[yass]

استكمالا....
لـــــــــ يوم قلت لمحمود درويش اني كرهته

تمنّيت لو لم أرك... أفخر بأني رأيتك



سألني أحد الأصدقاء منذ أيام, بعد قراءة بعض السطور التي كتبتها ضمن الثلاثائيات عن محمود درويش, إن كنت أشعر بالذنب تجاهه, و لحظتها وجدت الاسم الأكثر ملائمة لما أحس عندما أسمع اسمه.

قد يكون شعورا بالذنب...

كنت قد رويت مداخلتي الأولى في الأمسية التي حضرتها له في سانتياغو, و التي جعلتني مشهورا للحظات كالشخص الذي قال لمحمود درويش أنه كرهه...

ثم اتفقنا على أنني نسيت الكراهية.. و عفى الله عمّا سلف


مداخلتي الثانية كانت سؤالا لا أدري لماذا خطر على بالي, ربما لأنني كنت قد قرأت مقالا قبل أيام لأحد كان قد سأله لمحمد الماغوط منذ سنوات, و على اعتبار أن الأمسية تمت بعد وفاة "أبو شام" بفترة قصيرة, فأردت أن أسأله لمحمود درويش بدوره..

سألته:"ماذا يعني لك كونك عربي, أو بالأحرى, ما معنى العروبة بالنسبة لك؟"

فنظر إلي بعد رشفة ماء, و ضحك و قال:" مش اتفقنا انو خلص بتكرهنيش؟".. و ضحك الحضور قليلا

أعاد التفكير قليلا.. ثم قال أنه ليس سؤالا سهلا, بل أنه يعتقد أن هذا السؤال يفوقه صعوبة فقط سؤال آخر, و هو "ما معنى الشعر".

و بعد شرح مبسّط و ممتع لكل ما كانت العروبة له, و ستكون, منذ بدايات وعيه... أقر أن الشعور الوحيد المصاحب لكلمة العروبة حاليا هو الخجل.. و أن أمله في شباب العرب كي يمسحوا هذا الخجل عن منطلق آمن به و أحبه.


بالمناسبة.. رد الماغوط على السؤال ذاته, حسب كاتب المقال, كان طلب مكعب ثلج إضافي لكأس الويسكي..


بعد نهاية المحاضرة شربنا نخبه, و تبادلنا معه بعض الأحاديث عن سانتياغو و ما رأى و ما أعجبه, و وقّع لنا بعض الدواوين التي جلبناها معنا, و ودّعناه و انطلق كل منا في حال سبيله.

رغم محاولته أن يكون ودودا بعض الشيء.. فقد صدمني برود ردود فعله و تجهمه و جديته المفرطة..

حاولت أن أجد تفسيرا منطقيا لتعامله الجاف نوعا ما مع من يحادثه كمن يحادث إلها..


له من السنوات... الكثير, و هو يسمع التبجيل و التقدير...

له عقود... و هو قديس فلسطين الحي...

اعتاد على أن يحاط بالمعجبين, و أن يسمع عبارات المدح.. فلماذا سوف يتأثر الآن...


قضيت الأيام العديدة التالية و أنا أحاول أن أقنع نفسي بأنه من الطبيعي أن يكون حتى متكبرا لو أراد.. "يطلعلو", كنت أقول لنفسي..


لكني لم أفلح...

و بعد كثير من التقليب.. توصّلت لنتيجة...


يا ليتني لم أرك.. و لم أعرفك..

يا ليتك بقيت في عقلي رمزا ... بكلمتك ...

يا ليتني أمحي صورة الإنسان الجاف, مهما كنت أتفهم هذا الجفاف..


و بقيت أفكّر هكذا.. و أنصح كل من يبغي رؤية شخص بارز معجب به, بألا يفعل, كي لا يتحوّل من رمز, إلى بشر...

حتى انتصف آب...

و أصبح الإنسان.. و أضحى الرمز.. طيفا


مات محمود درويش...


عدت إلى هذه القناعة التي كنت قد نقشتها في وجداني... و كرهتها, و كرهت نفسي لأنني قبلتها...

مسحت هذه القناعة بأجزاء من الثانية... و أخذ الفخر بأنني رأيته و كلّمته و أضحكته.. و شربت معه.. نخبه.. مكان هذه القناعة الغبية التافهة...


أفخر بدواوينك و توقيعك عليها..

أفخر بصورتي معك.. و أحس بالسعادة عندما أشعر بحسد الناس عندما يرونها..

أفخر بأنني سمعتك تحن إلى خبز أمك..

أفخر بأنني رأيتك توبّخ المترجم

أفخر بأنني كرهتك...

أفخر حتى بأنني وددت لو لم أرك...

أفخر بك...


فلينصفك التاريخ... يا إله اللفظ ...

يا سيّد المعنى




Yass