الموضوع: عودة أسمهان
عرض مشاركة واحدة
قديم 27/10/2008   #13
شب و شيخ الشباب قرصان الأدرياتيك
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ قرصان الأدرياتيك
قرصان الأدرياتيك is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
مشاركات:
1,446

افتراضي


ميراث أسمهان

كثر الحديث عن أسمهان في الأسابيع الأخيرة، غير أن الكلام عن ميراثها بقي قليلا. نشأت آمال الأطرش في بيت يعشق الغناء والطرب، وبدأت مشوارها الفني مبكرا. في القاهرة، سجّلت مجموعة من الأغاني في السنوات الأولى من الثلاثينات، ثم انقطعت عن الغناء بعد زواجها من الأمير حسن الأطرش وانتقالها إلى السويداء في عام 1933. عادت إلى القاهرة بعد ثلاث سنوات وسجّلت فيها عددا من الأغاني. صعدت أسمهان سلّم الشهرة في السنوات الأخيرة من الثلاثينات، وقدّمت مع شقيقها فيلما حاز نجاحا كبيرا في مطلع عام 1941، لكنها انشغلت عن الفن من بعده لمدة ثلاث سنوات. في عام 1944، سجلت مجموعة أغاني فيلمها السينمائي الثاني، وقضت غرقا قبل أن تكمل تصوير المشاهد الأخيرة من هذا الفيلم.
في عام 1992، أصدر "نادي الأسطوانة العربية" في باريس، اسطوانة لأسمهان حملت احدى عشرة أغنية، هي الثالثة لها في سلسلة علمية مميّزة حملت عنوان "أرشيف الموسيقى العالمية". ضمت هذه الأسطوانة مجموعتين من الأغاني، الأولى شبه مجهولة تعود إلى فترة الثلاثينات، وثانيتها مجموعة أغاني فيلم "غرام وانتقام" التي سجّلت في عام 1944، وهي أكثر أغاني أسمهان انتشارا. للأسف، على خلاف التقليد المتبع في إصدارات " أرشيف الموسيقى العالمية"، صدرت هذه الأغاني من دون ذكر لأسماء ملحنيها ومؤلفي كلماتها، ومن دون أي إشارة الى تاريخ صدورها الأصلي، مع العلم بأن الاسطوانة تحوي كلمة تعريفية بأسمهان تحمل توقيع أحمد حشلف.
تتألف مجموعة الثلاثينات من ست أغان، كلها من إنتاج شركة كولومبيا في الأصل، وهي "أين الليالي"، "كلمة يا نور العيون"، "يا نار فؤادي"، "في يوم ما شوفك"، "كنت الأماني"، "عاهدني يا قلبي". تتفق المصادر في تحديد أسماء مؤلفيها وملحنيها، وتختلف في تحديد تسلسلها التاريخي. لحّن محمد القصبجي أربعا من هذه الأغاني، هي "أين الليالي اللواتي سببت سقمي"، "كلمة يا نور العون"، و"في يوم ما شوفِك راضية عني"، و"كنت الأماني". الأولى من كلمات إسماعيل أفندي صبري. أما الأغاني الأخرى، فكلها ليوسف بدروس، وهو شاعر مصري من أصول عراقية أو شامية، كان من أصدقاء عائلة أسمهان، رافق فريد الأطرش منذ بداياته، وقدّم له أكثر من ثلاثين أغنية. لحّن زكريا أحمد أغنية "عاهدني قلبي"، وهي من نظم محمود إسماعيل. أما "يا نار فؤادي"، فمن تلحين فريد غصن، وهو موسيقي لبناني، وُلد في المغترب، واستقرّ في مصر حيث لحّن الكثير من الألحان المنسية، ثم عاد إلى لبنان، وتوفي في الثمانينات. سجّلت هذه الأغاني بين عام 1930 وعام 1937، وتختلف المصادر في تأريخها بشكل دقيق، كما تختلف في تحديد أقدمها.
في تلك الفترة، غنّت أسمهان أغاني أخرى لا يعرفها إلا القلة، وهي "اسمع البلبل يغني لحنك العذب الجميل"، من تأليف يوسف بدروس وتلحين القصبجي، "يلي بحبك بنيت الأماني"، وهي كذلك من تلحين القصبجي، ومؤلفها غير معروف كما يبدو إلى اليوم. كذلك، سجّلت أسمهان في عام 1937 موالا بديعا، من التراث الشامي يُعرف بـ"جمالي محمّلة"، تقول كلماته: "أوف يابا أوف/ جمالي محملة واجراس بتعنّ/ وايام الي مضت عالبال بتعنّ/ وحملت بضاعتي ودرت انا بيعهن/ غريب وما حدا منّي اشترى/ أوف يابا أوف".


