عرض مشاركة واحدة
قديم 22/02/2009   #14
صبيّة و ست الصبايا boozy
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ boozy
boozy is offline
 
نورنا ب:
Mar 2008
المطرح:
العراق الحبيب
مشاركات:
1,410

افتراضي صناعة الطرائف عند الدكتور علي الوردي


دراسة في طبيعة المجتمع العراقي "انموذجاً" .. صناعة الطرائف عند الدكتور علي الوردي


نبيل العطية
جريدة المدى / مجتمع مدني
Wednesday, May 28 / 2008



عُرف باحثاً جاداً وعالماً مثابراً، ووصف انه "ابن خلدون العراق" ولم تكن مسيرته محفوفة بالرياحين ، بل كان الطريق نحو المجد العلمي جبلاً يثقل صدره، بيد انه لم يستسلم ، واخيراً انتصر في معركة الحياة الثقافية، فكانت كتبه إضاءة لمجتمع، وتنويراً متواصلاً في زمن انطفاء النور وشيوع الظلام.
لقد اثمرت سياحته الفكرية في علم الاجتماع الفسيح ، فرضيات ترقى الى مستوى التنظير، فكانت (ازدواجية) الشخصية و(البداوة والحضارة) و(التناشز الاجتماعي) انطلاقات مهمة في عالم البحث، والتأسيس لمنظورات اجتماعية.
عصامية الدكتور علي الوردي الجادة، وانكبابه على التأليف منذ كتابه الاول "شخصية الفرد العراقي" الصادر سنة 1951 حتى كتابة "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث"، بأجزائه الثمانية بين سنتي 1969 ـ 1980 دليل ساطع على مستوى هذه الجدية وتوهج الروح التأليفية فيه، بيد ان هذه النزعة الجادة لم تكن تخفي روح الطرافة السارية في مؤلفاته ، لذلك لانعدم ان نجد في تضاعيف فصوله مجموعة من الطرائف التي تُضفي على اسلوبه جمالاً أخاذاً وتخلق حالة من التفاعل بينه وبين قرائه.

الطرفة عند الوردي ذات هدف يسعى الى تحقيقه عبر ما يعالج من موضوعات ، وهي ليست حشوداً وانما هي جزء من البنية الاساس للنص، وربما فيها دليل عملي على صحة منظوره الاجتماعي ، وقد يعلق ببضعة سطور بعد إتمامها بإسلوب شائق واذ ذلك تبدو الطرفة طرفتين في آن واحد!
من مجموعة كتبه ـ المثيرة للجدل ، اخترت كتابه "دراسة في طبيعة المجتمع العراقي" المعاد طبعه سنة 2005 بصفته انموذجاً واحداً يعبر عما ينطوي عليه هذا الباحث الأصيل من ميل الى الظرف والدُّعابة وماتشتمل عليه كتبه من افانين الظُرف واللطائف على الرغم من قسوة الايام، وجور السلطة، وتكالب سيل الممنوعات عليه.

أنواع الطرائف

استطيع ان اقسم طرائف الدكتور علي الوردي على الانواع الآتية:

اولاً:

1ـ طرفة المشاركة: والمقصود بها تلك التي يكون هو نفسه جزءاً من مشهدها الطريف.

العصبية الجندية

مثال ذلك ما نص عليه ص 177: "حدث لي في عام 1939 ان كنت مسافراً مع زملاء لي من الطلاب الى بابل، وفي القطار تشاجر احد زملائي مع احد الجنود وصفعه على وجهه.
وشاء سوء الحظ ان يكون القطار مملوءاً بالجنود، فانتشر بينهم الخبر، وتجمعوا يريدون الأخذ بثأر زميلهم منا، بلا تفريق ، كان كل جندي يحاول البحث عن أي طالب ليعتدي عليه، ولكن القدر ساعدنا في اللحظة الاخيرة فنجونا بجلودنا ، واطلقنا سيقاننا للريح لا نلوي على شيء..
كان الجنود من قبائل مختلفة، ولكن "العصبية الجندية" هي التي سادت بينهم في تلك الساعة، فأصبحوا كأنهم قبيلة واحدة تجاه قبيلة اخرى معادية لهم هي قبيلتنا نحن الطلاب المساكين!


