عرض مشاركة واحدة
قديم 02/03/2009   #1
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي في نقض التحليل النفسي في فلسفة دولوز وفيلكس غاتاري


يعتقد دولوز وغاتاري أن التحليل النفسي « يكسر كل إنتاجات الرغبة »7. يبدو أن هذا الانتقاد غريب، خصوصًا إذا علمنا أن الأساس الذي يقوم عليه التحليل النفسي، كما رأينا، هو الرغبة. فالشخص الذي يقبل التحليل النفسي يهدف بالأساس إلى تحرير رغبته، إلى إزالة العوائق الشعورية، وبالخصوص العوائق اللاشعورية التي تكبت الرغبة وتمنعها من التعبير عن ذاتها.
غير أن الأمر، في الواقع، لا يعدو أن يكون، حسب دولوز وغاتاري، مجرد قناعٍ من أجل كسر الرغبة بكل تجلياتها، قناعٍ يُوهِمُ الشخص المريض بأنه سيحقق النصر على عوائقه من أجل تحقيق الإنتاجات المأمولة للرغبة. تتعلق إنتاجات الرغبة التي يتحدث عنها التحليل النفسي دائمًا بأفعال موسومة بالنقص والسلب، بالخصي، بفلتات اللسان، بالنسيان، بتوافقات مفتعلة لتورية هذه الرغبة أو تلك. « إن ما يسميه التحليل النفسي إنتاج اللاشعور أو تشكله هو مُحْبطَات أو صراعات أو تراضياتٌ أو تلاعبات بالألفاظ »8. وعندما تنجح هذه الرغبة أو تلك، فإن المحلِّل النفسي، لا يتناولها في وجودها الفعلي، بل يعتبرها عبارة عن تسامٍ. إنه يتحدث عن كل هذا، ما عدا الحديث عن الرغبة. فكأن الرغبة، من وجهة نظر التحليل النفسي، محصورة بين توجهين : إما أنها موسومة بالنقص والعيب والسلب، وإما أنها متسامية، أي أنه يتم تجاوزها نحو شيء آخر. لنتناول مثالاً من بين الأمثلة الكثيرة التي يتحدث عنها التحليل النفسي. عندما تناول فرويد مسألة « مص الأعضاء الجنسية للذكر »، التي هي رغبة جنسية محضة، فإنه يعتبرها إحالة على حَلَمَةِ البقرة. يتعلق الأمر، لا بالرغبة في عضو جنسي، الذي هو القضيب، وإنما بحَلَمَةِ بقرة. لكن هذه الحَلَمَة ذاتها تحيل، حسب فرويد، على شيء آخر، شيء يبدو هو السابق سبقًا وجوديا، حتى وإن كان هذا السبق مقنعًا ومتواريًا تحت غطاءات كثيفة. يتعلق الأمر في نهاية التحليل لا بالعضو الجنسي، القضيب، ولا بحلمة البقرة، وإنما بحلمة الأم، أي بالثدي الأمومي. « إنها طريقة لتِبيان كون مص الأعضاء الجنسية للذكر ليس رغبة "حقيقية" »9. هكذا يتم اختزال رغبة حقيقية، وهي في هذه الحالة رغبة جنسية، في رغبة خفية تعود إلى الأم، إلى العائلة، وإلى مرحلة الصبى. فعوض أن تتم معالجة هذه الرغبة بما هي رغبة، أي عوض اعتبارها مجرد رغبة جنسية يُعبِّر عنها الشخص الذي يتلقى التحليل النفسي، يتم اختزالها وكسرها، وفي النهاية يتم إلغاؤها. ما المنطق الذي يتَّبعه التحليل النفسي ؟ وبعبارة أخرى، إن نحن انطلقنا من المثال السابق، ما طريقة عمل المحلِّل النفسي ؟ كيف يمكن فهم منهاجه وطريقته في فهم الرغبات وتفكيك تشابكاتها ؟.
