عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #43
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


الشرق الأوسط الكبير: حذار الابتزاز



لم يبقَ مسؤول أميركي نافذ إلا وذكر بالخير تقارير الأمم المتحدة عن التنمية في الشرق الأوسط: جورج بوش، ديك تشيني، دونالد رامسفيلد، كولن باول، كونداليسا رايس، بول وولفويتز... ومع تضاؤل الأمل بالعثور على أسلحة الدمار الشامل في العراق تتضخم الادعاءات الأميركية بأن الحرب لم تكن تملك هدفاً سوى وضع الجيش في خدمة برنامج الأمم المتحدة للتنمية و»حرقة« واضعي التقارير على الأوضاع المزرية لأمتهم. يبدو النسر العدواني على شاكلة حمامة إنماء. ولقد صاغ أركان الإدارة الأرق الديموقراطي في عبارات متنوعة، وفي مبادرات عديدة، قبل أن تجد صياغتها في مشروع سيطرح الصيف القادم أمام عدد من القمم الغربية والأطلسية.
وفي مقابل هذه الهجمة الإصلاحية الديموقراطية لم يبق مسؤول عربي إلا ورفع عقيرته بالصراخ استنكاراً. لقد بات الزاد اليومي لحكامنا التصريح ضد هذا الخطر الداهم، والتحذير منه، وإبداء الاستعداد لخوض منازلة مصيرية معه. وجرى التركيز، في هذا السياق، على مجموعة من الأفكار والأطروحات. منها، أولاً، أن الإصلاح لا يمكنه أن يستورد من الخارج وأن يقفز فوق »عاداتنا، وتقاليدنا، وتراثنا، وتركيبتنا السكانية، وثقافتنا، وأنماط حياتنا...«. ومنها، ثانياً، أن الغاية من هطول المبادرات الإصلاحية صرف النظر عن الانشغال بقضية فلسطين وشعبها وهذا ما لن تسمح به أنظمة تغفو وتفيق على همّ »القضية المركزية«. ومنها، ثالثاً، أن الحكومات تمارس إصلاحاً »بالقطارة« فليس جائزاً استعجالها لأنها أدرى بما تستطيع شعوبها تحمّله.
لم يتحول هذا السجال إلى حفلة ردح. ولكنه، بالتأكيد، حفلة أكاذيب يُراد لها، من الجانبين، تنفيذ أجندة ابتزاز.
لنأخذ المبادرة الإصلاحية الأميركية. إن من يقرأها يصعب عليه أن يعترض على بند واحد فيها. فهي كناية عن سلة أفكار واقتراحات يصعب رفضها إلا إذا كان المرفوض هو المرسل لا الرسالة. ولكن المشكلة »الوحيدة« معها أن لا علاقة لها بالسياسة الأميركية الفعلية. إن المبادرة في مكان والسياسة في مكان آخر لا تجمع بينهما إلا صلة واهية.
لا شيء، في المبادرة، عن النفط، وتحرير التجارة والأسواق، ضمان الأرجحية الإسرائيلية، ومكافحة الدول المارقة، وإنتاج أنظمة »صديقة«، ومنع بزوغ قوة إقليمية، وتعزيز النفوذ الأميركي على سواه، ونشر القواعد العسكرية، وتنظيم آليات الاستتباع بالأطلسي، ومحاصرة التعبيرات الوطنية بصيغتها القومية أو اليسارية أو الإسلامية... لا شيء من ذلك علماً أن هذه هي، بالضبط، السياسة الأميركية في الشرق الأوسط الكبير. وتعريف هذه السياسة بصفتها كذلك مستقى من عدد لا يحصى من الوثائق الرسمية الأميركية التي يمكن لأي مبتدئ في العلوم السياسية مطالعتها وفهم محتواها.
إن المبادرة الإصلاحية الأميركية هي الضريبة الترويجية للسياسة الأميركية الفعلية. فهذه الأخيرة لا تنوي هز الاستقرار المفيد إطلاقاً، ولا تبغي أكثر من عمليات تجميلية تجريها أنظمة صديقة، وتسعى إلى أن ترعى نشوء نخب مدينة لها بوجودها ودورها. إن السياسة الأميركية الفعلية مسؤولة إلى حد بعيد عن الأوضاع الكارثية التي تدعي المبادرة الرغبة في إصلاحها.
أما الاعتراضات الرسمية العربية على المبادرة فلها قصة أخرى.
كيف تجرؤ أنظمة على الاحتجاج على فرض الإصلاح من الخارج؟ إن معظم حدودنا مفروضة من الخارج، وكذلك مؤسساتنا الرسمية، واقتصادنا يوجهه صندوق النقد. وبعض سياساتنا الخارجية مستأجرة من الخارج. وإسرائيل فُرضت علينا من الخارج وقبلناها. حتى أسامة بن لادن صناعة خارجية، والقوات التي تحمي حكومات هي الأخرى من الخارج. إن كل ما هو مستورد مقبول إلا إذا فاحت منه رائحة إصلاحية.
أما رفض الانشغال عن قضية فلسطين فزعم لا ينطلي على أحد. يكفي أن نراقب يومياً العسف الإسرائيلي ونقارنه بالتجاهل العربي (وأحياناً بالتواطؤ) حتى نستنتج، بسهولة، أن الحجة في غير محلها. غير أنها تصبح وجيهة عند تقديمها بشكل آخر. فالولايات المتحدة تتظاهر بأنها تضع الديموقراطية شرطاً للتسوية باعتبار أن عالماً عربياً ديموقراطياً لن يناهض إسرائيل التي سبقته في الديموقراطية. أما الأنظمة العربية فتعرف أن كل فسحة حرية قابلة للاستغلال من جانب قوى تأخذ عليها، أي على الأنظمة، تخاذلها في نجدة شعب فلسطين وتخلّيها عن أي برنامج وطني. لذا فإنها تميل إلى مطالبة الولايات المتحدة ببذل جهد للتسوية، وهو جهد لا تكلف نفسها به، حتى لا تنشأ أوضاع تهدد، في الوقت نفسه، المصالح الأميركية وركائزها المحلية.
يبقى التلويح بأن الإصلاح جارٍ فلا ضرورة لتسريعه حتى »لا ينفرط العقد« كما قال أحد الرؤساء. هذا موقف أبوي بالمعنيين. بمعنى التقرير عن الشعب نيابة عنه. وبمعنى ضبط وتيرة الإصلاح على وقع مشاريع »التوريث«.
لقد كان مؤسفاً أن إصلاحيين عرباً وقعوا في الفخ الابتزازي الذي نصبته لهم أنظمتهم. لقد قادتهم إلى فتح النار على »المبادرة«، وساعدتهم في ذلك، من أجل أن تقيم ستاراً تمرر من ورائه خضوعها الكامل للسياسة الأميركية. أي أن الحكام العرب راهنوا على وطنية إصلاحيين عرب ورفضهم لكل إملاء خارجي من أجل حماية نهج يقوم على الخضوع للإملاء الخارجي.
لقد كان، ولا يزال، مطلوباً الدفاع عن الحس النقدي والوعي الاعتراضي، وتسخيف الدعوة القائلة إن المطالبة بالتغيير في الأوضاع العربية باتت موضع شبهة لأن هناك، في واشنطن، من يمارس الاستخدام الذرائعي لتقارير التنمية.

10/3/2004

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03809 seconds with 11 queries