كانا في المنزل وقد قاما إذّاك بإطفاء الأنوار.
عندما سلكت الطريق المنحدر عابراً الإنحناءة الحادة القاطعة، أخذت جزمتي تطرق على الجليد الأسود. عليك أن تكون حذراً هناك فلا تتزحلق أو تسقط. الناس يقولون أنها خفيّة، لكنها في الحقيقة هي ليست كذلك ـ عليك أن تصل الى مكان قريب بالفعل لترى أين تتجمّد الماء ثم تذوب قليلاً لتتجمّد من جديد، وذلك كله طوال الليل، الى أن تصبح كقطعة زجاج من قنينة قديمة.
في الوقت الذي بلغت فيه البيت كان أبي قد استحمّ. الأرانب في الكيس كانت قد تيبّست وبات نزع فروها أصعب لأن وقتاً طويلاً كان قد مضى. بعض الفرو كان يتمزّق ويصدر صوتاً كالذي يفعله الضماد البلاستيكي الذي يضعونه على الركبة في غرفة الإسعافات في المدرسة. "إنزعها"، كان أبي يقول كلما عدت الى البيت بواحدة من تلك الضمادات التي أكون قد حصلت عليها جراء ارتطام ركبتي بالأرض على أثر دفعة في ملعب الدرسة. كان أبي يراقبني فأقوم بانتزاعها بسرعة فائقة ويعود النزف الى ركبتي مرة أخرى. "تسمي هذه ضماد؟ إنها شيء فظيع"، يقول أبي. "عرّضها للهواء". أنظر الى ركبتي. تبدو وكأن المفاصل في داخلها قد باتت متيبّسة صدئة، وكأن الزيت فيها قد تسرّب وشحّ تماماً.
في كل يوم على مدى الأسابيع القليلة التالية سلك أشخاص عديدون الطريق نحو أعلى التل لإصلاح وتركيب الأشياء في منزل السيدة. كان بإمكانك سماع أصوات الطرق والآلات. ثم ظهر سطح جديد أعلى من الأشجار. أصدقاء السيدة، هؤلاء الذين ظنوا أنها ارتكبت ضرب حماقة، أخذوا يكثرون من زياراتهم الى أن أخذ الطقس يزداد صقيعاً، فانقطعوا عن تلك الزيارات. تجمّدت البحيرة عند حوافها. في أحد الأيام ذهبت خلسة ورأيت السيدة على الشرفة الجديدة التي كانت مطليّة باللون الزهري، تقف طاوية ذراعيها ومحدّقة بالأشجار. لم تكن تبدو سعيدة الآن، حيث كانت الأشياء نصف منجزة والوحل يغمر الحديقة. كان ثمة أكوام من الصخر الذي ينتظر من يزيله، وقد رأيت بطة تقف بلا حراك تحت شجرة. اقتربت أكثر وقد رأتني.
"حسناً بيلي!"، نادت، وتقدّمت لأكتشف أن البطة لم تكن حقيقية. "أنظر الى هذه الأشجار اللعينة كلها"، قالت بتحسّر. "فقد يئست من منظرها".
كانت ترتدي ثياب العمل أيضاً، لكنها لم تعد تبدو ثياباً جديدة. "ما هذه الأشجار يا بيلي، على كل حال؟"، قلت، وأجبت أنها أشجار الصمغ، وضحكت وقالت إنه كان بوسعها معرفة جوابي سلفاً، على أن ذلك لم يكن جوابي كاملاً إذ كنت أهم بتكملة جملتي.
قلت إن إطباقة أخرى من الصقيع متوقعة في تلك الليلة مع مزيد من الطقس القاسي. وسألتني كيف عرفت ذلك فبدأت بشرح الأمر، لكنها لم تكن تستمع ـ كانت ما زالت تنظر الى غابة الولاية في المنحدر، الغابة الممتدة نحو البحيرة، مديرة برأسها كالسيدات أمام المرآة في محل الثياب.
