عرض مشاركة واحدة
قديم 19/08/2008   #31
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


سنونوة البرازيل


هل تنبئ سنونوة البرازيل قدوم ربيع ما؟ فلأول مرة في التاريخ الحديث ربما يصل زعيم يساري بهذه الجذرية إلى موقع الرئاسة حائزاً على أكثرية كاسحة. وبما أن البرازيل هي البلد الخامس في العالم سكانياً والثامن اقتصادياً فإن الحدث لا يمكنه أن يكون هامشياً. فهل يعني، والحالة هذه، أننا أمام افتتاح لمرحلة جديدة لا تستبعد مثل هذا الاحتمال في الأمد المنظور وفي دول ذات ثقل مميّز؟
إن لويس انياسو دا سيلفا (المعروف ب»لولا«) زعيم جذري ببرنامج اشتراكي ديموقراطي حقيقي تبهت أمامه الألوان الزهرية لاشتراكيي »الطريق الثالث« البريطاني، أو »الوسط« الألماني، أو »الاجتماعي الليبرالي« الخجول من نفسه في فرنسا. ناهيك، طبعاً، عن النموذج »الديموقراطي« الأميركي. ويقود انتصاره المدوي إلى طرح سؤال أثاره ذات مرة الكاتب الإنكليزي جون غراي (في كتابه »الفجر الكاذب«): هل ثمة مجال، في ظل العولمة، لمؤسسات اشتراكية ديموقراطية وطنية؟
ستحسم التجربة في الجواب. إن مشكلات البرازيل هائلة: فوارق اجتماعية أسطورية، تمايزات مناطقية واتنية، انعكاسات للبؤس على وضع أمني متدهور، دين يناهز نصف الدخل الوطني، بيئة إقليمية شديدة الاضطراب بعد الأزمة الأرجنتينية، وجار شمالي يمر في مرحلة تشنج تجعل سياسته الداخلية والخارجية رهينة أصحاب المصالح الكبيرة فكيف إذا جاء التهديد من »الفناء الخلفي« وكيف إذا تنفس كاسترو وشافيز الصعداء وعاودت نيكاراغوا أحلامها؟...
إن مهمات هرقلية تنتظر لولا. فصندوق النقد بالمرصاد وقد أصبح دائناً للبرازيل. والرساميل تهدد بالهرب في أي لحظة في ما يشبه الابتزاز الذي أسماه الرئيس الجديد »إرهاباً«. والإصلاحات مكلفة جداً ويمكنها إرهاق القدرة التنافسية. والعملة فقدت، أصلاً، أربعين في المئة من قيمتها. غير أنه يستطيع الاتكال على مجموعة من الميزات ليست بسيطة. فحزبه، حزب العمال، مجرب في إدارة الولايات بنجاح، والتعبئة الشعبية وراءه عالية، وبرنامجه الإنقاذي بات أكثر عقلانية وتواضعاً.
بالإضافة إلى ذلك فإن وصوله إلى السلطة ليس نتيجة تفاقم الانهيار. فسيكون المرء ظالماً إذا لم يعترف أن العقد الماضي شهد ضبطاً للتضخم، وانفتاحاً ليس كارثياً بالكامل، وخصخصة لقطاعات خففت عن كاهل الدولة النجاح الانتخابي، بهذا المعنى، هو ثمرة تلاطم هذه النتائج الاقتصادية والاجتماعية وتوفر قناعة واسعة أن في الإمكان تأمين المزيد من العدالة في التوزيع والإنفاق الاجتماعي بصفتها عنصراً اقتصادياً مربحاً وليست مجرد واجب أخلاقي وإيديولوجي.
ليس صدفة، والحالة هذه، أن يكون لولا هو المرشح الأقوى في الجنوب المتقدم وليس في الشمال الفقير. إن قاعدته الاجتماعية لا تتماهى مع الأكثر بؤساً في المجتمع وإنما مع طبقة عاملة منظمة ومستقرة، ومع فئات وسطى تريد المزيد، ومع مهنيين وجامعيين متماسكين في طرحهم الديموقراطي، ومع شريحة بورجوازية متنورة، ومع اتنيات مقهورة وتشكل من هذا المزيج »كتلة تاريخية« تملك مشروعاً تغييرياً يستند إلى نجاح مؤكد في الإدارة المناطقية.
إن تحولات لولا الشخصية قادته إلى حيث هو الآن. فمن ماسح أحذية في سن السابعة، إلى عامل، إلى زعيم نقابي، إلى سجين رأي، إلى مناضل في سبيل الحريات، إلى خصم للديكتاتورية العسكرية ثم الليبرالية الأصولية، إلى أحد أبرز دعاة العولمة البديلة (بورتو الليغري)، إلى مرشح فاشل للرئاسة، إلى الفوز... تتداخل عناصر السيرة هذه لتشير إلى أن الشخص، الأمي أصلاً، بذل جهداً استثنائياً كي يكتسب قماشة رجل الدولة، واشتغل، قدر المستطاع، على توسيع قاعدته الاجتماعية.
ولقد واكب حزبه هذه التحولات فأعاد صياغة نفسه. إنه زواج ناجح من نقابيين مسيسين، وتيارات اشتراكية جماهيرية، وجذريين كما يمكن لأميركا اللاتينية أن تُنبت، وناشطين اجتماعيين عضويين، ومثقفين ملتزمين، وخبراء يملكون أجوبة محددة على مشاكل محددة. إنه حزب تعددي يلعب دوره بصفته أداة سياسية تتجاوز التمثيل القطاعي لتشكل صلة وصل توسع جبهة التغيير وتعدل برنامجها لتصيب نقطة التوسط التي يمكن لرأسمالي عصري أن يلتقي عندها مع عامل إصلاحي.
الرهان المعقود على التجربة البرازيلية كبير. فالبلد، إضافة إلى أهميته، صاحب »اشعاع« وفرته له، مرة، كرة القدم، وثانية استضافة منتديات »العولمة البديلة«. والنجاح يأتي في لحظة خاٌّصة تمر بها العولمة الليبرالية كونياً وفي أميركا اللاتينية خاصة. إنها لحظة التوقف في محطة النقد الذاتي، والدعوة إلى تصحيح المسار، ورفض الثقة المفرطة بالنفس، والتقليل من النزعة الظافرية. حتى صندوق النقد بات أكثر تواضعاً. ولأن اللحظة هي هذه يصح السؤال: هل يقود لولا البرازيل عكس السير أم أنه يومئ إلى أن السير يعتزم تغيير وجهته

29/10/2002

قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.23369 seconds with 11 queries