عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #52
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


»إمبراطورية في حالة إنكار«: المثال العراقي



التعريفات الكلاسيكية ل»الامبراطورية« تتقاطع. نكون أمام »امبراطورية« عندما تتولى سلطة واحدة ادارة شؤون محكومين متعددين (شعوباً ودولاً ومناطق...). ينطبق هذا التعريف الكلاسيكي على الولايات المتحدة في موقعها العالمي وفي صلتها بكل من افغانستان والعراق.
غير ان الولايات المتحدة، حسب نيال فيرغوسون، وهو مؤرخ بريطاني، هي »امبراطورية في حالة انكار«. اي انها (نخبة حاكمة وشعباً) ترفض »الواقع الامبراطوري« وتتبرأ منه. يقودها هذا التناقض بين ما هي عليه وبين وعيها له الى ارتكاب اخطاء تجعلها تفشل في معظم تدخلاتها العسكرية الخارجية. وأبرز هذه الأخطاء ثلاثة: التحديد المسبق لمدة »الاقامة«، عدم تحمل الكلفة البشرية والمادية، رفض اشراك آخرين وبناء تحالفات.
ولا يحتاج المرء الى عناء كبير ليلاحظ ان السجالات الدائرة اليوم في شأن العراق (وافغانستان بنسبة أقل) في الولايات المتحدة نفسها، وبينها وبين الآخرين تتناول، بالضبط، هذه العناصر. ففي العراق تجسد الفعل الامبراطوري كاملاً. وفي العراق أيضاً ظهرت الثغرات التي يقود اليها الانكار. وكان يمكن لهذه السجالات ألا تندلع لولا التوظيف العالي في المغامرة العراقية وهو توظيف يطال اعادة صياغة العلاقة بين المركز الامبراطوري وبين العالم كله والمؤسسات التي استقر عليها منذ عقود.
ليس صدفة، والحالة هذه، ان يدعو اميركيون (وغيرهم) حكومتهم الى توضيح المدة التي تعتقدها ضرورية للبقاء في العراق. لقد قيل، مرة، ان الولايات المتحدة ستحارب ثم تجري انتخابات ثم تنسحب. وكان القصد الايحاء انها ستغادر سريعاً. وقيل، مرة اخرى، ان سنتين هي الحد الأدنى المطلوب. وذهب البعض الى الحديث عن عقد كامل، واقترح سناتور، قبل يومين، مدة خمس سنوات مرفقة ببرنامج واضح. ويقال ان كارل روف، مدير الحملة الانتخابية لجورج بوش، لا يفكر في الأمر إلا من زاوية التأثير على حظوظ الولاية الثانية.
وليس صدفة، ايضاً، ان يحضر موضوع الكلفة المادية والبشرية. فعندما يتحدث بول بريمر عن عشرات مليارات الدولارات الواجب انفاقها يُخرج أميركيون كثيرون آلة الحساب: كم يمكن التعويض عن هذا الانفاق بالنفط وبفتح العراق أمام الشركات الاميركية؟ كم يبلغ عجز الموازنة وكيف سيزداد؟ كيف سيمكن تمويل برامج اجتماعية؟ هل في الامكان الدفاع عن الاقتطاعات الضريبية الكبيرة والمنحازة للأغنياء التي أقدمت عليها الادارة؟
وليس صدفة، أخيراً، ان تعلن واشنطن عن عودة قريبة الى مجلس الأمن، فهي تحتاج الى شركاء يتحملون معها قسطاً من الأعباء المالية والبشرية. والوجه الآخر لذلك، وأمام استمرار الاوضاع المتدهورة في العراق، هو البحث في سبل تعزيز الدور الذي يفترض بالعراقيين أنفسهم ان يلعبوه سواء عبر مجلس الحكم، أو الحكومة، أو الادارة المحلية، أو حتى، الميليشيا.
والواضح من هذه العناوين ان الادارة تحاول امتصاص الآثار السلبية للانكار الذي تمارسه حيال واقعها الامبراطوري. وهي اذ
تفعل ذلك فانها تسعى الى انقاذ جوهر »التعريف الكلاسيكي للامبراطورية« ولو قادها ذلك الى »السماح« لآخرين بمقاسمتها تحمل الاعباء!
تفعل واشنطن ذلك مضطرة. ما تفعله ليس الانتقال من »امبراطورية في حالة انكار« (أي من امبراطورية ذات صفة استثنائية) الى »دولة قائدة لجهد تعددي يحترم المؤسسات والمواثيق الدولية«. كلا. انها، فقط، تتحول الى »امبراطورية عادية« ولو انها لا تملك استثناء آخر سوى انها الأقوى على مر التاريخ والمتحررة من أي منافسة.