بعد ثلاثة أسابيع كنت في أعلى الأشجار أستمع إليها وأبحث عن مواقع مناسبة لنصب الفخاخ حين عثرت على أولى المريضات من بينها. عندما لامست أوراقها أدركت أنها تموت. كانت شجرة كبيرة هرمة وكان لها صوتاً كبيراً، غير أنها الآن كانت بالكاد تتنفّس. وكانت تنزف. حول الجذع ثمة من قطع دائرة وكان النسغ يجري غزيراً، وهو دم الشجر كما قال أبي. الشخص كان قد استعمل منشاراً صغيراً ثم فأساً، وبوسعي أن أرى أنه كائناً من كان ذلك الشخص فإنه لم يحسن استعمال المنشار وقد قام بخدش الجذع حول الجزء الذي قطعه. لم يكن بإمكاني فعل أي شيء لتلك الشجرة. أردت قتلها بسرعة فلا تقف هكذا محدّقة بي وهي تحاول إبقاء شيء من حياة.
في الأسبوع التالي وجدت شجرة أخرى بحالة مماثلة، وقد توالى العثور على تلك الأشجار. سبعة من الأشجار الأكثر ارتفاعاً تمّ قطعها. عندما استفحل الأمر ارتفعت في الهواء مرة أخرى ورأيتها من الأعلى وكانت الميتات من بينها تشكّل خطاً نحو البحيرة يمتدّ من منزل السيدة في أعلى التل الى الضفاف. ثم هبطت على الأرض لأرى ما كان يحدث.
"قد فعلتها مرة أخرى يا بيلي"، قال السيد بايلي عندما ذهبت إليه.
"لا أعرف ماذا أفعل من دونك. إثنان سمينان اليوم".
قبضت مالي وتوجهت الى أعلى التل حيث منزل السيدة ورأيتها من خلال الأشجار، تزرع شيئاً في تراب الحديقة.
إقتربت منها أكثر هذه المرة وقد تراجعت الى الخلف حين رأتني.
"لا إلهي، أيها الفتى تمهّل، هلا فعلت؟"، قالت وهي ترتجف. كانت ترتدي منديلاً انحسر قليلاً عن شعرها، فكان بالإمكان رؤية أين ينتهي اللون الأحمر ليظهر الشعر تحته بنياً غامقاً وفضياً، ومضحكاً حيث كان يطابق أحياناً لون ذنب الثعلب بشكل تام.
"يا إلهي، هذا المكان"، قالت بصوت كأنه وشوشة، وألقت المالج من يدها. "ألا يكفي هذا البرد القارس لسعاً حتى تأتي أنت بهذه الطريقة المتسللة...". ثم توقفت وقالت، "إنسَ هذا، إنسَ هذا". رأيت وسادة صغيرة معها للجثو عليها، وكنت أنظر الى تلك الوسادة حين قالت، "من أين لك هذا الصندوق يا بيلي؟". قلت "من السقيفة". ضحكت. نظرت الى الصندوق وإلى رسم التفاحة عليه.
"من سقيفتكم؟"، "انه صندوق "فينغرجوينت" استعماري يا بيلي، هل تعرف كم يساوي الواحد منها؟" كان صوتها مثاراً.
"ما رأيك لو تبيعني إياه؟"، قالت.
قلت إن الصندوق هو صندوق أرانبي وسألتني إن كنت أملك واحداً آخر في سقيفتنا. قلت إنني سوف أقوم بالبحث. كانت تبدو معتوهة. أبي أحياناً يقطع تلك الصناديق القديمة لكي يضعها في المدفأة. كان يترك المسامير والمفصلات فيها.
"أعرف أين يمكن العثور على الكثير منها"، قلت. "في سوق فرانكلين كاراج".
عيناها كانت تشبه قليلاً عيون كلاب السيد بايلي في الشبكات. "متى يعقد ذلك السوق؟". سألت.
"يوم الأحد. وهم يعرضون الكثير من البضائع".
"مثل ماذا؟"، سألت، ثم تلت لائحة كاملة من الأغراض ـ مسعرات للنار؟ أشغال معدنية؟ خزائن؟ ـ وقد ثابرت على الايماء برأسي.
"الكثير من تلك الأشياء"، قلت، "الكثير من تلك الصناديق الصغيرة التي تحمل كتابات وخرائط لأستراليا وصوراً لحيوانات مثل الأمو".
طوت ذراعيها ونظرت نحوي بإمعان. "صناديق مرسوم عليها الأمو والكانغارو؟ بمفصلات كهذه؟".
"أجل"، قلت. "لكن عليك الوصول الى السوق في الصباح الباكر. نحو الساعة السادسة والنصف مثلاً. إذ يأتي أناس آخرون كثر من المدينة".