بأبي أنت وأمي

بين عام 1937 وعام 1940، سجّلت أسمهان مجموعة أخرى من الأغاني تختلف المصادر في تأريخ تسلسلها، منها ما ذاع واشتهر، ومنها ما ضاع أثره. غنّت أسمهان من تلحين شقيها فريد وكلمات يوسف بدروس "نويت أداري ألامي"، ويقال إن فريد غنّاها من قبلها. واستعادت من ألحان القصبجي قصيدة الشاعرة الجاهلية ليلى العفيفة "ليت للبراق عينا"، وكانت حياة محمد أول من غنّاها في فيلم "ليلى بنت الصحراء" في عام 1936. في تلك الفترة، لحّن القصبجي لأسمهان واحدة من أعظم أغانيها، وهي قصيدة الأخطل الصغير: "إسقنيها بأبي أنت وأمي/ لا لتجلو الهم عني، أنت همي/ املأ الكأس ابتساما وغراما/ فلقد نام الندامى والخزامى". يقال إن أصحاب "شركة بيضافون" عهدوا إلى عبد الوهاب بهذه القصيدة، ولمّا تلكأ في تسجيلها لعدم رضاه الكامل عن اللحن، انتقلت القصيدة إلى القصبجي الذي أبدع في تلحينها. من جهة أخرى، قدّم القصبجي أسمهان في لحن "تحديثي" بامتياز، وهو مونولوغ "يا طيور" من كلمات يوسف بدروس، وفيه زاوج بين الغناء الشرقي والأسلوب الغربي في الإلقاء النسائي لصوت السوبرانو. عرفت أسمهان شهرة واسعة مع أغنية "دخلت مرة في جنينة" التي نفدت نسخها الثلاثون ألفا من السوق، وهي من تأليف عبد العزيز سلام، وتلحين مدحت عاصم. واشتهرت كذلك بأغنية أخرى من إعداد مدحت عاصم، "يا حبيبي تعال الحقني"، وهي في الأصل لحن تركي قُدّم في فيلم "زوجة بالنيابة" الذي قامت ببطولته ماري كويني، من إخراج أحمد جلال. في عام 1939، سجّلت أسمهان من ألحان عبد الوهاب وكلمات بيرم التونسي "عيشة الفلاح"، كما شاركت عبد الوهاب الغناء في أوبريت "مجنون ليلى". قُدّم العملان في فيلم "يوم سعيد" عام 1940، غير أن أسمهان لم تظهر على الشاشة إلاّ صوتاً.
قدّمت أسمهان في تلك الحقبة من حياتها أعمالا أخرى ضاع أثرها. من هذه الأعمال المفقودة، ثلاثة ألحان لزكريا أحمد: "غير مجد في ملّتي" من شعر المعرّي، و"هديتك قلبي" من كلمات أحمد رامي، و"عذابي في هواك أرضاه" من كلمات أحمد رشدي، ولحنان للسنباطي: "قرطبة الغراء" من شعر ابن زيدون، و"الدنيا في إيدي" التي تُنسب طورا إلى يوسف بدروس، وتارة إلى محمد السعيد عبده. نشير هنا الى أن "عذابي في هواك" سُجّلت لاحقا بصوت برنتي حسن، ولـ"الدنيا في إيدي" تسجيلان، الأول بصوت أحلام، والثاني تسجيل حي لعصمت عبد العليم يعود إلى عام 1954، ومطلعها: "الدنيا في إيدي، والكل عبيدي، طول ما أنت معايا".


