الموضوع: قصص لزينب صادق
عرض مشاركة واحدة
قديم 18/02/2006   #4
صبيّة و ست الصبايا سنفورة
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ سنفورة
سنفورة is offline
 
نورنا ب:
Jan 2006
المطرح:
هون بس مو هنيك
مشاركات:
1,180

افتراضي


مكافحة





خلفية حياتي ليست حالة خاصة, فكنت مثل آلاف الشباب الذين يتولون مسؤولية أسرهم في سن مبكرة , عندما يتوفى الأب فيتولى الابن الأكبر أو البنت الكبرى هذه المسؤولية. كنت البنت الكبرى لثلاث بنات وولد صغير , وأم لا تعمل . توليت مسئولية هذه الأسرة و أنا في عمر السادسة عشرة . أخذني خالي إلى صديق له صاحب مصنع صغير للأدوات المنزلية لأعمل أي شيء . المهم أن يعطيني عشرة جنيهات في الشهر مع معاش أبي الضئيل يمكننا أن نعيش ونتعلم , كانت الجنيهات العشر لها سحر كبير في ذلك الزمن ! كنت أعمل أي عمل يطلب مني حتى و إن كان عمل شاي أو قهوة . و كنت في المرحلة الثانوية في الدراسة .ولما وجد صاحب المصنع أنني متفوقة كان يسمح لي بالعمل بعد اليوم الدراسي إكراماً لصديقه .

أنا لا أتباهى بكفاحي و أقول فعلت , و عملت , و درست , و لم أعمل كتاباً مثل " هتلر " عن كفاحي ..! و كيف تحملت مسؤولية إعاشة أسرة و تعليم أخواتي و أخي , و لم أترك دراستي فالتحقت بمعهد تجاري بعد شهادة التوجيهية أو الثانوية , و لتفوقي استطعت تكملة تعليمي في كلية التجارة .. بمجرد التحاقي بالمعهد التجاري أسند إلي صاحب المصنع وظيفة إدارية و زاد مرتبي خمسة جنيهات !

تربيت في هذا المصنع و كبرت معه , استولت عليه الحكومة في أول رئاسة للثورة , و أعيد لأصحابه في ثاني رئاسة . لم أتركه , بل كن أعمل بجهد أكثر أثناء غياب أصحابه , كما لو كنت أقوم بالعمل نيابة عنهم حتى لا يخسر المصنع أو يغلق كما حدث لمصانع صغيرة كثيرة . حفظت جميلهم عليّ , لذلك قدروا جميلي عليهم عندما عادوا ,فقد كان صاحب المصنع قد ألحق بالعمل معه شركاء من أبنائه و من أزواج بناته , و لم يعش طويلاً بعد عودة المصنع لهم .

أنا لا أتباهى بكفاحي لكن الأوسمة كثيرة على صدري , فكلما أنهت أخت من أخواتي دراستها العالية أو المتوسطة أشعر بذلك الوسام على صدري . و كلما زوجت واحدة منهن أجد هذا الوسام على صدري , وتنبهت إلى عدم تدليل أخي الصغير كما تفعل معظم الأسر التي تدلل الولد الوحيد بين البنات فيفسد .

تزوجت في سن متأخرة بعد الثلاثين , و أنجبت ولداً واحداً في السنة الأولى للزواج . تزوجت عن إعجاب متبادل مع موظف في شركة حكومية . تقدم لي عن طريق الأقارب و عجلنا بالزواج بناء على طلب أمي التي كانت مريضة وتريد أن تطمئن عليّ . لم نفهم بعضنا تماماً , ولم يحتمل كل منا شخصية و طباع الآخر . استحالت الحياة بيننا فانفصلنا .وترك الولد معي و تزوج , كان شرط ترك الولد معي ألا ينفق عليه . لم أهتم فقد تعودت على ذلك ..!