سألتني أين يقع سوق فرانكلين، فشرحت لها.
"أستطيع الوصول الى هناك قبل الباعة"، قالت، وهي تنظر في انحدار التل، حيث تموت الأشجار في السر بخط يصل الى ضفاف البحيرة.
في يوم السبت نصبت فخاً داخل نفق صغير من الحشائش الى جانب البحيرة. أبي قال انه من السيء القتل بلا أسباب مقنعة لكنني عرفت أن الأرنب لن يمانع. كانت الأشجار شديدة السكون الآن. الغابة كانت آخذة بالتحول الى غابة سوداء. عندما طلع القمر كان ثمة حلقة صفراء حوله كتلك التي تحيط بالفانوس اليدوي عندما تضيئه في ليلة مجلدة. نادراً ما أستطيع النوم عندما أكون مشغول الذهن. فكرت بها خارجة الى هناك في الليل ومعها منشارها الجديد الذي اشترته من متجر الخرضوات، لتصنع ثقوباً في هامات الأشجار، فيما الأرانب تتقدم ببطء وحذر حولها وكلاب السيد بايلي تنبح وتحاول الانفلات من السلاسل.
عندما نهضت كان العتم مخيماً. عتم قاتم كلون معدن القفص الذي يضعون فيه قرداً في المدرسة، معدن بارد يوجع الصدر. في الفخ عثرت على أرنب جامد ويابس، وقد شعرت بالأسف لأجله. أعرف أنه شعر بالشيء ذاته أيضاً. لأنه في رأس السيدة بإمكانك أن تشعر بالأسف تجاه الأرانب وليس تجاه الأشجار.
بلورات الجليد كثرت في الليل والآن بات الجليد الأسود ناعماً كالزجاج حول ذلك المنحدر الحاد. كنت حذراً مع الأرنب كما أكون وأنا أنصب الفخاخ. كان يبدو وكأنه ما زال حياً، جالساً هناك في وسط المصيدة. عدت الى الفراش بعد أن انتهيت. لمست قفازي أمي.
أبي عرف أنني كنت قد استيقظت باكراً عندما أتى ليوقظني من جديد. لم أعرف كيف. "من الأفضل لك أن تنهض وتذهب لتفقد فخاخك"، قال وهو يحرّك الجمر في المدفأة.
هناك، في الطريق المرتفع، كان جرار فيراللي يسحب سيارتها من خارج حفرة. كانت السيارة قد اصطدمت بجذع واحدة من أشجار الصمغ العالية وتناثرت عليها الأغصان وأوراق الشجر. السيد فيراللي قال ان رجال سيارة الاسعاف كادوا يتزحلقون على الجليد المدمى وهم يحاولون الوصول إليها لنجدتها. "ماذا تفعل سيدة مثلها في هذا العتم الدامس بفجر يوم الأحد؟"، قال السيد فيراللي وهو يثبت كلاب القاطرة في سيارتها. "حمقاء لعينة".
تحت إطار سيارتها الأمامي رأيت فرواً أبيض، مقلوباً داخله الى الخارج، مثل القفاز، أو مثل قبعتي.
سرت بين الأشجار أتلمس المريض منها. وأنا أسير عبرت مساحة من القراص. لا يفيد البكاء إن لم تكن حريصاً على نفسك، قال أبي. نظرت حولي فوجدت بعض الحمّاض وحككته على الموضع الذي أثاره القراص، فانتفى أي ألم كالسحر. لكل شيء سام ثمة الى جانبه إن نظرت، شيء آخر مضاد له. قال أبي أيضاً.
أشعلت ناراً صغيرة ودخنت فخاخي، خمسة أسابيع أخرى وأشتري دراجة للجبال.

القصة نشرت في مجلة النيويوركير بعددها الأخير (11/9/2006)

Jesus Christ i love you and i need you
Come into my heart,Today
.For without you i can do nothing

כִּי הָאָדָם יִרְאֶה לַעֵינַיִם, וַיהוָה יִרְאֶה לַלֵּבָב

عايز أعمل زى التلفزيون ما كان بيعمل زمان بعد الإرسال :
و ش ش ش ش ش ش ش ش ش ش ش ش...ه
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04905 seconds with 11 queries