عرض مشاركة واحدة
قديم 02/02/2008   #5
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

Exclamation


في النشيد السادس نرى الأم تذهب للسؤال عن دوموزي عند مربيته التي تعهَّدتْه بالرعاية في صغره. وهي تتحدث عنه هنا كطفل قضى قبل الأوان، لا كشابٍّ في أوج نضجه. تخبرها المربيةُ بضياع الطفل، وترفع الاثنتان صيحات تفجُّع تُطاوِل عنان السماء والعالم الأسفل. أما في النشيد السابع فنجد الأم تعطي رواية جديدة عن كيفية اقتياد ابنها إلى العالم الأسفل؛ ولكننا نعلم أيضًا أن عودته قريبة لأنها تلبس أفضل ما عندها استعدادًا لاستقباله. في النشيد الثامن، يرتفع الإيقاع الشعري إلى ذروة عالية، مفعمة بالنشوة والجذل؛ بينما ترتفع الحناجر بنشيد مدائحي للربِّ الذي يوشك أن يصل، فتذكره بأسمائه الحسنى جميعًا:
نبيل، نبيل، إنه إله نبيل.
أوشوشو، ربُّ هذا البيت،
إنه لإله نبيل.
ننجشزيدا، ربُّ هذا البيت،
إنه لإله نبيل.
دامو، ربُّ هذا البيت،
إنه لإله نبيل.
عشتارنان، ربُّ هذا البيت،
إنه لإله نبيل.
إيجشوبا، ربُّ هذا البيت،
إنه لإله نبيل.
أمه أوراش، الأرض المحروثة،
إنه لربٌّ نبيل.
وأبوه أنكي، ثور إريدو الوحشي،
إنه لربٌّ نبيل.
نظرتُه مفعمة بالروع،
إنه لربٌّ نبيل.
وكلامُه مشبَعٌ حلاوة،
إنه لربٌّ نبيل.
جسمُه يسيل عذوبة،
إنه لربٌّ نبيل.
وفِعاله سبَّاقة مجلِّية،
إنه لربٌّ نبيل.
أيها النبيل، ألا أيها النبيل،
فلتسكنْ إلينا.
أوشوشو، ربَّ هذا البيت، النبيل،
فلتسكنْ إلينا.
ثم يتابع النصُّ ذكرَ أسماء دوموزي للمرة الثانية إثر البيت الأخير أعلاه، حيث يتم استبدال الشطرة "فلتسكنْ إلينا" بالشطرة "إنه لربٌّ نبيل"، وذلك حتى نهاية النشيد الثامن. أما النشيد التاسع فقصير، يبدأ بابتهال إلى ثور الإله الذي يجرُّ مركبته، تليه ترنيمةُ السائرين في موكب الإله العائد:
يا مَن نسير في رِكابه، وبه المسرَّة،
نسرع الخطى تحت النجوم في سلام.
أوشوشو، يا مَن نسير في ركابه وبه المسرَّة.
ننجشزيدا، الذي نسير في ركابه وبه المسرَّة.
دامو، الذي نسير في ركابه وبه المسرَّة.
عشتارنان، الذي نسير في ركابه وبه المسرَّة.
إيجشوبا، الذي نسير في ركابه وبه المسرَّة.
أورنمُّو الراعي، الذي نسير في ركابه وبه المسرَّة.
ثم يتابع النص، بعد ذكر أورنمُّو (وهو الملك الأول من سلالة أور الثالثة)، ذكرَ بقية الملوك الذين اعتُبِروا إبان حياتهم تجسيدًا حيًّا للإله تموز، إلى أن ينتهي بخاتمة تُعلي من شأن دوموزي كإله للخيرات من كلِّ الأنواع. ولكن معظم أسطرها مشوَّه، عدا سطرين:
يا ربَّ الطعام والشراب، الذي نسير في ركابه وبه المسرَّة.
يا ربَّ الطعام والشراب، الذي نسير في ركابه وبه المسرَّة.
النشيد الحادي عشر يشبه، في بنائه وتكراره، النشيد العاشر، ولكنه يقوم على اللازمة: "أيها الربُّ المبجَّل، من ترى يجاريك في الجلال والعظمة". أما الثاني عشر فهو تكرار للنشيد السابع. الثالث عشر والأخير مشوَّه السطور؛ ولكننا نستطيع إعادة بناء بعض سطوره على الشكل التالي:
عُدْ إلينا يا فتى <...> عُدْ يا فتى.
أوشوشو، عُدْ إلينا يا فتى، عُدْ يا فتى.
ننجشزيدا، عُدْ إلينا يا فتى، عُدْ يا فتى.
دامو، عُدْ إلينا يا فتى، عُدْ يا فتى.
عشتارنان، عُدْ إلينا يا فتى، عُدْ يا فتى.
عُدْ إلينا يا فتى، فتُستعاد المعابد، عُدْ يا فتى.
عُدْ إلينا يا فتى، فتُستعاد المدن، عُدْ يا فتى.
عُدْ إلينا يا فتى بطعام الحياة، عُدْ يا فتى.
عُدْ إلينا بماء الحياة، عُدْ يا فتى.
ثم يتابع النصُّ تعداد الخيرات التي تفيض مع عودة دوموزي؛ ولكن تشوُّه الرقيم يحول دون إعطاء صورة واضحة عن هذا الجزء الأخير من النشيد. ورغم أننا نجهل الكيفية التي كانت تؤدَّى بها هذه الطقوس التموزية في تفاصيلها، نظرًا لعدم العثور على تعليمات طقسية خاصة بها، إلا أنني أخمِّن، استنادًا إلى إيقاع النص الثالث عشر والأخير الذي يستخدم لازمة "عُدْ إلينا يا فتى، عُدْ يا فتى" بأن قرع الطبول والصنوج هنا يأخذ بالارتفاع، بينما ترتفع الحناجر بالدعاء، مستنهضةً الإله الذي قام من بين الموتى على الصعود عبر بوابات العالم السفلي السبعة. وعندما يصل اللحن الإيقاعي إلى ذروته يكون المحتفلون، الذين كابدوا كلَّ مراحل الطقس، مهيئين من الناحية النفسية والذهنية للإحساس بحضور الألوهة فيما بينهم – عندما يعلن كبير الكهنة، الذي يلعب دور قائد الكورس، بأن الإله قد بُعِثَ من عالم الأموات. وبعد لحظة صمت، يشعر كلُّ واحد فيها بإحساسٍ غامر بالتواصل مع الحضرة الإلهية التي صارت حقيقة تسري بين العباد، ينفجر الجميع بالهتافات والزغاريد، معبِّرين عن فرح غامر بعودة الإله؛ ثم يسيرون في موكب احتفالي يحمل الإله العائد من العالم الأسفل إلى حبيبته إنانا ليعقد عليها زواجَه من جديد. وبذلك تبدأ سنة طقسية جديدة.
إن ما يميِّز النصوص التموزية في بلاد الرافدين هو صيغتها الدرامية التي لا تخفي نفسها. فالأسطورة هنا لا تُروى بأسلوب القصِّ الميثولوجي، بل من خلال أناشيد وحواريات توضَع على لسان الشخصيات الرئيسية، وتتخلَّلُها مقاطع يؤديها كورس من المنشدين أو أكثر من كورس. كما نستطيع الافتراض في ثقة بأن المشاهد الرئيسية كانت تمثَّل بطريقة حية أمام المشاهدين الذين كانوا ينخرطون في الطقس من خلال مشاركتهم في الإنشاد أيضًا. كلُّ ذلك يضعنا أمام حالة جنينية للدراما التي تطورت في بلدان المشرق ضمن المؤسسة الدينية، ثم انسلخت تدريجيًا عن أصولها الدينية لتنجب التراجيديا الإغريقية في الحضارة اليونانية.
لقد نشأت التراجيديا عن تقاليد طقسية مشابهة للتقاليد التموزية، هي التقاليد الذيونيسية التي ولد منها المسرح الإغريقي. ففي الصيغة الدرامية المعروفة باسم الـ"ديثيرامب" dithyramb نجد قصةَ ميلاد الإله ذيونيسوس وحياتَه وموتَه الفاجع، تتلوها جوقةٌ من الكهنة في أعياد الربيع. ويبدو أن قائد الكورس قد أخذ بالاستقلال تدريجيًّا عن جماعته، مما أدى إلى تحويل الأداء الجمعي إلى حوار درامي بين قائد الكورس وجماعته، ثم إلى ظهور الأصوات المستقلة الأخرى ضمن الجماعة، وبالتالي إلى ولادة الدراما.
*** *** ***
[1]D. Wolkstein and S.N. Kramer, Inana, Harper, New York,1982, pp. 30-31 & S.N. Kramer, The Sacred Marriage Rite, Indiana University Press, 1969, pp. 68-69.