كبر المصنع و أصبح شركة كبيرة , و كبرت معه و أصبحت مسئولة عن إدارة التسويق و الإعلان .. أعطيت عملي الكثير فأعطاني الأكثر .. سافرت إلى بلاد في أوروبا و أفريقيا و اليابان .. جلست مع وزراء و سفراء . انتقلت إلى حي سكني أفضل , و اشتركت في ناد رياضي معقول لاتيح لابني حياة اجتماعية و رياضية .

لم أتذمر من العمل طول عمري , و أعتقد أن سعادة الإنسان الحقيقية في أدائه لعمله مهما كان العمل بسيطاً , لذلك أتعجب من بعض بنات أخواتي و صديقاتي اللاتي يرفضن العمل و يردن الزواج من شبان يصرفن عليهن . يتخرجن من الجامعات , و بدلاً من تقديم أوراقهن لمكتب العمل أو كما يسمونه الآن القوى العاملة , يقدمن أوراقهن إلى مؤسسة الزواج , يعتبرن الزواج مثل الوظيفة المهم أن تكون ذات عائد مادي كبير . و إذا لم تعجبهن يبحثن عن وظيفة أخرى في مؤسسة الزواج , ليس لي أن أنتقدهن لأني " لخبطت " الأوراق في حياتي و اعتبرت الوظيفة أبدية و الزواج لبعض الوقت ! و العجيب أن أمهاتهن اللاتي كافحن و عملن يشجعهن على هذا . الحمد لله أنني أنجبت ولداً ,و تشبع بآرائي و تزوج من فتاة عاملة و شجعها على الاستمرار في العمل .. عندما وصلت إلى سن الستين وجدت أنني أعمل منذ أربع و أربعين سنة .

قررت أن أضع نقطة ,و أبدأ سطراً جديداً . حياة جديدة , أن أستريح . أقوم من نومي وقت ما أريد . أمضي يومي في لا شيء . أذهب إلى النادي. أسافر إلى أماكن في وطني لم أزرها , أسافر للخارج سياحة وليس عملاً , باختصار أريد أن أستمتع بالحياة . عندما أخبرت أصحاب الشركة برغبتي , ظنوا أنني لشدة حرصي على كرامتي فتحت لهم موضوع ترك العمل . قالوا إنني لا أعلم أنهم لا يخضعون لنظام خروج العامل أو الموظف إلى المعاش في هذه السن و إنني أعلم أنهم يحتفظون بالكفاءات ما دامت الكفاءة قادرة على العطاء , فلماذا أريد أن أتركهم ..!؟

قلت لهم أريد الاستمتاع بحياتي , قال كبيرهم أن آخذ إجازة ثلاثة أشهر أو أربعة طوال شهور الصيف و أعود . تحت إلحاحهم وافقت ظاهرياً ,و داخل نفسي كنت أريد أن أنفذ خطتي للاستمتاع بحياتي و بدأت إجازتي أول الصيف .

ليست أول مرة أسافر مع ابني و زوجته في إجازتهما في الصيفية إلى شقته في العجمي لكنها أول مرة ألاحظ أشياء كثيرة لا تعجبني في زوجته خصوصاً في طريقتها لتربية حفيدي . تدخلت فتأثرت زوجة ابني بشيء من الغضب , كنت أقضي معهما عدة أيام و أنا تفكيري منشغل بعملي حتى إني كنت أطلب مكتبي كل يوم . أما هذه المرة فقد كنت سأمضي معهما كل إجازتهما و لست منشغلة بسير العمل , فانشغلت بهما وكانت ملاحظاتي التي أغضبت زوجته ..! و ليست أول مرة نذهب في المساء إلى المقهى العائلي في المنطقة ,و ليست أول مرة أشاهد الجدات مع أبنائهن و أحفادهن , و لكنها أول مرة ألاحظهن , تخيلت منظري بعد سنتين أو ثلاث و أنا مثل هؤلاء الجدات , و قد أهملت مظهري و صحتي ,و مددت ساقي على مقعد أو انحنى ظهري من كثرة الجلوس بلا عمل حقيقي . هززت رأسي بالنفي , لا .. لن أكون مثلهن , لم أنم تلك الليلة و في الصباح الباكر حزمت حقيبة ملابسي , و تساءل ابني و زوجته إذا كانا قد أغضباني في شيء فلم أمض معهما سوى أربعة أيام ! قلت لهما إنني اتصلت بصديقة لي في النادي الرياضي و أخبرتني أنها كانت تبحث عني لأنها حجزت لي في رحلة مع النادي إلى شاطئ في البحر الأحمر بعد ثلاثة أيام ,و كانت صادقة إلا في مسألة أنها حجزت لي .. أنا التي سألتها أن تحجز لي ..!