يبدو أن التحليل النفسي لا يتناول الرغبة من حيث هي حدث في زمان ومكان معين ومحدد، أي لا يتناولها من حيث تموقعها في زمن حاضر وتجذرها فيه، من أجل إنجاز اقترانات مستقبلية، وإنما يعتبرها حدثًا يحيل على الماضي، يجد أصله في الماضي. يعني ذلك أن التحليل النفسي في ممارساته يعتمد تصورًا معينًا للزمن. لا يعني الحاضر ولا يعني المستقبل أي شيء خارج إحالتهما على الماضي. فالرغبة الحالية لا تحيل على الزمن الحاضر، ولا على الزمن الآتي، وإنما على زمن ماض. يتعلق الأمر، كما يقول غاتاري، « بأسطورة الإحالة. فكي يعيش المرء حياته - سواء تعلق الأمر بجنونه، بِعُصَابِهِ، برغباته، بسوْداويتِه أو بحياته اليومية "العادية"-، يضطر إلى الإحالة على عدد من الأساطير العمومية أو الخصوصية »10. والإحالة، في مجال التحليل النفسي، هي دائمًا على الأوديب، أو الخصي، أو النقص، إلخ. والواقع أن أسطورة الإحالة، كما يقول غاتاري، تسكن الإنسان منذ البداية. كانت أسطورة الإحالة، في ما يسمى بالمجتمعات البدائية، تكتسي قيمة مجتمعية طبيعية بالنظر إلى التركيبة التي تقوم عليها تلك المجتمعات. كان الهدف من الإحالة هو تركيب « نسق من الإحالة الأخلاقية، والدينية، والجنسية، إلخ. وفق نمط أقل دغمائية من الإحالة التي نمارسها نحن [أي في المجتمعات الغربية] »11. فطرق العلاج النفسي التي تمارسها هذه المجتمعات تتخذ مسالك من الإحالة تكتسي طبيعة معينة. فالشخص الذي يمارس العلاج النفسي، أي العراف، يعمل على « تحديد الروح التي تسكن المريض، ويحاول تحديد المجموعة الثقافية والاجتماعية والأسطورية والعاطفية التي أصابها الاضطراب. وإذا لم تتمكن طريقة طقوسية من النجاح في إيجاد العلاج، يتم التوجه نحو اتجاه آخر، دون الادعاء أن هناك "مقاومة". يعمل هؤلاء على استكشاف الذاتية ببعد براغماتي واضح بالاعتماد على سَنَنٍ يشترك فيه مجموع الجسد الاجتماعي الذي تكون له نتائج قابلة "للقياس"»12. لا ينفصل التحليل النفسي عن هذا النمط القائم على أسطورة الإحالة، لكن هذه الأخيرة تتحدد هذه المرة في مفاهيم مُختَزَلة في العائلة مثل أوديب والخصي، إلخ. هذه النـزعة الماضوية القائمة على أسطورة الإحالة تسكن التحليل النفسي وهو لا ينفصل عنها في كل تحليلاته.
ومن جهة أخرى، فمادام التحليل النفسي لا ينفصل عن هذا التصور الماضوي، فمن الطبيعي أن تكون عمدته في العمل والممارسة هي التأويل. فالرغبة ليست رغبة إلا لأنها « تعني شيئًا آخر، وتُخفِي شيئًا آخر »13. يقيم التحليل إذن ثنائية. فهناك الظاهر من جهة، والباطن من جهة أخرى. فالظاهر هو « الرغبة في مص الأعضاء الجنسية »، والباطن هو الرغبة في « ثدي الأم ». وهذه الثنائية ليست متوازية، وإنما هي ثنائية مُتراتِبة، أي لا يكتسي الظاهر القيمة التي للباطن. وكما هو الأمر في التقليد التأويلي الذي ساد ومازال يسود عند رجال الدين، ليس هناك مكان المعنى هو الظاهر، وإنما مكانه ومحله هو الباطن ؛ ليس هو الشاهد، وإنما هو الغائب. فعوض أن يقف التحليل النفسي عند الحدث، عند الظاهر، أي عند الرغبة كما هي، فإنه يحيلها على شيء آخر، شيء يكون هو باطنها، أي هو معناها الحقيقي. يقول دولوز : « ينبغي