عرض مشاركة واحدة
قديم 02/02/2008   #4
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

Exclamation


الموت والانبعاث

ولكن الموت صنوٌ للحياة ووجهُها الآخر؛ والطبيعة يجب أن تجدِّد نفسها بالموت والانبعاث إلى حياة غضة جديدة، مقتفيةً أثر أول حادثة موت وانبعاث على المستوى الميثولوجي، ألا وهي حادثة موت الإله دوموزي وقيامته. لقد كانت لعبة الحبِّ الكونية التي انتهت باتحاد الإلهين بمثابة الطور الأول من حياة دوموزي. ولكن العريس الإلهي الذي ما ارتوى بعدُ من كؤوس الهوى يجب أن يموت؛ وها هي ذي عفاريت العالم الأسفل تنطلق في إثره، وهو يهرب من وجوههم من مكان إلى آخر، ويغيِّر من هيئته متخفيًا عن أنظارهم، ولكن دون جدوى، لأنهم ما يلبثون أن ينقضُّوا عليه، ويروحون يسومونه أنواع العذاب، قبل أن يسوقوه إلى العالم الأسفل.
لدينا أكثر من نصٍّ سومري يصف عذابات الإله دوموزي وموته.[16] وتشكِّل سلسلة الأناشيد التالية نصًّا معروفًا لدى علماء السومريات تحت عنوان: أمرُّ البكاء؛ وهو يتميز عن نصِّ موت دوموزي المعروف بأسلوبه القويِّ وعاطفته الدافقة وطابعه الدرامي الواضح. يبدأ النشيد الأول ببكائية يرفعها المحتفلون إلى الإلهة إنانا:[17]
أمرُّ بكاء الدنيا نبذله على زوجها.
من أجل إنانا، أمرُّ البكاء نبذله على زوجها.
واحسرتاه على زوجها، واحسرتا على فتاها.
واحسرتاه على بيتها، واحسرتا على بلدها.
على زوجها الأسير، على فتاها الحبيس.
على زوجها الميت، على فتاها الراقد.
على زوجها الذي غاب، من أجل أوروك، في الأسر.
بعد بضعة أسطر أخرى يواسي فيها المنشدون الإلهةَ، تدخل إنانا إلى المشهد:
إنانا تبكي بكاءً مرًّا على زوجها الفتى:
"اليوم قد قضى زوجي الحلو، زوجي قد قضى.
اليوم قد قضى فتاي الحلو، فتاي قد قضى.
لقد مضيتَ، يا زوجي الحلو، إلى زرع البواكر.
لقد مضيتَ، يا فتاي الحلو، إلى زرع الأواخر.
قد مضى زوجي إلى الزرع، ولكنه قُتِلَ بين الزرع.
قد مضى فتاي يطلب الماء، ولكنه أُسلِمَ هناك إلى الماء.
بعد ذلك يعود المنشدون لإعطاء تفصيلات عما حدث، فنعرف أن سبعة عفاريت من العالم الأسفل قد بُعِثوا للقبض على دوموزي، فراحوا يبحثون عنه حتى وجدوه نائمًا في الحظيرة، فدخلوها وأخذوا يخربون كلَّ ما يقع تحت أيديهم. ثم قام العفريت السابع بإيقاظ دوموزي بغلظة:
ثم دخل العفريت السابع إلى الحظيرة
وأنهض سيد الرعاة النائم،
أنهض زوج إنانا المقدسة، سيد الرعاة النائم:
"مولانا أرسلَنا في طلبك؛ قُمْ تعال معنا.
أرسلَنا في طلبك، يا دوموزي؛ قُمِ تعال معنا.
أولولو، يا أخا السيدة جشتنانا؛ قُمْ تعال معنا.
نعاجُك قد سُلِبَتْ وحملانُك ولَّتْ؛ قُمْ تعال معنا.
عنزاتُك قد أُخِذَتْ وجداؤك ذهبت؛ قُمْ تعال معنا.
انزع عن رأسك تاج القداسة؛ قُمْ عاري الرأس.
القِ عن جسمك رداء المُلك؛ قُمْ عاري البدن.
ارمِ من يدك عصا القداسة؛ قُمْ خاوي اليد.
اخلع عن قدميك نعل القداسة؛ قُمْ حافي القدمين.
ولكن دوموزي يفلح في الإفلات من أيديهم؛ وها هم يتشاورون في أمرهم ويضعون خطة للمطاردة:
عفريتٌ نَظَرَ إلى عفريت.
العفريت الصغير خاطب العفريت الكبير:
"الفتى الذي نجا من قبضتنا <...>
دوموزي الذي نجا من قبضتنا <...>
لنلحق به وندركه عند ربوات البراري.
فهناك، عند ربوات البراري، مَن يمسكه معنا.
لنلحق به وندركه عند خنادق البراري،
فهناك، عند خنادق البراري، مَن يمسكه معنا.
[...]
دعونا نمسك به في حضن أمه سرتور؛