ليست أول مرة أجتمع فيها مع شلة نساء من النادي , في مثل عمري أو أكبر قليلاً , لكنها أول مرة أقترب منهن كثيراً و لعدة أيام , و هم أرملتان لم تعملا من قبل , و مطلقة و ثلاث عاملات متزوجات خرجن الأربع قبلي على المعاش , كنت ألقاهن في النادي لعدة ساعات كل أسبوع أو اثنين و نتحدث في أمور مختلفة معظمها عن النادي . لأول مرة أستمع إلى شكواهن من الأبناء و البنات الذين انشغلوا بحياتهم عن أمهاتهم و الشكوى الصارخة من المعاشات التي أصبحت لا تكفي تكاليف الحياة .. تخيلت نفسي بعد سنتين أو ثلاث و أنا أشكو مثلهن . و إنني أسحب من رصيدي في البنك إلى أن ينتهي , و إنني أعيش عالة على ابني ! أو تتكدر ملامح وجهي مثل الأرملتين من كثرة نقدهما , و تبحث عيناي مثلهما عن القبح فلا تستطيعان الاستمتاع بأي مجال ! لا لن أكون مثل هؤلاء الندابات , و انضممت إلى مجموعة من البنات و الشبان في الرحلة والحمد لله تقبلوني في صحبتهم اليومين الباقيين . و انضمت لنا صديقتي المطلقة فهي المقربة ليمن هؤلاء النساء اللاتي قلن أنني و صديقتي متصابيتان تريدان اصطياد الشبان ..!

بعد تلك الرحلة مكثت في بيتي أعيد تنظيم "الدواليب " ألصق الصور الفوتوغرافية في " ألبومات " عندما كنت أنظر إلى هذه الصور كنت ابتسم بسرور مع تلك الذكريات , وجدت نفس الصور تثير الشجن لأيام لن تعو..! مضى شهران على إجازتي أو قراري بعدم العمل , و بدأت أشعر بملل من حياتي الخالية البطيئة , أخرج مع واحدة من أخوتي للشراء .. أذهب لزيارتهن أو يحضرن لزيارتي . كذلك أخي و ابني . أذهب إلى النادي , أسير بلا هدف , هل ستسير حياتي هكذا ..!؟ بدأت أشعر باكتئاب و آلام في بدني , لا أستطيع أن أتحرك بسهولة في الصباح . خفت , ذهبت إلى الطبيب , أشار بعمل فحص شامل .. عدت له بالتقارير , قال أنها أشياء بسيطة و الحمد لله , لكنها لا تؤثر هكذا على كل البدن , سألني : " هل انفصلت عن الزوج قريباً ..؟! قلت : إنني مطلقة من حوالي ثلاثين عاماً..!! سألني هل كان يوجد شيء معين أفعله أ, أقوم به قم امتنعت عنه ..؟! قلت له : كنت أعمل .. ذكرت له عملي و مركزي , ربما لاحظ الطبيب أنني حدثته عن عملي بحب وحنين و افتقاد كأني أحدثه عن حبيب غال يعددني بالهجر , فسألني .. هل استغنوا عني في العمل ؟! قلت : إنهم يريدون أن أستمر , قال بحزم .. عودي . عملك هو دواؤك ... و عدت .

حاولت أن أفكر في توقيع خاص لكنني !! وضعت يدي على فمي وكسّرت القلم !!
أأصنع توقيعاً من حبر في حين يصنع أطفال الأقصى والعراق تواقيع من دمائهم
فتوقفت عن وضع أي توقيع



ومنتسبة ب .................اخوية كروب
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04783 seconds with 11 queries