عرض مشاركة واحدة
قديم 11/03/2009   #23
صبيّة و ست الصبايا boozy
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ boozy
boozy is offline
 
نورنا ب:
Mar 2008
المطرح:
العراق الحبيب
مشاركات:
1,410

افتراضي قاسم محمد بين التراث والمعاصرة





قاسم محمد من الجيل الثاني من المسرحيين والمخرجين الذين شهدتهم المسارح العراقية بعد ثورة تموز عام ،1958 وهو لعب منذ عودته من دراسته في معهد الفن في موسكو عام 1968 دورا نشيطا في الحركة المسرحية العراقية خلال سنوات السبعينات والثمانينات، على نحو خاص.


وأهمية قاسم محمد تأتي بالدرجة الأولى من خصوصية مسرحه وبحثه عن قالب يستخدم فيه المؤثرات والعناصر الدرامية الأدبية لتأصيل العرض المسرحي المحلي ذي الطابع الشعبي. وقد كانت دعوة جاسم العبودي نحو الأصالة هي التي فتحت عيونه على هذا العالم في وقت مبكر منذ دراسته في معهد الفنون الجميلة في بغداد بين 1958 و1962 وجاسم العبودي هو الذي نبهه، كما يذكر، إلى القصور الذي كانت الحركة المسرحية العراقية تعاني منه باعتمادها على تقاليد المسرح الأوروبي. وكان قاسم محمد هو الوحيد الذي رفض الاستقالة والخروج من فرقة المسرح الحر التي كان العبودي يديرها. وقد استمر بالعمل مع أستاذه في معهد الفنون الجميلة على رغم اعترافه المتأخر بأن استمرار الأخير في تقديم مسرحيات “عالمية” يعدّ نوعا من تكريس لواقع كان هو نفسه يدعو لتغييره. وكان اطلاع قاسم محمد على المسرح الروسي أثناء دراسته في موسكو عاملا آخر أسهم في تعميق إحساسه بضرورة العمل على خلق ما كان يسميه (مسرح وطني عراقي).


فقد وجد أن أبرز خصائص المسرح الروسي هي قدرته عن التعبير عن الواقع الروسي والشخصية الروسية. وقد بدأ أثناء دراسته هناك كتابة مسرحية أسماها ( الملحمة الشعبية ) وأتمّها، كما يقول، عام 1978 في بغداد. وعلى رغم عدم رفضه للتغييرات الإيجابية في المسرح الأوروبي، فما كان قاسم محمد يريد تحقيقه وراء كتابة هذه المسرحية هو أن تكون عراقية صميمة.


وهذا النص إلى جانب نصوص أخرى مثل “النخلة والجيران” التي أعدها عن رواية غائب طعمه فرمان بالاسم نفسه، ومسرحية “بغداد الأزل بين الجد والهزل” المعدة عن تراث الجاحظ، و”مجالس التراث” التي تدور حول حياة أبي حيان التوحيدي وكتبه، و”كان يا ما كان” المعدة عن بعض الحكايات الفولكلورية العراقية و”ولاية وبعير” المعدة عن مسرحية سعد الله ونوس “الفيل يا ملك الزمان” وغيرها، تندرج في هذا الإطار الذي يحاول التأكيد على هذا الجانب.


فهي تحاول عبر المزج بين حكايات تراثية وفولكلورية ومعاصرة، واقعية وأسطورية، أن تعرض واقعا خاصا يختلف في شكله ومحتواه عن الواقع الذي تعرضه المسرحية الأوروبية، أو تلك المتأثرة بها. فهذه النصوص لا تملك خصائص المسرحية الأوروبية أو الآرسطية ذات العقدة والبناء الدرامي النامي والمتطور، وإنما هي، كما يسميها قاسم محمد، عروض لها خصائص الرواية الشرقية القديمة في التنويع والانتقال من موضوع الى آخر.


وعرض أشخاصا وحالات وظواهر من واقع الحياة الشعبية القديمة والحديثة بما فيها من تناقض واختلاف هو التعبير عن واقع التناقض الموجود في الحياة الشرقية نفسها في الحاضر كما في الماضي. وهي تتخذ على الخشبة شكل عروض شعبية المقصود بها الفرجة والتسلية الى جانب التعليم وأخذ العبرة.