سرتور، الأم الحنون، ستقول له قولا رحيمًا.
دعونا نمسك به في حضن أخته الحنون؛
أخته الحنون ستقول له قولاً رحيمًا.
دعونا نمسك به في حضن زوجه إنانا –
إنانا العاصفة الكاسحة.
يصل دوموزي إلى ضفة نهر الفرات، فيخلع ثيابه ويسبح إلى الضفة الأخرى، حيث يكون في انتظاره أمُّه وزوجته. ولكن التيار كان أقوى منه؛ أو إن قوى العالم الأسفل قد سخَّرتْ مياهَ النهر لاقتناص الإله الهارب من قَدَره:
عند شجرة التفاح المنتصبة التي تنمو على الرابية،
عند شجرة التفاح في صحراء إيموش:
الماءُ الدافق الذي يحطِّم القوارب
حَمَلَ الفتى إلى العالم الأسفل.
الماءُ الدافق الذي يحطِّم القوارب
حَمَلَ زوج إنانا إلى العالم الأسفل.
هناك يأكل طعامًا ليس بالطعام،
ويشرب شرابًا ليس بالشراب.
هناك مرابط للماشية ليست مرابط،
وهناك سقوف للزرائب ليست سقوفًا.
هناك تحفُّ به العفاريت بدل الأصحاب والخلان.
بعد هذه المشاهد المثيرة للأسى تعود البكائيات بإيقاع أكثر حزنًا وألمًا. ذلك أن ندب الإله الميت والتفجُّع عليه والمبالغة في إظهار الحزن هي أدوات سحرية تعينه على فكِّ قيوده في عالم الأموات واكتساب القدرة على مقاومة قوى الفناء. في هذه البكائيات ترنيمة تشترك فيها نسوة دوموزي: أمه وزوجه وأخته. لقد أرسل الإله في طلبهنَّ إلى ملجئه في الصحراء؛ وعندما وصلن إلى الزريبة التي يتوارى فيها وَجَدْنَ أن عفاريت الظلام قد خطفت دوموزي:
على ناي القصب،
قلبي يعزف ترنيمةً على ناي القصب.
لأجل ذلك الشريد في الصحراء،
قلبي يعزف ترنيمةً على ناي القصب.
أنا إنانا التي تُرِكَت وحيدة في القفر،
وأنا ننسونا، أمُّ الربِّ الفتى،
وأنا جشتينانا، أخت السيد الفتى،
قلبي يعزف ترنيمةً على ناي القصب.
لأجل ذلك الشريد في الصحراء،
قلبي يعزف ترنيمةً على ناي القصب.
في مرابعه، في روابي الرعاة،
قلبي يعزف ترنيمةً على ناي القصب.
في مرابع مَن أمسى اليوم حبيسًا،
في مرابع مَن أمسى اليوم أسيرًا،
قلبي يعزف ترنيمةً على ناي القصب.
أما عن عودة الإله الميت إلى الحياة فلدينا نصٌّ واحد مفصَّل اسمه أيها الرب، الطفل السامي العظيم، الممجَّد في السماء والأرض؛ وهو مؤلف من ثلاث عشرة نشيدًا، متراوحة في الطول والوضوح. الأناشيد الأولى عبارة عن مدائح واسترضاء لدوموزي، تليها مرثية دمار مدينة أوروك التي غاب عنها الإله. وفي النشيد الخامس نستمع إلى مرثية من الأم الثكلى، تُظهِر فيها خوفَها من ألا يعود الفتى الغائب، وما يمكن أن يحمله ذلك من كوارث على الإنسان والحيوان والطبيعة. ولكن من الواضح أن تعداد المخاوف هذا ما هو إلا تحريض لقوى الإله واستنهاض لهمَّته:
لأجله، لأجل الغائب البعيد،
أبكي، وخوفي ألا يعود.
لأجل طفلي الغائب البعيد،
أبكي، وخوفي ألا يعود.
لأجل المسي[18] الغائب البعيد،
أبكي، وخوفي ألا يعود.
من شجرة الأرز المقدسة،
حيث حبلتُ به، أنا أمُّه،
من معبد إيانا الأعلى والأسفل،
أبكي، وخوفي ألا يعود.
من بيت الربِّ أبكي،
أبكي، وخوفي ألا يعود.
أبكي، وبكائي على شجر الكرمة،
خوفي ألا تعطي الكرمةُ عناقيدها.
أبكي، وبكائي على السنابل،
خوفي ألا يجود بها الأخدود.
أبكي، وبكائي على النهر العظيم،
خوفي ألا يفيض ماؤه.
أبكي، وبكائي على السِّباخ،
خوفي ألا تتكاثر أسماكُها.
أبكي، وبكائي على غيضات القصب،
خوفي ألا يخلِّف القصبُ القديم.
أبكي، وبكائي على الأحراش،
خوفي ألا تتكاثر غزلانُها ووعولُها.

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06918 seconds with 11 queries