الموضوع: أسبوع وكاتب - 2
عرض مشاركة واحدة
قديم 04/05/2008   #131
صبيّة و ست الصبايا ooopss
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ ooopss
ooopss is offline
 
نورنا ب:
Nov 2007
المطرح:
بـــ هـالأرض المجنونـــــة ..
مشاركات:
1,398

افتراضي


ذاكرة للنسيان



صدرت طبعته الجديدة عن »دار رياض الريس« في 190 صفحة من الحجم الوسط
وكانت صدرت طبعته الأولى العام 1987..
كتب هذا النص الساخن قبل عشرين عاماً, عن يوم طويل من أيام حصار بيروت العام 1982 بلغة متوترة وبأسلوب يجمع بين السردي والشعري والقصصي والإخباري. وفي هذا النص تتقاطع شظايا سيرة شخصية مع أحداث الحرب حين يقف الفرد عارياً أمام مصيره..
ودار الريس أصدرت بدورها هذه الطبعة غداة الحرب الأخيرة على لبنان, لا لتقول فقط »ما أشبه اليوم بالبارحة« بل لتتذكر فصلاً من فصول الحرب الإسرائيلية الدائمة على لبنان وفلسطين ولاستعادة ملحمة من ملاحم الصمود اللبناني-الفلسطيني في مقاومة الاحتلال والحصار..
من المنام يخرج منام آخر, ومن الحياة تخرج أمثولة حياة أخرى, محمود درويش في "ذاكرة للنسيان" يعيدنا, إلى مرحلة نحاول نسيانها في قاموس عمرنا المسرب على وجع وعلى خيبات يحكي عن الفضاء المحتل العام 1982 والبحر المحتل, وجبل الصنوبر المحتل وقصف الهواجس الأولى وسيرة خروج آدم من الجنة.. لم يعد له وطن ولم يعد له جسد, القصف يتواصل, قصف أناشيد المدائح, وحوارات الموت المتحركة في دم كالضوء يحرق الأسئلة الباردة كان يبحث عن امتلاء بالبارود, عن تخمة لغضب النفس, تدخل الصواريخ في مسام جلده وتخرج سالمة, ما أقواها
-يقول- ولا أحس بالجحيم التي يوزعها الهواء ما دمت أتنفس الجحيم وأتصبب جهنم, وأريد أن أنشد نعم أن أنشد لهذا النهار المحروق أريد أن أنشد, أريد أن أجد لغة تحول اللغة إلى حديد للروح, إلى لغة مضادة لهذه الطائرات.. الحشرات الفضية اللامعة.. أريد أن أنشد, أريد لغة تسندني وأسندها وتشهدني وأشهدها.. على ما فينا من قوة الغلبة على هذه العزلة الكونية وأمشي. أمشي لأراني ماشياً, ثابت الخطوة حراً حتى من نفسي, في منتصف الشارع, منتصف الشارع تماماً تنبح علي الوحوش الطائرة تبصق نارها ولا أبالي.. لم يكن يسمع إلا وقع خطواته على الإسفلت المحفور, ولا يرى أحداً, لا يبحث عن شيء, لعل عناد التحدي الذي يخفي خوف الوحدة, أو الخشية من الموت بين الأنقاض هو ما يمسك بخطواته ويضرب بها الشوارع النائمة.
لم ير بيروت من قبل في مثل هذا النوم الصباحي, ولأول مرة يرى الأرصفة أرصفة واضحة ولأول مرة يرى الشجر شجراً واضحاً, بجذوع وأغصان وأوراق دائمة الخضرة.
هو يصف بيروت في حينها.. ويتساءل هل بيروت جميلة في حد ذاتها..? كانت الحركة والحوار والزحام وضوضاء التجارة تخفي هذه الملاحظة وتحول بيروت من مدينة إلى مفهوم ومعنى ومصطلح ودلالة, كانت تطبع الكتب وتوزع الصحف, وتعقد الندوات والمؤتمرات لتعالج قضايا العالم ولا تنتبه إلى ذاتها, كانت مشغولة بمد لسان السخرية لما حولها من رمل وقمع. كانت »ورشة« حرية.
وكانت جدرانها تحمل موسوعة العالم الحديث, وكانت مصنع ملصقات, وقد تكون هي أول مدينة في العالم طورت صناعة الملصقات إلى مستوى الجريدة اليومية, ولعل قدراتها التعبيرية المتشكلة من تنوع وموت وفوضى وحرية وغربة وهجرة وشعوب قد امتلأت وفاضت عن جميع أشكال التعبير المعروفة فوجدت في الملصق ما يستوعب فائض التعبير عن اليومي, حتى أصبح الملصق لفظة دارجة في القصائد والقصص ليشير إلى خصوصية وجوه على الجدران, شهداء طازجون خارجون للتو من الحياة ومن المطبعة.. موت يعيد إنتاج موته. شهيد يزيح وجه شهيد آخر عن الحائط ويجلس مكانه إلى أن يزيحه شهيد جديد أو مطر, وشعارات تمحو شعارات.. تتبدل وترتب أولويات الحماسة والواجبات الأممية اليومية.