طعام وحسرة


2 ـ وماذكره ص269 "عندما كنت في الولايات المتحدة لاحظت ان الناس هنالك يفعلون عكس ما نفعله نحن تجاه الهدية ، فالفرد منهم اذا اهديت اليه هدية، مهما كانت تافهة ، وجب عليه ان يبدي فرحه بها ويذكر مبلغ اهميتها له انه يقول ذلك من باب المجاملة ، وربما رمى الهدية بعدئذ في سلة المهملات.
وهو عندما يدعى الى طعام لايتوقع من صاحب الدعوة ان يلح عليه في تناوله، حدث لي ذات مرة، في بداية عهدي بالحياة الامريكية، أني زرت بيتاً وكان صاحب البيت يتناول عشاءه فدعاني الى مشاركته في الطعام.
والواقع انني كنت انذاك راغباً بالطعام ، ولكنني كنت اتوقع من صاحب البيت إلحاحاً وإصراراً حسبما اعتدت عليه في العراق ، فأخذت اتمنع وأتعزز من غير جدوى ولم احصل منه، إلاّ على السكوت، وقد فاتني من جراء ذلك طعام لذيذ"!


باءَ السكران بالخسران

3ـ ومن هذا الضرب ما ورد ص333/ الحاشية: "حدث لي ذات مرة انني كنت جالساً في احد المراقص بجانب رجل سكران فأرسل الرجل هدية الى راقصة ، وظنت الراقصة انني انا الذي ارسلت الهدية، فمنحتني بعض بسماتها ،وباء السكران بالخسران"!

ثانياً:الطرفة المروّية

وفّر الاختلاط بطبقات المجتمع العراقي كافة فرصاً وفيرة للوردي لكي يتزود بالكثير من الطرف المنقولة شفاهاً عن الناس من ذلك ما جاء ص267:

الوير

"من الطرائف التي تروى ان المرحوم ضاري شيخ زوبع كان جالساً ذات يوم في احد مقاهي الكاظمية وسمع الجالسين يصيحون (وير) مرة بعد مرة كلما جاء الى المقهى احد اصدقائهم ، ولم يكن الشيخ يعهد ذلك من قبل لقلة ارتياده المقاهي، فسأل عن معنى (الوير) فلما عرف المقصود منه هتف يخاطب ساقي المقهى: "انا اخو فاطمة ورور على الحاضرين كلهم "وقد دفع فعلاً حساب الجميع.

قال العاني

ومما نص عليه ص 189: "تروى في العراق نكتة تشير الى العداء المستحكم بين اهل "راوة وعنة" ، وخلاصتها ان رجلاً من اهل عنة، كان يقرأ كتاباً قديماً وكان يعثر فيه بين كل حين وآخر على عبارة (قال الرواي) فغضب الرجل من ذلك وأسرع الى القلم ليشطب به اسم (الراوي) ويضع مكانه اسم (العاني) فصار الكتاب مملوءاً بعبارة (قال العاني)".


بطة!

ومن ذلك قوله ص 217: "حدث مرة ان قال احد الحضر في مجلس بدوي انه يستحم في السنة مرة أو مرتين، فدهش الحاضرون من ذلك وقالوا له: "هل انت بطة"؟!

حُزمة شوك

ومن هذا النوع ما أورده ص 354 في سياق حدة الوعي عند العراقيين: "يروى عن رجل انه اثناء الحرب العالمية الاولى غضب من ولده حين رآه مولعاً بأخبار المعارك التي كانت تجري يومذاك في اوروبا، فقد جاءه ذات مرة وهو فرح يهتف قائلاً: "سقطت وارشو"؟ ، فاراد الاب ان يلقنه درساً فأخذ بيده وجاء به الى بائعة شوك في السوق حيث قال لها: "هل تبيعين حزمة الشوك بخبر سقوط وارشو" فلم ترض المرأة بذلك طبعاً، عند ذاك قال الاب لابنه وهو يعظه: "انظر قيمة الخبر الذي جئت به، فهو لايساوي حزمة شوك"!

الاعتزاز بالشوارب

ومن هذا اللون ما جاء على الصفحة 282 :" هناك قصة طريفة تروى عن احد الرجال المعتزين بشواربهم، وهي انه اراد شراء بضاعة من السوق ثم تحسس في جيوبه فلم يجد فيها مايكفي لدفع ثمنها ، فانتزع شعرة من شاربه وقدّمها لصاحب الدكان ضماناً له، وقبلها منه صاحب الدكان من غير تردد واعطاه البضاعة بكل سرور، اذ هو كان واثقاً بأن الرجل سيدفع دينه ويسترجع الشعرة على كل حال. وقد كان هناك بالقرب من الدكان رجل آخر يشهد الحادثة فأراد استغلال شواربه ، كما فعل الرجل الاول، فانتزع منها بضع شعرات وقدّمها لصاحب الدكان، ولكن صاحب الدكان رفض قبولها، لأنه كان خبيراً بأقدار الرجال ويستطيع ان يميز الشوارب (الاصلية) عن غيرها".

