04/09/2009
|
#155
|
عضو
-- أخ لهلوب --
نورنا ب: |
Aug 2009 |
مشاركات: |
205 |
|
5 آب
في السنيين العشر الأخيرة من حياة أمّي دارت بيني و بينها أحاديث كثيرة و تبادلنا الكثير من الأسرار . فقلت لها يوماً إنّني أشعر في قرارة نفسي بخوف من الموت . فأمالت رأسها ببطء على الوسادة و نظرت إليّ بعطف كبير و تفهّم عميق و همست لي بصوتها الخافت : " منذ أن بلغ كلّ من أولادي قسطاً وافراً من الاستقلالية , ما عدت أخشى الموت . كان همّي ألا أغادركم أطفالاً . و لكن هل تعلم ممّا أخاف اليوم ؟ أنا أخاف من الألم . أراني عاجزة عن أن أواجه ميتة مؤلمة . واحدة سألت المسيح و قلت له : " عندما تأتي لتأخذني إليك أرجو أن تدخل بيتي على " رؤوس أصابع رجليلك " و أنا في نومي فتطبع على ثغري قبلة لطيفة تحملني إليك . إنّني لا أريد أن أذهب إليك متألمة " .
ماتت والدتي عن عمر يناهز الثمانية و الثمانين ... و كانت طبعاً في رقاد عميق . فأتاها السيّد و كأنّه يتسلل نحو سريرها و طبع على ثغرها قبلة لطيفة تماماً كما سألته : ذلك أنّه ما كان ليردّ لها طلباً .
و طوال و العشرين الأخيرة , و قد غرقت في غيبوبة عميقة , جلست بقربها محتضناً يداها بين كفّي و رحت أستعيد ذكريات طفولتي و أيّام الصبى , و كم كانت يداها تشفيان بلمستهما اللطيفة , و كم أخاطت لي من ثياب و كم من وجبات طعام هيأت ؟, و كم من " السندويشات " حضّرت لي كلّ صباح و كانت تلفّها بتلك الأوراق المشمّعة كي أتغذّى منها في مدرستي . و تلك اليدان أيضاً ربطتا شريط أوّل حذاء انتعلته ... و كم من مرّة غسلتا جسمي و على جبيني وضعتا الخرقات المبلّلة الباردة عندما كانت الحمَّى تنتابني . و هي هي تلك اليدان صفعتا مؤخرّتي عندما استوجب الأمر ذلك , كما أنّها لاطفت محيَّاي عندما كانت فيَّ إلى لطفها حاجة .
|
|
|