عرض مشاركة واحدة
قديم 15/05/2009   #1
شب و شيخ الشباب yass
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ yass
yass is offline
 
نورنا ب:
Jul 2004
المطرح:
الآن... هنا
مشاركات:
9,461

افتراضي رأي حول زيارة بابا الفاتيكان


تشارف زيارة الحبر الأعظم بندكتوس السادس عشر, رأس الكنيسة المسيحية الكاثوليكية الرومانية الرسولية (بابا الفاتيكان, اختصاراً) على الانتهاء بعد شمولها, بأيامها الخمسة, الأردن و الضفة الغربية و الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1984, و تخلل الزيارة لقاءات مع مسئولين سياسيين و شخصيات دينية من مختلف الطوائف و الأديان.

لأسباب و دوافع مختلفة يبدو أن هذه الزيارة, بدرجات متفاوتة, لم تُرض أحداً, فبما يخص الجانب الإسلامي كان الغضب و الانتقاد سائداً في ردود الأفعال على هذه الزيارة حتى قبل أن تبدأ, فالاستياء من تصريحات سابقة للبابا ضمن محاضرة ألقاها في جامعة ألمانية تم اعتبارها مسيئة للإسلام جعلت الموقف منه يتّسم بالحساسية المفرطة أحياناً, و لكن رغم ذلك فإنها لم تصل إلى مصاف العدوانية التي قوبل بها البابا في الكيان الصهيوني لأسباب سنتطرّق لها في مكان آخر ضمن هذه المقالة.

منذ انتصاف عصر النهضة و ما بعده بدأت السلطة السياسية للكرسي الرسولي بالانكماش, إلا أنها لم تنته تماماً و تحوّلت إلى شكل آخر, فرغم أنه لم يعد بابا الفاتيكان يمتلك سلطة سياسية مباشرة إلا أن مكانته لا تقتصر فقط على الجانب الروحي للطائفة, فما زال الفاتيكان يتمتّع بنفوذ سياسي لا مباشر و كبير في العالم بشكل عام و في أوربا الكاثوليكية خصوصاً, و لا يمكن عزل أو تجاهل القوة السياسية و الاقتصادية للكرسي الرسولي, و هذا الأمر يجعل البابا, بشكل أو بآخر, شخصية سياسية هامة عدا عن المكانة الروحانية الكبيرة, و يدير الفاتيكان مكانته السياسية بطريقته الخاصة, فلا يستخدم اللغة المباشرة و الطرق السياسية المعتادة و إنما يعتمد على التلميح أو إيصال رسائل غير مباشرة عن طريق الزيارات أو غيرها, و هذه الطريقة الخاصة في الممارسة السياسية تجد من يراها إيجابية و أيضاً من ينتقدها, ففي حين يرى معجبوها أنها أسلوب جيّد و يفيد في عدم إدخال المكانة الدينية للفاتيكان في الصراع السياسي المباشر دون الخروج عن السياسة بشكل كامل يرى منتقدوها أنها شكلٌ من أشكال البراغماتية غير اللائقة بمؤسسة دينية كالفاتيكان, و أياً يكن الموقف من الأسلوب فإنه يجب التسليم بأنه لا يمكن قراءة موقف الفاتيكان السياسي تجاه قضيةٍ ما بالطرق السياسية المعتادة, كما لا يمكن انتظار مواقف واضحة و مباشرة (بالمعنى السياسي) و بنفس الوقت فإن غياب هذه المواقف المباشرة لا يعني تجاهلاً من قبل ممثل الكرسي الرسولي.

