عرض مشاركة واحدة
قديم 08/10/2007   #20
صبيّة و ست الصبايا سرسورة
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ سرسورة
سرسورة is offline
 
نورنا ب:
Nov 2005
المطرح:
syria-homs-damascus
مشاركات:
2,252

افتراضي


قاطعتها وأنا أحاول أن تكون لهجتي ممازحة:- لا تخافي ...ستكون جنازتك ممتازة...فلا تشغلي بالك....
ابتسمت وتابعت:
-تقبريني..هذا مااريده...واحفظي الان...أن هنالك في الخزانة ,في الدرفة اليمنى, بقجة...وضعت فيها الثياب التي يجب ان أرتديها عندما اموت...يجب ان ابدو مرتبة....مشطي لي شعري و اعقصيه الى الخلف كمافي العادة...تقبريني لا أريد أن اتبهدل في موتي....
وابتدأ ينشغل بالي:
-ولكن...ماذا خطر لك لتفتحي الموضوع الان؟ هل تشكين من شئ ؟هل انت مريضة؟ هل تشعرين بشئ؟ ماذا هنالك؟
قالت:- لا لا......أنا لا اشكو من شئ ...أنا فقط تعبانة قليلا....انما يجب ان اتحدث في هذا الموضوع لارتاح...الموت ات في يوم...فلماذا...لا اهئ له نفسي سلفا فأقضي باقي أيامي مطمئنة؟
قلت في ضحكة مفتعلة:
اطمئني....اطمئني....هذا موضوع فهمناه...والان يجب ان نتحدث في موضوع اهم...أنت على أحسن مايرام..ومازلت في نظري شابة.......فهذا جارنا الذي يكبرك بعشرين عاما يحتقل بعيده اليوم....ألن تغيري رأيك وتقبلي به عريسا؟
ابتسمت في حياء وعياء وتمتمت:-اسكتي...عيب!
ولم اسكت..وبقيت اتحدث معها واضحك...ولكن قلقا موجعا كان يتمدد ويحتل اعماقي....
وفي الواقع ..غادرتنا جدتي بعد شهر ..
في هدوء وأناقة ومحبة ....رحلت...رحلت وهي تبتسم لنا ..
كانت تستند الى ذراع خالتي و تمسك بيد ابنتي ...وتنظر الي باطمئنان....
كان وجهها مضيئا صافيا طاهرا....
رحلت وضل صوتها يتردد في أرجاء البيت :
-" تقبروني" ...أتعبتكم معي....وغرق أهل البيت بالبكاء...
أما أنا...فلم يجد الحزن يومها طريقة الى نفسي ...كان همي الوحيد أن أنفذ وصيتها لي....
أحسست بمسؤولية كبيرة حجبت عني الحزن....
لم أستوعب أن جدتي الغالية فارقتني الى الأبد وأن الأمر يحزن....
شعرت بالأحرى أنني مرتبطة معها بوعد وأن علي ألا أخيب ظنها بي...
ورحت أتصل بالمقربين والأصدقاء..وأسألهم عما يجب فعله في مثل هذه الأحوال...
أحسن ما يمكن فعله!!
اتصلت, وركضت, وتعبت, وهيأت.....وكانت الجنازة مهيبة....
مشينا وراءها كلنا ...رجال الدين والنساء والصبايا و الرجال....ولم أبك......
وفي الأيام التي تلت والتي غص البيت فيها بالناس, لم أبك....
كان فكري طول الوقت مشغولا بوعدي....
يجب أن يكون المأتم لائقا بهذه السيدة العظيمة التي نشأنا في أحضانها و كبرنا...
والتي علمتنا الصبر و الصمت والكبرياء...
هذه الكبيرة التي كانت في اللحظات الصعبة تردد علينا بلهجتها الشامية العريقة: -تقبروني. طولو باكم, الحياه بدها طولة بال....فالانسان يحفظ كرامته بطولة البال والصبر......
هذه الأم الحقيقية التي بقيت حتى اخر يوم في حياتها محتفظة بحيائها وكأنها عذراء في مطلع الصبا...
اه يا جدتي ...اه ياست شفوق...ياست الستات سيحمر خداك الان اذا قلت لك ممازحة ان جارنا العجوز لم يصبر على فراقك وأنه من فرط الهيام والوجد ...غادرنا ولحق بك....
نبهني من شرودي صوت ابنتي.: - هل سمعت أن جارنا العجوز مات؟
أومأت بالايجاب....فتابعت في تأثر: - لقد حزنت عليه كثيرا....
هززت رأسي وأنا أتمتم: - طبعا ...طبعا.....
وانفجرت فجأة أبكي وأبكي وأبكي......................................
واستغربت ابنتي: -ماذا أصابك؟
لم استطع أن أجيبها ...كنت غارقة في دمعي...فألحت وهي تقدم لي كأس ماء:
-ماذا جرى لك؟
فالتفت اليها ...وبين شهقات الدمع غمغمت:
-يبدو أنني الان.....الان فقط ...ابتدأت أبكي على جدتي......

دمشق 1992

ان الحياة كلها وقفة عز فقط.......

شآم ما المجد....أنت المجد لم يغب...
jesus loves me...
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05262 seconds with 11 queries