[yass]

-2-

الصباح:


ظهيرة يوم صيفي في شاطئ ماربيا في مالغا, اسبانيا. يظهر قارب صغير في الأفق ليهب في نجدته خفر السواحل و يسحبوه إلى الشاطئ.. القارب مليء بالمهاجرين المغاربة و الجزائريين و الأفارقة الذين يرمون نفسهم في البحر بحثا عن حياة أخرى.. أو ببساطة.. بحثا عن حياة..

يصلون إلى الشاطئ.. يتلقون الإسعافات الأولية و يشربون الماء العذب..


يرفع أحد الناجين رأسه.. ينظر حوله.. فماذا يرى يا ترى؟


يرى يختا يناهز المائة متر من الطول و حروف اسمه من ذهب الخالص... هذا أحد يخوت العائلة المالكة السعودية..

يرى بين الغابات و عند جرف صخري جميل قصرا مطابقا للبيت الأبيض... هذا قصر أحد أمراء الكويت

يرى فندقا شاهق العلو و تحته كازينو فاخر و فخم... هذا فندق رفعت الأسد

يسمع أن مخزون جميع متاجر المحافظة من الشوكولا الفاخرة و الويسكي و النبيذ قد نفذ.. فملك السعودية يصطاف هذه الأيام في المنطقة و يحتاج للتموين هو و حاشيته

أهل المنطقة يركبون السيارات الفاخرة من مرسيدس و كاديلاك و بي أم دبليو.. ففي كل مرة تصطاف فيها العائلة المالكة السعودية هنا يشترون حوالي 400 سيارة فخمة جديدة, و يهدوها لمن يجدون في الشارع عند انتهاء الإقامة..


نعم.. الاستعمار سرقنا و نهبنا... لكن أحيانا يخطر على بالي أن أسيء التفكير بأنه ليس فقط هو سارقنا الوحيد.. لكنني سرعان ما أطرد الفكرة من عقلي المريض الولاء.. أستغفر ربي.. أخفض رأسي.. و ألحق القطيع.





الظهر:


انهيار صخري في مصر يوقع عشرات الضحايا...


الخبر المحزن يملأ الدوريات العربية و الأجنبية مع متابعة دقيقة لارتفاع عدد الضحايا و مستجدات الأخبار.

لا أدري لماذا يخطر ببالي أن أبحث عن صفحة جريدة الأهرام على شبكة الانترنت.. لأجد العناوين الرئيسية التالية:


"مبارك يصدر توجيهين بسرعة تسكين متضرري الدويقة و إخلاء المنطقة المهددة بالخطر"

"يوالي الرئيس حسني مبارك اتصالاته للاطمئنان علي سير عمليات الإنقاذ في موقع الحادث‏,‏ وأعطي توجيهاته لرعاية المصابين‏"

"في جنازة عسكرية مهيبة, مبارك و كبار رجالات الدولة يتقدمون جنازة المشير أبو غزالة"

قد يستغرب قرائي ذلك.. لكنني لم أعتد بعد على أن يصل جنون العظمة إلى حد فعل المستحيل لكي يكون اسم الطاغية موجودا في كل خبر.. حتى لو كان الخبر عن كارثة و عن موت..




عجبي...





العصر:


في جلسة متابعة للحكومة في البرلمان الاسباني, و بينما كان الوزراء في بهو الصالة ينتظرون أن يحين وقت الجلسة, انتبه رئيس البرلمان "خوسيه بونو" (الحزب الاشتراكي العمالي) إلى أن وزير الصناعة و التقانة "ميغيل سيباستيان" (من نفس الحزب) قد جاء دون ربطة عنق.. فنادى رئيس البرلمان أحد مرافقيه, و أعطاه 50 يورو و طلب منه أن يسرع إلى أحد المتاجر القريبة من مبنى المجلس و يشتري ربطة عنق تناسب قميص الوزير, ثم يعطيها للوزير بدون بلبلة و ليقل له أن هذه الربطة هدية من صديقك خوسيه بونو لأنه انتبه أنك نسيت ربطتك في المنزل.


ذهب المرافق و عاد بربطة العنق, نادى الوزير إلى زاوية كمن يريد سؤاله أمرا خاصا و قال له ما أمره رئيسه, فضحك الوزير و قال له أن يخبر رئيس البرلمان أنه لم ينس ربطة العنق, إنما هو لم يلبسها عمدا لأن الصيف قد اقترب, و هو اتفق مع موظفي وزارته على إعفائهم من لبس ربطة العنق في أشهر الصيف مقابل أن يرفع درجة حرارة المكيفات 3 درجات, و بالتالي يوفرون الطاقة و الاستهلاك الكهربائي لمبنى الوزارة, و هو جاء اليوم بدون ربطة ليطرح المبادرة على البرلمان و يقترح تعميمها على باقي أبنية الدولة.


عاد المرافق و روى لرئيس البرلمان ما قال له الوزير سيباستيان.. فرد رئيس البرلمان بكل هدوء:" الفكرة جيدة, سنناقشها اليوم في الجلسة, لكن ارجع له و أخبره أنني أصر على أن يلبس ربطة العنق الآن ليجلس في منصة الحكومة, و إن لم يرد لبسها فلن أوافق على حضوره و سيكون عليه تبرير غيابه أمام رئاسة الحكومة و أمام حزبنا.. إن حاكما لا يتأنق أمام ممثلي شعبه هو حاكم لا يحترم شعبه" .. عاد المرافق بالكلام إلى الوزير, و بدون أن ينطق بكلمة واحدة أخذ الوزير ربطة العنق و لبسها.


و أنا أقرأ هذا الخبر منذ بضعة أسابيع في الصحافة, ابتسمت.. ثم ضحكت.. ثم صرت أقفز ابتهاجا.. فحكامي العرب يحترمونني كمواطن..


بدلات أنور السادات العسكرية كانت من صنع بيير كاردان شخصيا..

و فساتين ملكة الأردن تكلف ملايين الدولارات سنويا..


مثالان عن احترام الحكام العرب لشعوبهم...





المغرب:

"إن شعبا لا يعرف القراءة و الكتابة, هو شعب يسهل خداعه.. "

هذا ما قاله غيفارا في أحد ملتقياته مع زملائه الثوريين.. لا شك أن كلامه صحيح.. و أعتقد كذلك أن ما يقوله البعض بأن الشعب المتعلم لا يسهل خداعه.. لكنه ضعيف أمام الإرهاب و الترويع كغيره.. هو كلام صحيح أيضا..


لذلك.. أحسد أنظمتنا الحاكمة على قوة حيلتها.. فبعض الشعب جاهل أمي.. و الآخر متعلم مثقف.. و في الحالتين نجد النظام غالبا.. إن كان بالخداع.. و إن كان بالإرهاب.

لو عاش ماكيافيلي اليوم لما كان جديرا بأن يكون حتى تلميذا لدى أي مسؤول من مسؤولينا...




الليل:


هل يا ترى سيتقدم العلم يوما إلى الحد الذي سنستطيع أن نطفئ فيه ضوء القمر بكبسة زر؟ أتمنى ألا يحدث هذا مطلقا.. و إن حصل فأتمنى أن يكون هذا الزر تحت يد امرأة...





Yass