عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #51
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


إصلاح ضد إصلاح



عندما يتحدث الرئيس اميل لحود عن »الاصلاح«، ويتحدث الرئيس رفيق الحريري عن »الاصلاح« فإنهما لا يكونان يتحدثان عن »الاصلاح« نفسه. »اصلاح« الأول مختلف عن »اصلاح« الثاني، لا بل مناقض. يكفي ان تشن »أوساط« الرئيس لحود حملة دعوة الى »الاصلاح« حتى تعتبر أوساط الرئيس الحريري أنها مستهدفة وأن هناك من يريد بها شراً. ويكفي ان تعبر »اوساط« الرئيس الحريري عن نيته المضي في مشروعه »الاصلاحي« حتى تستنفر »أوساط« الرئيس لحود معتبرة ان المواجهة في قمة السلطة مستمرة.
لا يمكن ان نفهم فذلكة موازنة 2004 وردود الأفعال عليها الا على قاعدة »إصلاح ضد إصلاح«. فعندما يقال فيها إنها موازنة تتخلى عن الطموحات الاصلاحية يجب ألا يفهم من ذلك انها تتخلى عن تلك الطموحات التي يصر عليها لحود. كلا. ان كل تخل للحريري عن طموح اصلاحي هو خطوة الى الأمام يحققها اصلاح لحود.
ويمكن، بهذا المعنى، اعتبار ان وزير المالية أعلن استسلامه عندما اقترح مشروع موازنة عادياً جداً. فهو اذ يعتبره »دون الطموحات« فإنه يكون يحدد السقف الأعلى الذي كان يريده، والسقف الأدنى الذي اضطر الى احترامه بصفته سقفاً حدده آخرون.
الا ان هذا الاستسلام الشكلي يدل على ان السنيورة يتصرف مثل لاعب جيدو ماهر. يريد ان يحوّل قوة »خصمه« الى قوة لنفسه. فهو بتظاهره بالاستسلام، يرغب في اظهار ان اندفاعة الفريق الآخر ستصل، ومعها البلاد، الى هاوية. وبدل ان تكون الموازنة الاصلاحية عقبة تحول دون هذه النهاية فإنها، لعاديتها، إزاحة لهذه العقبة، أي ازالة للمكابح التي قد تمنع الانهيار.
ان مشروع موازنة 2004 هو تعبير عن سأم. لقد ضجر السنيورة من دور الكاهن الأول للتقشف الاصلاحي. وهو، في ذلك، يغيّر قواعد اللعبة آخذاً في الاعتبار الموازين الفعلية للقوى كما ارتسمت منذ تشكيل الحكومة الحالية. ان موازين القوى هذه ميّالة بشكل واضح الى الرئيس الأول. والتكتيك الجديد هو استباق تعديلات محتملة على الموازنة وتضمينها، منذ البداية، في المشروع من أجل تحقيق هدفين. الأول هو حرمان قوى سياسية من متعة تشذيب الموازنة باسم القضايا الاجتماعية. الثاني هو التأشير للقوى الاقتصادية النافذة بأن موازين القوى السياسية الراهنة لن تفعل سوى مفاقمة الأزمة وزيادة التردي.
وثمة »قطبة مخفية« في المشروع. مؤداها ان مجلس الوزراء هو الذي وافق على البنود الاصلاحية السابقة، وأن مجلس النواب هو الذي أقرّها. غير ان الحكومة تغيرت فاقتضى أخذ العلم طالما ان التغيير يريد تغليب »الاصلاح اللحودي« على »الاصلاح الحريري«. يبقى على مجلس النواب، في هذه الحالة، ان يتحمل مسؤولية المحاسبة حتى لا يبدو، قبل حوالى سنة، موافقاً على وجهة وبعدها موافقاً على »الاتجاه المعاكس«.
تقضي الصراحة القول ان المواطنين لا يملكون فكرة واضحة عن المشروعين »الاصلاحيين« للرئيسين. نضع جانباً آراءهما في السياسة والاجتماع والثقافة وعلاقات الطوائف. نكتفي بآرائهما ذات الصلة بالموازنة. وهنا يبدو، بشكل ضبابي جداً، انهما يتوافقان على الاعتراف بوجود أزمة لكنهما يتباينان في ما عدا ذلك. فالرئيس لحود ميّال الى الاحتفاظ بدور أكبر للقطاع العام وإلى الاهتمام بالضائقة الاجتماعية وزيادة التقديمات. والرئيس الحريري ميّال الى الخصخصة وزيادة القدرة التنافسية. الرئاسة الأولى صاحبة مواقف سياسية تريد إلحاق الاقتصاد بها. الرئاسة الثالثة صاحبة مواقف اقتصادية تريد للسياسة ان تأخذها بالاعتبار.
هذه الضبابية في تحديد المواقف لا تتبدد بالتصريحات اليومية المتبادلة والتي تشكل، غالباً، رسائل شخصية يصعب على اللبناني العادي فهمها. ولكنها، أي الضبابية، لا تمنع من طرح سؤال على كل من الرئيسين.
السؤال الموجه الى الرئيس لحود: هل يمكن، فخامة الرئيس، ان تقدم لنا أرقاماً دقيقة عن كلفة الوعود التي تطلقها في ما يخص التقديمات الاجتماعية للفئات الأكثر تضرراً من الأزمة؟ وإذا كان الجواب إيجاباً فمن أين تأتي الأموال في الشرط اللبناني والإقليمي الراهن؟السؤال الموجه الى الرئيس الحريري: هل يمكن، دولة الرئيس، ان تقدم لنا معطيات واضحة عن فكرتك المتعلقة بكيفية الخروج من الأزمة؟ وإذا كان الجواب ايجاباً فهل سيستمر هذا التوزيع غير العادل لأعباء الخلاص من المأزق بحيث يزداد التفارق الاجتماعي؟
ان السبب في اختيار هذين السؤالين، ولكل منهما استطراد، هو ان الرئيس لحود يبدو أكثر تعاطفاً مع نقابات العمال في حين يبدو الرئيس الحريري أكثر تعاطفاً مع نقابات أصحاب العمل. نقول »يبدو«. ولكن المشكلة هي ان النقابات الأولى تطلب بما لا تستطيع الموازنة احتماله، والنقابات الثانية تتهرب من ان تقوم بالحد الأدنى من واجباتها المواطنية.
ان مبدأين يتوجب بهما التحكم بأي موازنة للبنان. الأول هو ان لا خروج سريعاً من الأزمة. الثاني ان لا خروج من دون »شد الأحزمة« بشكل عادل وبالتساوي (أي بعدم المساواة بين الفقراء والأغنياء). لقد غاب هذان المبدآن عن مشروع 2004. وبما اننا قد لا نجدها لحظة تحول المشروع الى قانون فليس أقل من انتظار موازنة كارثية في 2005.

1/10/2003

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06592 seconds with 11 queries