[2] S.N. Kramer, “Sumerian Sacred Marriage Texts,” in: J. Pritchard, ed., Ancient Near Eastern Texts, pp. 639-640.


[3] يشير النص هنا إلى وظيفة إنانا كإلهة لكوكب الزهرة المضيء.
[4] إشارة إلى سطوع كوكب الزهرة عقب غياب الشمس مباشرة.

[5] D. Wolkstein and S.N. Kramer, op. cit., pp. 35-36.


[6] بعد هذا السطر بقيةُ النص مليئة بالفجوات. ولكننا نعرف، من سياق نصوص أخرى مشابهة، أن مثل هذا اللقاء عند الباب يليه تبادلُ كلمات الغزل، حيث يُظهِر كلُّ طرف مدى رغبته وتوقه إلى وصال الآخر. من هنا يمكن إكمال المشهد السابق بالنصِّ القصير التالي الذي فُقِدَتْ بدايتُه.

[7] S.N. Kramer, The Sacred Marriage Rite, op. cit., pp. 97-98.

[8] Ibid., pp. 63-64.


[9] ناموس الملكية هو أحد النواميس المقدسة التي تحتفظ بها إلهة مدينة أوروك والتي جاءت بها من مدينة إيريدو، على ما سردتْه لنا أسطورة إنكي وإنانا التي أوردناها كاملة في بحث "الأسطورة والتاريخ" (معابر، الإصداران السابع والثامن، باب "أسطورة").

[10] Ibid., pp. 65.

[11] Ibid., pp. 82-83.

[12] Ibid., p. 101.


[13] من أجل هذا الشكل والشروح عليه أنظر: كتاب العلامة أنطون مورتكات، تموز، بترجمة د. توفيق سليمان، دمشق، 1985، ص 119-120، واللوحة 4.
[14]أنظر: المرجع السابق، ص 84.
[15] المرجع نفسه، اللوحات 10، 20، 21.
[16] سوف أتجاوز هنا النصَّ المعروف جيدًا الذي قدمتُه في مؤلَّفي مغامرة العقل الأولى وأعطيت عنه تحليلات مستفيضة في مؤلَّفي الثاني لغز عشتار، لألتفت إلى نصوص ذات طابع طقسي تخدم أهداف بحثنا هنا.
[17] جميع الأناشيد الطقسية التالية ترجمتُها عن جاكوبسن. أنظر كتابه:
Th. Jacobsen, The Treasures of Darkness, Yale University, 1976, pp. 47-72.
[18] أي الممسوح بالزيت؛ وكان طقس المسح بالزيت نوعًا من التكريس.

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.07572 seconds with 11 queries