وهي تفعله مضطرة لأن ما استقرت عليه بعد حوالى عقد ونصف من انتهاء الحرب الباردة يلزمها بذلك. فلقد طوّرت، خلال هذه الفترة، وعياً لموقعها ودورها، واعادت بناء معتقداتها ومؤسساتها الامنية، وقدمت تعريفات جديدة للمخاطر والتهديدات والتحديات التي تواجهها. قادها ذلك الى التراجع عن نظرية تأمين القدرة على خوض حربين اقليميتين كبيرتين (العراق وكوريا)، أوصلها الى نظرية جديدة باسم »الصدمة والترويع«.
لم يكن هذا اسم الحرب على العراق. انه الاسم المعطى لوظيفة الجيش الأميركي في القرن الحادي والعشرين. فلقد اعيد بناء القوات المسلحة من أجل ان تخوض حرباً بسرعة وتكسبها بسرعة: تخفيف العديد، زيادة الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة والأسلحة الذكية، تعزيز وسائل النقل والانتشار، تطوير أجهزة التشويش، الرهان على اصابة العدو بشلل، تأمين التفوق الكاسح في المعلومات، السيطرة المعرفية على مسرح العمليات. باتت الخطة هي التدمير السريع وغير المكلف لقوات الخصم على ان يحصل ذلك من بعيد وقبل التماس الجسدي.
»الصدمة والترويع« تعني الغاء قدرة العدو على القيادة وتأمين التواصل اللوجستي، وتقطيع اوصال قواته وشبكة اتصالاتها وانزال رعب مرفق بتدمير انتقائي يزيل أي حاجز أمام الدور التقليدي (المحدود) للقوات البرية التي بات يفترض فيها ان تحتل أرضاً خالية من مقاومة.
انها عمليات اغارة خاطفة يقوم بها عشرات الآلاف وينهونها تاركين وراءهم اثراً خفيفاً.
كانت هذه هي النظرية التي استقر عليها اليمين الجمهوري عند وصوله الى السلطة (مرفقة بحماية فضائية للأرض الوطنية من هجوم غير تقليدي). كانت »نافعة« قبل 11 أيلول. وربما استمرت نافعة بعده خاصة اذا كان القصد توجيه ضربات استباقية لاعداء محتملين حسب »عقيدة بوش«، لكنها لم تعد نافعة اطلاقاً لأنها صيغت في وقت كان الجمهوريون يسخرون من اهتمام الديموقراطيين ب»بناء الأمم« في حين بات شعارهم ليس »بناء الأمم« في افغانستان والعراق وانما اعادة تشكيل المجتمعات العربية والاسلامية كلها. لم تعد نافعة لانها، تعريفاً، تجعل الحرب سهلة ولكنها لا تقدم جواباً واحداً على أسئلة ما بعد الحرب. لا تسلح أصحابها بما يمكنهم من ادارة شعوب قرروا »صدم وترويع« جيشها على ان يهتموا، لاحقاً، بتأمين المياه والكهرباء لها ناهيك بتنظيم السير!
لقد ادخلت الادارة انعطافة جذرية على هدف الحرب من دون ان تمتلك ادوات التعاطي مع نتائج ذلك. وما نشهده في افغانستان، ولكن خاصة في العراق، هو نتيجة طبيعية لهذه الثغرة: يتقن الجيش الاميركي أبجدية الحرب ولكنه لا يعرف ألف باء السلام. فكيف اذا استمر الشعب العراقي موزعاً بين مقاومة عنفية وحياد سلبي. ان »الصدمة والترويع« تقتضي تجاوباً نشيطاً من »الشعوب« حتى يصبح ممكناً تحويل الحرب الى اعادة بناء للأمة والمجتمع والدولة. ولقد كان هذا هو الرهان في العراق. رهان المحافظين الجدد البارعين في انكار الواقع الامبراطوري تحت عنوان ان ما تفعله الولايات المتحدة ليس اكثر من نشر عدوى الخير الذي خصها الله به. لقد فشل هذا الرهان لانه لا يقوم على الانكار الاخلاقي للواقع الامبراطوري بل لانه لم يكن يدرك ان المهمة الاصعب هي، بالضبط، بعد »الصدمة والترويع«.
لا يوفر الوضع الدولي الراهن، ولا الوضع العربي، شرطاً لكسر النزعة الامبراطورية الاميركية. غير انه، بالتأكيد، قادر على جعلها اكثر تواضعاً. واكثر تواضعاً تعني هنا إرغامها على الاعتراف بأنها... امبراطورية.

2/9/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03957 seconds with 11 queries