الموضوع: أسبوع وكاتب ...
عرض مشاركة واحدة
قديم 05/10/2006   #80
صبيّة و ست الصبايا سرسورة
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ سرسورة
سرسورة is offline
 
نورنا ب:
Nov 2005
المطرح:
syria-homs-damascus
مشاركات:
2,252

افتراضي


مقدمة الكاتب لموانىء الشرق.....

التقيته، كما يبدو في الدفتر الذي أدوّن فيه ملاحظاتي، يوم أربعاء. وفي صباح اليوم التالي كنا ومنذ التاسعة صباحا في غرفته في الفندق، غرفة ضيقة لكنها عالية السقف، وعلى الجدران قماش بلون العشب رسمت عليه أزهار ربيعية مسطحة. رجل غريب قائم، دعاني للجلوس على الكنبة الوحيدة الموجودة لديه، مفضلاً السيد في الغرفة. عمّاذا تريدنا أن نتحدث في البداية؟ سألني. أعتقد انه من السهل أن نبدأ من البداية ولادتك... تجول بصمت لدقيقتين، ثم أجاب بسؤال آخر: هل أنت واثق بأن حياة الإنسان تبدأ بولادته؟ لم ينتظر إجابتي بل كان سؤاله أسلوباً خاصاً لبدء روايته تركت له الكلام واعداً نفسي بالتدخل أقل ما يمكن". هكذا، وفي لحظة، راودت أمين معلوف فكرة سرده لقصة حياة هذا الإنسان من البداية إلى النهاية. فمنذ أحاديثها الأولى كان الكاتب مفتوناً بتلك الطريقة التي كان يسرد فيها أوسيان هذه القصة، بعض الوقائع المثيرة بالنسبة له. كان لقاءهما بمحض الصدفة في باريس، في إحدى حافلات المترو في حزيران من عام 1976، لم يكن قد التقاه سابقاً، ولا سمع باسمه، بل هو رأى صورة له في أحد الكتب من سنين طويلة موجودة في أحد كتب التاريخ المدرسية، لكنها لم تكن صورة لشخصية مشهورة كتب الاسم تحتها، بل صورة لجمهرة من الناس تصطف على رصيف ميناء، وفي العمق باخرة تملأ الأفق، تاركة قطعة من السماء، وتحتها تعليق يقول بأن عدداً من رجال البلد القديم ذهبوا خلال الحرب العالمية الثانية لكي يقاتلوا في أوربا ضمن صفوف المقاومة، وبأنهم استقبلوا لدى عودتهم كالأبطال. وسط ذلك الحشد من الناس المصطفين على الرصيف، ظهر رأس شاب مندهش ذو شعر فاتح اللون، تقاسيم وجهه ناعمة وطفولية بعض الشيء يمد عنقه جانباً، كما لو أنه تلقى للتو ذلك الإكليل الذي يزينه ولكم من الساعات أمضى الكاتب في تأمل تلك الصورة. وحفظ كل تفاصيلها. ما الذي جذبه إليها؟ انه ذاك السحر في المغامرة واليها... السفر بحراً والتفاني اللامحدود والنهر. أما الآن فالصورة أمام الكاتب تنطق حية في باريس، يقف في المترو متمسكاً بعمود معدني، مجهول الهوية ومحاطاً بحشد من المجهولين. لكن كانت لديه تلك النظرة المندهشة، وتلك القسمات الناعمة لطفل كبير، وذلك الرأس ذو الشعر الفاتح الذي صار اليوم أبيض، وربما كان سابقاً أشقر. وما زال عنقه يشرئب جانباً فكيف لا يعرضه... وتم اللقاء، كان محدثه، صاحب الصورة، تبحث بتمهل عذب، كما لو كان عليه أن ينفض الغبار عن كلمة قبل نطقها لكن جملة كانت دائماً صحيحة ومعمقة، ومن إسقاطات