انتصار الشباب

في عام 1941، قدمت أسمهان مجموعة من الأغاني في فيلم "انتصار الشباب" الذي أخرجه أحمد بدرخان، وكل هذه الأغاني من ألحان شقيقها فريد. في هذا الفيلم، تلعب أسمهان دور مطربة تكافح مع أخيها المطرب والملحن في سبيل الفن. يضطر الأخوان للعمل في أحد الملاهي الليلية، لكنّ صاحب الملهى يسارع إلى طردهما بعد رفض المغنية مجاملة الزبائن. تقع أسمهان في حب شاب ثري، ويقع فريد كذلك في حب فتاة ثرية، وفي النهاية يتزوج الثري من أسمهان، وينجح فريد في تقديم الأوبريت التي حلم بإخراجها على المسرح. في هذا الشريط السينمائي، غنّت أسمهان من كلمات أحمد رامي "كان لي أمل"، "ياللي هواك شاغل بالي"، "الشمس غابت أنوارها"، "إيدي فإيدك" و"أوبريت انتصار الشباب"، ومن كلمات يوسف بدروس "يا ليالي البشر"، ومن محمد حلمي الحكيم "يا جمال الورد". خارج السينما، غنّت أسمهان من كلمات يوسف بدروس وألحان فريد واحدة من أشهر أغانيها، وهي "رجعت لك يا حبيبي".
في عام 1942، قدّمت أسمهان على ما يبدو عملا يتيما من شعر شوقي وألحان القصبجي: "هل تيّم البان فؤاد الحمام فناح فاستبكى جفون الغمام". تتجاوز مدة هذه الأغنية سبعا وعشرين دقيقة، ولعلّها أطول أغاني أسمهان قاطبة. صدرت منذ أعوام على اسطوانة بعنوان "أسمهان- أساطير القرن العشرين"، وفيها أغنية أخرى من الأغاني المنسية، وهي قصيدة "حديث عينين" التي نظمها محمد فتحي، تقارب مدتها مدة "هل تيّم البان"، ومطلعها: "يا لعينيك ويا لي من تسابيح خيالي/ فيهما ذكرى من الحب ومن سُهد الليالي". تعود هذه الأغنية إلى عام 1943، وفيه سجّلت أسمهان كذلك "عليك صلاة الله وسلامه"، وهي من كلمات بديع خيري وألحان فريد الأطرش.


أيها النائم

في عام 1944، غنّت أسمهان من تلحين القصبجي وكلمات علي شكري طقطوقة "فرّق ما بيننا ليه الزمان"، وسجّلت آخر الأغاني التي أدّتها في حياتها القصيرة في فيلمها الثاني "غرام وانتقام"، وهو من تأليف يوسف وهبي وإخراجه وتمثيله. تدور قصة الفيلم حول نجمة تسعى الى الانتقام ممن تظن أنه قتل حبيبها، غير أنها تقع في حبه، بعد أن تكتشف سفالة الرجل الذي وهبته قلبها من قبل. ضمّ الفيلم مجموعة بديعة من الأغاني، منها أربع من تأليف أحمد رامي، وهي "ليالي الأنس"، "أيها النائم"، "إمتى حتعرف"، و"نشيد الأسرة العلوية" الذي حُذف من الفيلم في عصر الثورة، وعاد الى الظهور في السنوات الأخيرة. لحّن فريد الأطرش الأغنية الأولى، ولحّن السنباطي "أيها النائم"، والنشيد الذي اشتهر باسم "بنت النيل". في المقابل، لحّن القصبجي "امتى حتعرف"، إضافة إلى "أنا اللي أستاهل" التي كتب كلماتها بيرم التونسي. كذلك، أدّت أسمهان من تلحين شقيقها موال "يا ديرتي" من كلمات علي الخياط، و"أهوى" من تأليف مأمون الشناوي. قضت أسمهان غرقا في النيل قبل أن تكمل تصوير مشاهد الفيلم الأخيرة، وكتب الأخطل الصغير في رثائها:
أضاع جبريل من قيثاره وتراً/ في ليلة ضل فيها نجمه الهادي
هل الغناء إذا جرحت آهته/ سوى تهلل أضواء وإيراد
كأنه موجة بيضاء ناعمة/ يمشي الشراع بها في بحره الهادي
تأوي الأغاريد منه حين ترسله/ إلي وريف ندي في الظل مداد.


محمود الزيباوي
الملحق الثقافي لجريدة "النهار"، العدد 867، الأحد 19 تشرين الأوّل 2008.

Mors ultima ratio
.
www.tuesillevir.blogspot.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06724 seconds with 11 queries