[العاصي]

أنقل لكم قصيدتين من قصائد الشاعر السوري محمد علاء الدين عبد المولى وهما من دواوينه المنشورة:
نشيدٌ لأشلائـي
محمد علاء الدين عبد المولى – شاعر من سورية
ولمّا أتى من أولِ الفجرِ طائرٌ
أقمتُ له عرساً يكلله الندى

وقلتُ أما غنيتَ سرّاً قصيدةً
هي السّفرُ الأشهى هي الصّوتُ والصّدى

ألم تنحني الأشجار؟ ونهرُها
أما زال مسكونَ الضفاف مقيّدا ؟

أيا نهرَها لليأسِ وجهك ساجدٌ
وكم كان يبني للمباهج معبدا

أغثني وما أنتَ المغيثُ ولا أنا
كلانا على الأسلاك باتَ ممدّدا

أبا الذكرياتِ الخضْرِ طفلكَ يابس
رمى في فضاء اليتمِ أمسه والغدا

وأسرف في الأشواقِ حتى كأنه
فؤادٌ من التشييع أصبح مُقعدا

أيا نهرَها كيف العشايا تخوننا
وكنّا لها بالأمس عيداً وموعدا ؟

تغرّبنا الرؤيا وتخفي صدورنا
لهيباً منحناه الحناجرَ موقدا

نسائلُ عن حريّةِ الحلمِ جوعنا
إذا الحلم في صمتِ العيون ترمّدا

فلا الجوع منفيّ ولا الحلمُ شاعر
(إذا قال شعراً أصبح الدهر منشدا)1

أأنشىء من طين اللغات مدائنا
وأرسل فيها الريحَ تحتضن المدى

وفي السرّ أغتال القوافلَ رافعاً
حماها على نارٍ لأتركها سدى

ومن أفقٍ يعلو ألوّح راقصاً
على جثثٍ تغلي وشعبٍ تبدّدا

(وقفتُ وما في الموت شكّ لواقف)2
كأنّي على الهاماتِ أطلع كالردى

أتَوْني على كـَرْهٍ يضيئون وحدتي
وهم خلّفوني في أماسيّ مفردا

قصيدةُ… هذا الحزن ليلٌ يقودنا
نسافر خلف الليلِ ليلاً بلا هدى

يباكرنا والطير منّا تآلفت
ويتركها جمعاً مع الريح شُرّدا

قصيدةُ… ذئبُ الرّوحِ يعوي ووحدنا
فضاء لِما غنّى النَّـعيُّ وردّدا

ونطفو على وجهِ الكلامِ كأننا
كتابٌ ليُطوى أو يعادَ فيفردا

سوانا من الأعماقِ ينهضُ بحرُه
ونحن كموجِ البحر أرغى وأزبدا

وغافلتُه مجدَ الظلامِ هدمته
لأرفعَ من أنقاض حلمي معبدا

فيا شعرُ ما أفتيتُ باليأس, إنه
نشيدٌ لأشلائي, ختامٌ لما ابتدا


أغّني وصوتي بالحنين متيّمٌ
وكم كان صوتي ناسكاً متعبِّدا

أغنّي وهذي الأرض حنجرتي التي
تتوِّجُ فيَّ القهرَ عبداً وسيّدا

(وإني لَنجمٌ تهتدي بيَ )1 جثتي
إذا ضلّلتها الريحُ والموت ما اهتدى

أسيِّرُها غرباً وشرقاً, وإن أضع
فليس لقلبي غير قلبيَ مرشِـدا


تشرين الثاني 1989