أو تناقضات أو استخدام تعابير عامية. وفي بعض الأحيان كانت بالية وقديمة، كما لو انه كان يتحدث غالباً إلى الكتب أكثر مما يتحدث إلى نظرائه. وهكذا قفزت إلى ذهن الكاتب فكرة سرد قصة حياة هذا الإنسان المسكون بالخوف في أن يجد نفسه وجهاً لوجه مع نفسه، ولكن الكاتب أخرجه من محنته من خلال لقائه معه، فكان ذلك تحول بالنسبة له مما جعله أكثر فعالية فقد احتكره طيلة أيام، يهزّه بأسئلته، يزعزعه بمواجهة، ويستفزه باتهاماته... ليجبره بذلك كله على استعادة حياته السابقة ساعة بعد ساعة، بدلاً من أن يفكر بالمستقبل... ومضى يشق السنين رجوعاً ليحضر في ذاك الزمن الماضي، فيستعيد بتلك العودة نشوة بطولة أصابت السنين لمعانها وتوهجها فخبت على استحياء. أكان يكذب هذا الإنسان في قصته؟ الكاتب يجهل ذلك، إلا أنه على يقين بأنه لم يكذب فيما رواه عن المرأة التي أحب، لم يكذب فيما رواه عن لقاءاتهما وجنونهما ومعتقداتهما وخيباتهما، وعنده الدليل على ذلك. وأما فيما يخص دوافعه الخاصة بكل مرحلة من مراحل حياته، وما رواه عن أسرته الغريبة، وذلك المد والجزر الغربيين في عقله، أي ذاك النوسان المستمر من الجنون إلى الحكمة، ومن الحكمة إلى الجنون، فربما لم يقل أوسيان للكاتب كل شيء، ومع ذلك فالكاتب يعتقد ان أوسيان كان صافي السريرة، كان بلا شك، مضطرب الذاكرة والمحاكمة العقلية لكنه كان دائماً حسن النية. الناشر: "سلالم الشرق" اسم أطلق على عدد من المدن التجارية التي كان يصل عبرها مسافرو أوروبا إلى الشرق.97732 من القسطنطينية إلى الإسكندرية مروراً بإزمير وأضنة أو بيروت. كانت تلك المدن ولفترة طويلة من الزمن أماكن امتزاج حيث كانت تختلط اللغات والعادات والتقاليد، أكوان عابرة صنعها التاريخ بهدوء ثم هدمها، مدمراً أثناء ذلك العديد من الحيوات. بطل هذه الرواية، أوسيان، هو أحد أولئك الرجال ذوي الأقدار المتعرجة. من احتضار الإمبراطورية العثمانية إلى الحربين العالميتين، وصولاً إلى المأساة التي ما تزال حتى اليوم تمزق الشرق الأدنى. لا تزن حياته أكثر من القليل من القش ضمن زوبعة. يستذكر وبصبر راوياً قصة طفولته الأميرية، وجدته المختلة عقلياً، ووالده الثوري، وأخيه الساقط، وإقامته في فرنسا تحت الاحتلال، ثم لقائه مع حبيبته اليهودية كلارا، متحدثاً عن لحظاتهم الحميمية والبطولية والعالمة، ثم سقوطه في الجحيم. لقد أُبعد عن مستقبله وحُرم من حقوقه وأفراحه الأكثر بساطة، فماذا تبقى له؟ حب الانتظار، حب هادئ لكنه قوي، ولعله كان في النهاية أكثر قوة من الرواية ذاتها
الصور المرفقة
نوع الملف : jpg 50755.jpg‏ (29.4 كيلو بايت, 0 قراءة)

ان الحياة كلها وقفة عز فقط.......

شآم ما المجد....أنت المجد لم يغب...
jesus loves me...

آخر تعديل butterfly يوم 28/11/2006 في 12:21.
 
 
Page generated in 0.03779 seconds with 12 queries