وقاسم محمد يعتقد أن كثيرا من التراث والفولكلور الشعبي العراقي والعربي يحوي مظاهر مسرحية وجذورا درامية يمكن استغلالها والإفادة منها. وهي، كما يقول، لا تحتاج إلا الى قليل من الخبرة المسرحية كي تصبح عروضا مسرحية ممتعة ومعبّرة وقادرة على أن تمنح وجها وطنيا نقيا للمسرح العراقي والعربي.


ومحاولة قاسم محمد هذه ليست جديدة، كما هو معروف، إذ إنها تندرج ضمن اتجاه عام ظهر في أكثر من بلد عربي ينادي للبحث عن قالب مسرحي (غير مستورد) يكون نابعا من طبيعة الحياة العربية وملبيا لاحتياجات الطبقات الشعبية العريضة فيها، ويمكن لهذا القالب أن يعتمد الأشكال المسرحية الشعبية التي توجد في تراث وفولكلور أكثر البلدان العربية.


وكان أبرز من دعا إلى ذلك الكاتب المصري المعروف “يوسف إدريس” الذي نشر عام 1964 مجموعة من المقالات في مجلة الكاتب دعا فيها الى العودة الى “مسرح السامر” الشعبي. وهو مسرح كان شائعا في الريف المصري ويقام بمناسبة الأعراس والمواليد، ويمثل فيه ممثلون شبه محترفين. وقد استوحى إدريس بالفعل بعض مسرحياته ك “الفرافير” من مسرح “السامر” هذا.


أما الكاتب المصري الكبير توفيق الحكيم فقد أصدر عام 1967 كتابا بعنوان “قالبا المسرحي” دعا فيه هو الآخر الى خلق قالب مسرحي محلي يكون صالحا لاحتواء التأثيرات الدرامية الغربية من جهة، والتقاليد المسرحية العربية من جهة أخرى.


كما أن تجريه قاسم محمد في العراق لا يمكن أن تنفصل عن محاولات أخرى جرت أيضا في المغرب على يد “الطيب الصديقي” و”عز الدين المدني” في تونس، لاستغلال مقامات الحريري وتقديمها في عرض مسرحي ناجح. كذلك استغلالهم ل “مسرح الحلقة” والمسرح الاحتفالي.


وهكذا، ليس من شك عندنا أن قاسم محمد قرأ كل هذه المسارح ورأى بعضها وتأثّر بها، على رغم أنه لم يحدد نفسه بشكل مسرحي معين، وأنما حاول أن يمد بصره الى تراث بلاده وفولكلورها الشعبي من أجل توظيفه في مسرحه الشعبي هذا.


فمثلا في “كان ياما كان” اعتمد على أربع حكايات شعبية وجدها في مجلة التراث الشعبي العراقية. وأهم هذه الحكايات التي يقوم عليها العرض حكاية ابنة الملك التي خرجت خلافا لأختيها على طاعة أبيها الملك محافظة منها على مبدأ الصدق الأخلاقي مع نفسها وتحاشيا للسلوك المنافق لأختيها من أجل تحقيق مصالحهما الشخصيّة. وواضح أن بعض عناصر هذه الحكاية تتشابه وحكاية “الملك لير” مع بناته في مسرحية شكسبير المشهورة. وقاسم محمد يرى أن الحكاية العراقية أقدم من مسرحية شكسبير نفسها. والعرض الذي قدمت فيه هذه الحكايات يعتمد على مغنّ وكورس يؤديان بالتناوب بعض الأغاني الشعبية التي تعلق على الأحدث وتصف بعض المواقف، والمسرح الذي جرى عليه العرض كان عاريا تقريبا تلعب فيه الإضاءة دورا محدودا وتقتصر وظيفتها على تحديد أماكن الشخوص والحدث.

لستُ بجسدٍ تسكنه روح.
بل
ثلاثة أرواحٍ
و عقولٍ
و قلوب
جزئها المرئيُّ الصغيرُ
جسدْ.
http://evandarraji.blogspot.com/
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03898 seconds with 11 queries