ثالثاً:الطّرفة المقتبسة:


1ـ لم يكتف الوردي بنمطي الطرفة المار ذكرهما، بل كان "يقتبس" من غيره ما ورد في المراجع التي اعتمد عليها، بما يتوافق مع طروحاته ، واستنتاجاته.


غزو الضعفاء


من ذلك مانقل عن كتاب (البادية) لمؤلفه عبد الجبار الراوي ص63 عن فرحان باشا" وهو الجد الأعلى لقبيلة شمر المعروفة الآن في العراق، انه نزل ذات يوم في قرية المشاهدة الواقعة في شمال بغداد، فرأى رجالها ضخام الاجسام، فسألهم: هل تغزون؟ فأجابوه: انهم لايستطيعون الغزو، ولم يتخذوه صنعة لهم.فقال لهم: "اغزوا من هُّم أطكع منكم".. وكان قصده انهم اذا كانوا ضعفاء لايقدرون على الغزو فليغزوا من هو اضعف منهم.


تجويز الرشوة


ومنه ما اقتبسه الوردي عن السيد محسن الأمين في كتابه (اعيان الشيعة) المنشور ص134 : انه ، في عام 1319 هـ الموافق لعام 1901 "سافر من العراق الى الشام فمَر في طريقه بمدينة الرمادي، وهنالك اخذ مأمور النفوس يعترض طريقهم ولم يتركهم ، الا بعد ان دفعوا له الرشوة ، ثم جاء اليهم المأمور يعتذر اليهم قائلاً: "لاتؤاخذوني، فإن دولتنا ترسل المأمور وتقول له ارتش واخذ اموال الناس وافعل ما تشاء ، ومعاشي في الشهر خمسة مجيديات، فهل تكفيني ثمن التتن ، فإن لم اتعلق بكم وبسواكم ما اصنع؟! "قالوا له: لا نؤاخذك"!
ويقول السيد محسن انه اثناء تجواله ببغداد مرَّ بالبنك "الشاهنشاهي" البريطاني فرأى على بابه قطعة كتب عليها اسم البنك وامامها اثنان من الهنود ولما مرَّ بالبنك في وقت آخر لم يجد القطعة، وتبين له انهم كانوا يضعون القطعة نهاراً ثم يرفعونها ليلاً لكي لايسرقها اللصوص"!

قصة جمال باشا


ومن ذلك ماسماه (نكتة ختامية) وردت ص 140 وقد اختتم بها مادة الفصل الخامس "العراق في العهد العثماني" مقتبساً نصه من كتاب "العراق بين احتلالين" للمرحوم عباس العزاوي ."بعد ان انتقل ناظم باشا من بغداد عينت الدولة جمال باشا والياً مكانه" وكان هذا الوالي الجديد يشبه سلفه بثقافته الحديثة وهمته الاصلاحية الى حد غير قليل، ولكن الناس ابغضوه ، لأنه كان يخالط الجالية الاوروبية في بغداد ويشترك معهم في حفلاتهم الراقصة: فقد كان يسكن في قصر على دجلة قرب الباب الشرقي وهو القصر الذي كانت فيه وزارة الشؤون الاجتماعية منذ عهد قريب، وكان يسكن بجواره مدير البنك العثماني وهو رجل انكليزي، فكان جمال باشا يرقص مع زوجة هذا الرجل احياناً، وصار من جراء ذلك موضع الذم والتقبيح في نظر الأهالي ، قال عنه احد كتاب ذلك الوقت مانصه: "اشتهر بالمخازي ، ورقص الدانص مع مدامة مدير البنك العثماني". وخلاصة القول: ان الحياة الفكرية الصارمة التي عاشها الوردي ، لم تكن تمنعه من البحث عن نوافذ لإطراف نصه، وتهيئة مستزمات تشويق القارئ وتقوية الادلة الى (المرامي) التي سعى الى تحقيقها عبر مباحثه الاجتماعية والنفسية الرصينة، فكانت طرائفه بحق ضرباً من الترويح عن النفس، والتثقيف لها في آن واحد!
__________________

لستُ بجسدٍ تسكنه روح.
بل
ثلاثة أرواحٍ
و عقولٍ
و قلوب
جزئها المرئيُّ الصغيرُ
جسدْ.
http://evandarraji.blogspot.com/
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05127 seconds with 11 queries