لا شك أن مسير البابا في الشرق الأوسط و قضاياه يشبه التجوّل في حقل ألغام لأسباب كثيرة و معقّدة, و أحد هذه الأسباب هو الخلاف العقائدي الكبير مع الطوائف المسيحية الشرقية غير الكاثوليكية, و هو خلافٌ يبدو أنه قد عاد إلى الصدام نوعاً ما بعد الهدوء الذي ساد خلال خلال فترة الراحل يوحنا بولس الثاني, الذي نجح إلى حدّ كبير في إقامة علاقات طيبة و مميّزة مع سوريا و لبنان و الأردن, إلا أن مشكلة الفاتيكان الكبرى في المنطقة تكمن في العلاقة مع إسرائيل المتوترة و الجافة تاريخياً, أسباب هذا التوتّر تبدو عقائدية من حيث اتهام إسرائيل للفاتيكان بالبراغماتية تجاه المحرقة النازية و معاداة الساميّة, الأمر الذي حاول الفاتيكان تجنّبه منذ عقود عندما برأ اليهود من دم المسيح (عليه السلام), إلا أن الخلاف الأكبر هو اقتصادي و سياسي و يتعلّق بصلاحيات الفاتيكان في الأبنية و الأماكن المقدّسة المسيحية داخل الأراضي المحتلة, ففي حين يبحث الكرسي الرسولي عن صلاحيات مميّزة بما يخص الكنائس و أماكن الحج أسوةً بالمتعارف عليه في أغلب دول العالم (و منها دول بلاد الشام) ترفض إسرائيل منح هذه الصلاحيات و تصر على معاملة الأبنية و أماكن الحج كمرافق سياحية ضمن قطّاع السياحة الدينية و تدفع الضرائب كغيرها من المرافق السياحية, و تتعامل إسرائيل مع هذه القضية الشائكة بالمماطلة و التسويف كعادتها مع كلّ القضايا, و بعد أن نجحت في التملّص من الاتفاق مع البابا السابق تحاول الآن أن تؤجج خلافاً مع البابا الحالي حول قضايا أخرى مختلفة بقصد الوصول بالعلاقة معه إلى طريق مسدود كي تجد لنفسها عذراً لرفضها التفاوض حول قضية الأماكن المقدّسة المسيحية طيلة فترة وجود البابا الحالي على رأس الكنيسة الكاثوليكية, و لهذا فقد حاولت إسرائيل بكل الوسائل المتاحة أن تستفز الباب و أن تصطنع معركة معه, إن كان عن طريق اتهامه بمعاداة الساميّة و الانتساب إلى الشبيبة الهتلرية في شبابه أو عن طريق إحراجه بدعوته للدخول في إحدى قاعات متحف الهولوكوست التي توجد فيها صورة للبابا الراحل بيوس الثاني عشر بجانب صور مجرمي النازية, و هي القاعة التي رفض دخولها و تم استخدام هذا الرفض بشكل دنيء جداً, أو عن طريق رفض إعطاء التسهيلات لمحطات كثيرة كان مستشارو البابا قد خططوا لها ضمن الزيارة, و تجنّب هذه الاستفزازات أغضب الكثير من المراقبين العرب الذين رأوا فيه تملّقاً أو محاباة للصهاينة, و لا أدري سبباً لهذا الغضب, ليس دفاعاً عن البابا و إنما استغراباً من أن ينتظر أحدٌ من البابا ما لم يفعله الحكام العرب.

رغم كل الانتقادات التي تلقاها البابا من الجانب العربي إلا أنني أرى في زيارته الكثير من النقاط الإيجابية الهامة في زيارته, و أعتقد أننا لا نستطيع أن ننتظر نتائج أفضل من التي حصلنا عليها, و لخّصت الأمور الإيجابية في عدّة نقاط أساسية:

الأولى (و الأهم): زيارة البابا للمسجد الأقصى رغم محاولة الصهاينة عرقلة هذه الزيارة, فدخول بابا الفاتيكان المسجد الأقصى دون مرافقة صهيونية رسمية و برفقة مفتي القدس هو اعتراف كاثوليكي رسمي بمكانة المسجد الأقصى و قدسيته للمسلمين, على عكس المرجعية اليهودية و بعض الطوائف المسيحية التي ترى أن أرض المسجد تتبع لما يسمّى بالهيكل و يه بالتالي أرض يهودية مقدّسة لا حقّ للمسلمين فيها.

الثانية: الإشارة بشكل متكرر ضمن خطابه للفلسطينيين إلى دعمه قيام دولة فلسطينية مستقلة و ذات سيادة بما يتوافق مع القانون الدولي و الشرعية الدولية, و هذه الإشارة المتكررة و الواضحة إلى القانون و الشرعية الدولية تعني دعماً للمطلب العربي بتنفيذ القرارات الدولية التي تنص بشكل واضح على الانسحاب غير المشروط من جميع الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية و عودة اللاجئين إلى أراضيهم, على عكس الموقف الإسرائيلي و الأمريكي الذي يتجاهل الشرعية الدولية و يصر على أن طاولة المفاوضات هي الفيصل دون الأخذ بقرارات دولية مسبقة.

