فصل حياة - الجزء الثامن
صدقية الباطن
الصدق صفة ملائكية يصعب تقمصها عند البشر لأنها تنزع الجلود من أجساد الكائنات ولذلك فقد طاشت ورجح الكذب محلها وراح الناس يكذبون على ثلاث ذاتهم وغيرهم وربهم, ومن نقض لند المحيط بحاله وأشنق له الشقاء وظفرته تفاهة لسان ولزلزت بأدد قدميه كل الأوزار ليس بهوله بل بحقارته الفطرية التي لم تحجبها أهداب الكذب.
أضرب مثلا لأحدهم بشع الوجه وحقير الجسد, تجاهل حالته المنبوذة خلال الكذب على ذاته, حتى راح يجمع تقواه ويبشر بعفة هي أصلا ملتصقة به لصقة الدود أوراق الربيع...ويدعي الأرادة والزهد عن دنيا هي أصلا لم ولن تهبه يوما تهتانة من زبرجها...وما أحلاه ذلك الشخص الذي يلتزم بالعفة بصدق حيث النساء أمامه كوكر النمل وما أحلاه ذلك الزاهد بصدق حيث نعم الدنيا كلها تتساقط من سماء تعلوه وما أحلاه ذلك المؤمن الصادق الذي أحب الله عبر قلبه وليس عبر الأنا السفلى.
وأهيم بين مجتمع ينتميه قوم فيه ثلاث فئات فئة تسعى لمكاسب دنيوية وفئة تحتكرها وأخرى أهلكها تفهمها للمحيط وراحت ببطء تموت. ينحدر من ثغر الأولى الى أذن الثانية الكلام المعسول والاحترام المصنوع وترى الثانية فرحة بهذا الشكل الكلي المزيف كرحيق زهرة تغذت منها الحشرات ومرت بين حوافرها الفئران ثم داستها أرجل الخنازير , فيا عجبا كيف للمال والسلطة أن يجعلا من أكذوبة حياتية وأجتماعية مصدرا لفرح الأنسان...ويا أسفاه لمجتمع يموت فيه الكبار ويحيا فيه الصغار, مجتمع خبيث وحقير ومقرف كم أكره الوجود فيه وكم يؤلمني مظهره الشاذ.
وفي فصل حياة وربيع عمر أجدنى عاجزا عن الكذب..أعجز عن القول يا ربي أريد عبادتك لأنني أحبك وليس خوفا من نارك...أعجز عن أحترام من بنفوسهم كبر وكل فيافي عظمتي تروح هدرا على ضعفاء النفس والحال...أعجز عن الأنسجام بدنيا لا تطلب مني الا أن أكون كاذبا..ولولا مشيئة الناصر الذي أولدني مرتاحا وأبقاني مرتاحا لكانت دنياي كسبيل مكفوف دون عصا يبعد خطوات عن داره الجديدة,لأن دائما هنالك ما يجذبني الى النظر في الاعماق فأترك محلي على سطح البحر ليعومه أشخاص تافهون ولكنهم بحق يتقنون العوم والكذب وكم أغارمن تفاهتهم النافعة..
|