دائمًا أن يُذَكِّر شيء ما بشيء آخر، أي أن تكون هناك دائمًا استعارة أو كناية. لقد أصبح التحليل النفسي شيشرونيًا أكثر فأكثر، ولقد كان فرويد دائمًا رومانيًا »14. هكذا عمل التحليل النفسي على امتلاك شبكة مُحكمة من أجل التمييز بين الرغبات الحقيقية والرغبات المفتلعة، أي بين الحقيقة والوهم. فالمحتويات الحقيقية للرغبات هي الغرائز الجزئية أو الموضوعات الجزئية ». وتجد هذه الرغبات الحقيقية تجسيدها في مفهوم واحد يعبر عنها هو « أوديب، أو الخصي، أو الموت، أي هيئة من أجل إعطاء بنية للكل »15، أي لكل المحتويات الحقيقية للرغبات، حسب التحليل النفسي. فبمجرد ما تظهر رغبة عند الشخص المُحلَّلِ، يعمل المُحَلِّلُ على اختزالها في ما يسمى برغبة فعلية وحقيقية، وهي غريزية طفولية تعود بالأساس إلى الأسرة وإلى مرحلة الطفولة. لنقدم مثالا آخر يسوقه دولوز على ذلك، وهو مثال تم تحليله ضمن عمل قامت به مجموعة بحث، أسسها كل من جيل دولوز وفيليكس غاتاري وأندري سكالا وكلير بارني، لإعادة دراسة الكيفية التي حلل بها فرويد الحالات المَرَضِيَّة التي عُرِضت عليه، وهي حالة الطفل هانس16. والواقع أن اختيار دولوز ومجموعته حالة هانس يكتسي في نظرهم دلالة قوية. إذ يرى دولوز ومجموعته أن التحليل النفسي الذي عادةً ما يمَارَسُ على الأطفال يُبرِز بشكل بَيِّنٍ وواضح الطريقة التحليلية في كسر الرغبة، وفي اختزالها في الماضي وفي الوسط الأسري، أي يبرز أكثر من أية حالة أخرى أسطورة الإحالة التي أشار إليها غاتاري.
يريد الطفل هانس أن يخرج من منـزله كي يلتحق، في العمارة، برفيقته الطفلة مارْيِيدَل من أجل ممارسة الجنس معها. هذا كل ما في الأمر. كيف تعامل التحليل النفسي مع هذا الحدث ؟ وبالضبط، كيف تعامل فرويد مع حالة الطفل هانس ؟ يبدو أن فرويد لا يريد أن يؤمن بأن الطفل هانس يرغب في الطفلة رغبة حقيقيةً وفعليةً، أي أنه يرغب في ممارسة الجنس معها. « على هذه الرغبة - رغبة هانس في ممارسة الجنس مع الطفلة - أن تُخفِيَ شيئًا آخر »17. لا تكتسي هذه الرغبة قيمة ومعنى في ذاتها إلا لأنها تحيل على أمر آخر، وهذا الأمر الآخر محله هو الأسرة. على الرغبة أن تمثل الأسرة. « فعلى الرغبة في مارْيِيدَل أن تكون رغبة تحول لرغبة في الأم التي يفترض أنها سابقة »، أي سابقة على الرغبة في الطفلة. « فالرغبة في مارْيِيدَل ينبغي أن تكون رغبة في أن تصبح مارْيِيدَل عضوًا في الأسرة. فوراء هذا التمني، وهو "أريد أن أمارس الجنس مع مارْيِيدَل"، يوجد بكل تأكيد تمنٍّ آخر، وهو : "أريد أن تصبح مارْيِيدَل طرفًا من أسرتنا" »18.
هكذا نرى أن الرغبة التي يعبر عنها الطفل هانس، وهي رغبة الخروج من المنـزل العائلي والالتقاء، بل الاقتران بإنسان آخر، إنسان هو أيضًا خارج الحقل العائلي، إنما هي رغبة مفتعلة، رغبة غير حقيقية. فهي ليست رغبة إلا لكونها تدل على رغبة أخرى، وهي الرغبة الحقيقية، أي الرغبة في الأسرة، وهي في نهاية المطاف رغبة في الأم. تلك هي الطريقة التي مارس بها فرويد التحليل النفسي، وهي طريقة تؤسس منهج التحليل النفسي ذاته.

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06770 seconds with 11 queries