الثالثة: الحديث عن حق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أراضيه عندما قال أنه يتضامن "مع جميع الفلسطينيين الذين لا مأوى لهم و الذين يتوقون إلى التمكّن من العودة إلى مسقط رأسهم أو أن يعيشوا بشكل دائم في وطن خاص بهم".

الرابعة: انتقاد مؤامرة إسرائيل "لفصل المسيحيين و المسلمين عن مقدساتهم التاريخية في الأراضي المقدّسة و تحويلها إلى مجرد أماكن سياحية خالية من أهلها".

الخامسة: لم يتحدّث عن "الإرهاب" و لم يتطرّق لحق إسرائيل المزعوم بالدفاع عن النفس, و رغم أن هذه النقطة جاءت ضمن كلام يمكن وصفه بـ" العموميات" مثل وجوب البحث عن صفاء القلوب و نبذ العنف من الطرفين و محاولة التعايش السلمي, إلا أن القراءة الدقيقة له تعني عدم الأخذ بالنظرية القائلة أن إسرائيل تدافع عن نفسها ضد الاستفزاز و الإرهاب الفلسطيني, و هي النظرية التي يسوّقها الإسرائيليون و دول غربية كثيرة و الكثير من المرجعيات العربية "الاعتدالية".

السادسة: الانتقاد الصريح لسياسة التضييق الإسرائيلية في الضفة الغربية و دعوته لسقوط جدار الفصل العنصري.

لا شك أنني من ضمن الذين كانوا يتمنّون لو أنه زار غزّة و رأى, و عن طريقه رأى العالم, مدى همجية و وحشية العدو الصهيوني, لكنني لا أعتقد أننا نستطيع أن نطالبه عندما نرى أن محمود عباس لم يجرؤ على ذكر اسم غزّة في خطابه الترحيبي بالحبر الأعظم, و البابا ذكر غزّة مرات عديدة في خطاباته.

ليس قصدي أبداً من هذا الكلام الدفاع عن البابا, فأنا عادةً ناقدٌ للكثير من مواقفه, خصوصاً تلك المتعلّقة بالطب و البحث العلمي (مع الاحترام الكامل لمكانته الدينية بطبيعة الحال), و لكنني أعتقد أنه كان هناك شيء كثير من التجنّي عليه, و أنه تعرّض لانتقادات أكثر بكثير مما يستحق, كما أعتقد أنه كان يمكن التعامل مع هذه الزيارة بشكل مختلف, على الأقل إعلامياً, و كان من الجيد لو كان هناك تجاوب أكثر من المواقف الإيجابية لقداسته كأسلوب ممتاز للوصول إلى الرأي العام العالمي الواقع تحت تأثير التفوّق الإعلامي الصهيوني بسبب الدعم المالي و السياسي و أيضاً بسبب العجز الإعلامي العربي.

أعتقد أنه من المؤسف أن فرصةً كهذه لدعم القضية الفلسطينية إعلامياً قد تم اختصارها إلى عنوان "اعتذر أو لم يعتذر" و دون رغبة مني في الدخول في مناقشة وجوب الاعتذار أم لا إلا أنني أعتقد أن حالة اليأس و القنوط التي نعيش فيها و دوامة السوداوية اللانهائية التي ندور داخلها تجعلنا نرى أن كل العالم مذنب بحقنا, و أن الجميع يجب أن يعتذر لنا, و قد نكون محقين بأحقية الاعتذار لنا في كثيرٍ من المواقف و القضايا, و لكنني أرى أن أول اعتذار يجب أن يأتينا هو اعتذار ذاتنا لذاتنا, و هذا الاعتذار الذي أقصد لا أدري إن كان يستحق أن يُقبل.


و الحرّية لفلسطين...



Yass

أبو مـــــــــ1984ـــــــارال
خبز,, سلم,, حرّية

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


آخر تعديل yass يوم 15/05/2009 في 01:51.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05077 seconds with 11 queries