كل ما كان يحدث في العالم يراه درويش يحدث عندنا انعكاساً تارة ونموذجاً تارة. وقد يتشاجر مثقفان في مقهى باريسي فينقلب شجارهما الكلامي إلى اشتباك مسلح هنا.. لأن على بيروت كما يقول أن تتضامن أو تتزامن مع كل جديد ومع كل قديم يتجدد, ومع كل حركة جديدة ونظرية جديدة, سينما ثورات سريعة الدوران, فيديو للتطبيق المباشر القائد الجديد أو النجم الجديد, في أي مجال مرشح ليكون قائدها أو نجمها تطفح جدرانها بالصور والكلمات ويلهث المارة وراء وعي يتبدل.
لذا فإن أعمار النجوم بنظر محمود درويش والقادة قصيرة, لا لأن الجمهور عندنا سريع الضجر, فالجمهور ليس هنا, بل لأن السباق يجري على النمط الأميركي, ولو كانت أهدافه معادية لأميركا, فهنا مندوبون دائمون لأي وعي جديد ولأية نغمة جديدة, ولأية طفرة جديدة, من الولاعة المتدلية من صدر فتاة الجينز دليلاً على الإفراط في اليسارية إلى حجاب يغطي الوجه واليدين دليلاً على الأصالة, إلى تلقف كل إشارة تضع كارل ماركس في فهرست الاستشراق دليلاً على هبوب ريح الشرق.. إنها محطة تحويل كونية لكل خروج عن السياق, وتعميمه إلى برنامج عمل لشعب مشغول بتأمين خبزه ومائه, وبدفن قتلاه.
الشاعر كان يمشي في شارع لا يمشي فيه أحد, يتذكر أنه مشى من قبل في شارع لم يمش فيه أحد. ويتذكر أن أحداً لم يكن معه يمشي إلى البحر, في سفن نوح الحديثة. في أزرق يسفر عن أبيض لانهائي.. ولا يسفر عن ساحل إلى أين..? إلى أين يأخذنا البحر في البحر? يقول: هنا لم أمت, لم أمت بعد, سأنام.. ما النوم? ما هذا الموت السحري المفروش بأسماء العنب? جسد ثقيل كالرصاص يرميه النوم في سحابة من قطن جسد يتشرب النوم كما يتشرب النبات المهجور رائحة الندى, شاعر يدخل في النوم رويداً رويداً على وقع أصوات بعيدة أصوات قادمة من ماضٍ مبعثر على تجعد السرير والأيام يقرع باب النوم من عضلات ترتخي وتتوتر. يفتح له ذراعه, يأذن له بالدخول, يدخل يشكره يمدحه يحمده النوم يناديه وهو ينادي النوم... النوم بنظره سواد يتفكك تدريجاً إلى رمادي وأبيض... النوم أبيض, انفصال وأبيض... استقلال وأبيض.. ناعم وقوي وأبيض, النوم صحوة التعب وأنينه الأخير, للنوم أرض بيضاء وسماء بيضاء وبحر أبيض وعضلات قوية.. عضلات من زهر الياسمين.. النوم سيد.. أمير.. ملك.. ملاك.. سلطان.. وإله.. استسلم إليه الشاعر كما يستسلم العاشق لمدائح المرأة الأولى, النوم جواد أبيض يطير على سحاب أبيض, النوم سلام, النوم منام يخرج من منام محمود درويش في "ذاكرة للنسيان"
عودة إلى سنوات الجمر والرماد, سنوات الشظايا ليوميات سربت في خرم العمر, لكنها في الذاكرة ما زالت تشرئب لأن الأمس, يشبه اليوم والصواريخ والطائرات والقنابل والقذائف وأخواتها, ما زالت في ظهرانينا, تجوب أجسادنا وتترك بصماتها نيراناً وشظايا ودماء..


عندي ثقـــــــة فيـــــــك ...



- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 

الأمــــــل باقي

آخر تعديل ooopss يوم 04/05/2008 في 00:32.
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04172 seconds with 11 queries