عرض مشاركة واحدة
قديم 25/09/2007   #3
post[field7] dot
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ dot
dot is offline
 
نورنا ب:
May 2006
مشاركات:
3,276

افتراضي


في هذه القصائد، بدلاً من الاحتراق والجنون بالحبّ الجديد، نرى الاحترام والحنان والاهتمام بالحبّ العميق الناضج، حبّ رجلٍ لزوجته المحبوبة بعد عشر سنوات. ونرى أعماق حبّ نزار لبلقيس على الأخص في القصيدة التي كتبها يوم وفاتها.
في قصيدة «بلقيس» نرى الملامح التي تميزها من قصائده الأخرى. أحيانا يتعرض نزار قباني إلى الاتهام بأنه يستعمل المرأة في قصائده كـ"رمز للجمال والجنس فقط وكجسد بلا إنسانية" 19. رغم أنني لا أتفق مع هذا الرأي بشكل عام، فإني أفهم كيف يصل بعض الناس إلى هذا النتيجة من سوء الفهم. ففي قصائد نزار، كل حبيباته مترجمات من الواقع إلى الصفحة في عملية قام بها نزار قباني: «... بعد دخولهنَّ مختبر الشِعْر، يَفْقَدنَ أسماءَهنَّ الأولى، وعناوينهنَّ المعروفة.. ولا يبقى منهنَّ في أُنبوبة الاختبار.. سوى مادّةٍ خضراء، ذاتِ إشعاعٍ غامضٍ، يُسمُّونها الشِعْر..»20 . وكذلك يمارس نزار شيئاً من التعميم في شعر الحب، كما صرح: «الحقيقة النسائيّة رغم تعدّدها واحدة. بمعنى أني حين أكتب عن امرأة معينة، فإنني أكتب في نفس الوقت عن كلّ نساء العالم»21. لهذا السبب، في عيون بعض الناس، فقدت النساء في قصائد نزار إنسانيتهن وشخصياتهن.
لكن من المستحيل أن يُطلق هذا الاتهام على قصيدة «بلقيس». إن القراء يشعرون بإنسانية بلقيس من بداية القصيدة إلى نهايتها. والفرق الأكثر وضوحاً الذي نلاحظه في هذه القصيدة هو الاسم بالذات. نادراً ما يوجد اسم الحبيبة في قصائد نزار قباني 22، ولكن اسم «بلقيس» يظهر في هذا القصيدة خمسين مرة، كما لو كان يصرخ بها صرخة يائسة :



بلقيسُ..
يا بلقيسُ..
يا بلقيسُ
كلُّ غمامةٍ تبكي عليكِ..
فَمَنْ تُرى يبكي عليَّا..
بلقيسُ.. كيف رَحَلْتِ صامتةً
ولم تَضَعي يديْكِ.. على يَدَيَّا ؟


بلقيسُ..
كيفَ تركتِنا في الريح..
نرجِفُ مثلَ أوراق الشَّجَرْ ؟
وتركتِنا - نحنُ الثلاثةَ - ضائعينَ
كريشةٍ تحتَ المَطَرْ..
أتُرَاكِ ما فَكَّرْتِ بي ؟
وأنا الذي يحتاجُ حبَّكِ.. مثلَ (زينبَ) أو (عُمَرْ) 23

نرى في هذه القصيدة أيضاً، وعلى العكس من معظم قصائد نزار، شخصية بلقيس بشكل واضح. لا يصف شعرها الذهبي وعيونها الخضر فحسب، بل كذلك يصف ولاعتها الزرقاء وسيجارتها الـ«كنت» والشاي العراقي المعطر الذي شربته كل اليوم وصوتها «العراقي الجميل». علاوةً على ذلك، أظهر نزار النقص العملاق في حياته بسبب غيابها. هذه الخسارة كبيرة إلى الدرجة التي يساوي فيها نزار موت بلقيس بموت شعره. يسمّي بلقيس «يا زوجتي وحبيبتي وقصيدتي وضياء عيني» ويقول ان قاتلي بلقيس «قتلوا الكلام»:


إنّي لأعرفُ جَيّداً..
أنَّ الذين تورَّطُوا في القَتْلِ، كانَ مُرَادُهُمْ
أنْ يقتُلُوا كَلِمَاتي !!!

أما هوية هؤلاء القاتلين فهي معروفة جيّدًا عند نزار: العرب بشكل عام (ولم يستثن نفسه) ومدينة بيروت بشكل خاص. بيروت- المدينة التي كتب نزار قصائد عنها كما لوكانت حبيبته- قتلت زوجته:


بيروتُ التي قَتَلَتْكِ.. لا تدري جريمتَها
وبيروتُ التي عَشقَتْكِ..
تجهلُ أنّها قَتَلَتْ عشيقتَها..
وأطفأتِ القَمَرْ..

قال نزار في مقابلة بعد سنوات من رحيله عن بيروت «لأشتاقَ إليها أكثر.. لأحبَّها أكثر.. لأستحضرَها كما يستحضر الصوفيُّ وجه الله». كلمات جميلة... لكنه كان يكذب. ترك بيروت لأنها قتلت حبيبته وبلغ استفظاعه للعالم العربي (وبيروت جزء منه) حداً انه انتقل إلى أوروبا بعد موت بلقيس ولم يعش بقية حياته في أي بلدٍ عربي.
كما نرى من هذا المثال، لم يكن نزار صادقاً في مقابلاته ولا بدّ أنه قال ما كان الجمهور يريد أن يسمع منه، إلى حدٍّ ما. وكثيراً ما تكلم بشكل عام وبصورة شعرية، دون الكشف عن تفاصيل حياته الخاصة، فمن الصعب أن نعرف معرفةً ثابتةً تفاصيل علاقته ببلقيس. بكل تأكيد، الحقيقة الوحيدة هي الشعر، وفي شعر نزار قباني نرى أن بلقيس كانت حبيبة عمره.



نامي بحفْظِ اللهِ.. أيَّتُها الجميلَةْ
فالشِّعْرُ بَعْدَكِ مُسْتَحِيلٌ..
والأُنُوثَةُ مُسْتَحِيلَةْ
سَتَظَلُّ أجيالٌ من الأطفالِ..
تسألُ عن ضفائركِ الطويلَةْ..
وتظلُّ أجيالٌ من العُشَّاقِ
تقرأُ عنكِ أيَّتُها المعلِّمَةُ الأصيلَةْ...
وسيعرفُ الأعرابُ يوماً..
أَنَّهُمْ قَتَلُوا الرسُولَةْ..
قَتَلُوا الرسُولَةْ..
ق.. ت.. ل..و.. ا
ال.. رّ.. س.. و.. ل.. ة

13-05-2007

مدونتــي :

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06530 seconds with 11 queries