الموضوع: أسبوع وكاتب - 2
عرض مشاركة واحدة
قديم 05/03/2008   #29
صبيّة و ست الصبايا butterfly
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ butterfly
butterfly is offline
 
نورنا ب:
Jan 2006
المطرح:
قلب الله
مشاركات:
14,333

افتراضي


معلّقات أدونيس
زيـاد دلـول

1
تبدأ اللوحة وربما القصيدة أيضاً في تحريضات لا ضابط لها سوى عبث المصادفة؛ وما أجمل أن تبحث بوعي عن المصادفة:
التقاط أشياء صنعتها الطبيعة بآلات الزمن وبأكاسيد المطر والغبار، أوراق نحتها تمزيق لهو الريح، وحصى صقلها حفيف الرمال. جمْعُ أشباح هيئات من كرتون مطبوع بلغات الصناعة والتغليف، محنَّط بخيوط القنَّب وبخرَازات النحاس، صفائح معدنية مرققة بعجلات السيارات، بلاستيك معجون بسخام نعال المارَّة.
وهناك على طاولة كتابة الشعر تنصب ورشة صناعة الطواطم.إنها لعنة الشعر الجميلة، الشعر في وظيفته الأولى: الكلام الساحر.
ألم تكن التمائم خليطاً من الكتابة والورق والخيوط؟
ألم تكن التميمة شعراً عصيّ القراءة؟
تبقى الكتابة في رقيمات وألواح أدونيس شبكات في نسيج تكوين العمل كمثلِ تهشيرات أفقية تحمل ذلك الطوطم على صدرها وفي محور بنائها، وهي عندما تكون مقروءة، مزدوجة الغرض في اختيار النص وفي الوظيفة الغرافيكية.
حوار مع المعريّ والمتنبي والنفّري، مع ديوان الشعر السالف القابع في الذاكرة. نص الآخر رسماً وسمعاً، تعقباً وتنويطاً بأدوات المرسم. فالمعرفة علبة ألوان وأقلام تعرّت من الضوء لتصير مساحات سوداء ورمادية تنظم تكوين اللوحة الأوّلي. أعمدة النصوص هي أعمدة البناء التشكيلي. أرجوحة للإطلال على ما وراء جداري حديقة الواقع: الشعر والرسم.
جَدل الكتابة الخارجة عن الكلمة مع ما تلتقطه اليد. جَدَل الفكر والملموس تحت غواية العين.
2
إذا كان شعر أدونيس شعراً ملحمياً يسأل الكون والإنسان والجمال والصيرورة، ويحتار في نبوءة الأشياء والطبيعة، شعراً يحمل ذاكرة اللغة وفنونها وبراعتها، ويعتنق البلاغة مذهباً في الاختزال للوصول إلى الجوهر، فإن الشاعر في رسوماته يكتب قصائدَ غير مقروءة، يحضر العالم على سطحها بأشيائه الموشومة بأثر الإنسان أو بأثر الطبيعة. أشياءٌ -مادة للتأمل أكثر مما هي أشياء للرسم. الشاعر يجد في خربشات الرسم سلاسة الكتابة خارج القواعد المملوءة وخارج الصرف والنحو والوزن. يجد لغته البيولوجية والحسية لا لغة القاموس والماضي والدلالات.
3
يندر أن يلجأ أدونيس إلى اللون مادةً تصويريةً وعجينة، وإنما يأتي اللون مع المادة الملصقة، أسودَ ترابياً أرجوانياً صدئاً خشبياً، ألوانٌُ مستعارة من تقاليد الكولاّج، من قصاصات القماش وتعريقات عبث التآكل لما يمكن استعماله وما يتيح للصمغ أن يثبّته على الورق.
وربما في سيطرة الأسود تذكير بحبر الكتابة.
وربما في تقشف الألوان إخلاص لتقاليد المخطوطة.
وكيف لنا أن ننسى أن بالحبر والورق وحدهما يعمل الشاعر.
في اللجوء إلى الكولاّج، الذي هو ضرب من ضروب النحت البارز والنحت الغائر، تضادٌّ وتعاكسٌ مع الكتابة. الكتابة ملساء، صقيلة، جرافيكية، تسير على سطور أو في أنساقٍ منضبطة، وفي اللغة العربية هي أفقية حصرياً. وأما الكولاّج في قبالتها فهو عفوي، شاقولي، أفقي، ذو سماكات وملامس لا نهائية. مسوِّغ استعماله كسر النسق الكتابي أو تحويل مساره. وهو بذاته ليس توضيحاً للنص وليس من صُلبه بل نقيضه ومكمّله في آن، وكأن به غاية في تغيير ورق الكتب إلى صفحات للرسم والنحت، صفحات تتنكر للكتابة بوصفها كلاماً مرصوفاً وترى بها شبكات غرافيكية تدور حول الشكل الملصق، تتقاطع معه، أو تجري من تحته.
الخطُّ خيطٌ وتخطيط
الخطُّ شِعرٌ وشَعْرٌ
الخطُّ سِلكٌ ومَسْلَك
هو شاشٌ ونسيجٌ، عودٌ وقَصَبٌ
الخطُّ ظِفرٌ وضفيرة، زجاجٌ ومعدن وشفافات بلاستيكية
مسمارٌ ومِحزَقة، فلّين ونبيذ وعلامة
هو فاصلةٌ ونقطة حبر، أو شريط صمغ.
الكولاّج هو العالم المرئي، الملموس، الشيء بذاته لا صورة الشيء. الشيء في صيرورته لا الشيء المتخيّل، الشيء باسمه لا بدلالته، الشيء موضوعاً على الصفحة لا الصفحة التي تُثاقفُ موضوعاً.
ولكن أين التجريد في ذلك؟
الشيء الملصق على البياض الأجرد هو تجريد لمعناه المألوف والمطروق كونه هجر بيئته الأساسية، أو استعماله الدارج، ليستقر في العمل الفني. لتبدّله من عنصر طبيعي أو صناعي إلى عنصر مفهومي. لوجوده في صلب التأمل والتساؤل والتغيُّر. لتحوّله إلى لُغزٍ في محيط الكتابة.
4
في باب آخر يطرق أدونيس صناعة أخرى: نحت الفراغ.
لأعماله ثلاثية الأبعاد استقلالية كاملة عن الكتابة. وهي ليست نحتاً وإنما هي تركيب نحتيٌّ لكل ما تلتقط يده، ولكلِّ ما يسمح بتشكيله لاحتلال فضاء منمنم. إنها أعمال لا تدّعي النصبية ولا تسكن الساحات والشوارع، بل تعتلي منصّات الطاولات والشبابيك ومحطات القراءة. تركيبات تتجنب الصقل والتزويق والحرفة، وتؤالف مواد غير متآلفة، يوحدها منطق الإنشاء وضرورة التناسق، قانونها دادائي وجذورها في الإيحاء والإشارة. مَثَلُ أدونيس في ذلك مَثَلُ صانعُ دمى لعبادة الريح، أو صانع صناديق ثمينة لحصى الأرض والوديان والشواطىء، لبازلت كريم أو لفخار مُبتَذَل.
تلتصق مقومات العمل بالصمغ أو بالمعنى أو بترتيب الفوضى والاحتمالات. ولكنها مقومات تبدو، دائماً، مهددة بالانهيار، هشّة ، مائلة نحو مصدرها الأوّلي: الأرض.
منحوتات صلبةُ الجسد ولكنها ترتدي ثياب الزوال.
5
يندرج عمل أدونيس التشكيلي في باب اللَّعِب كمثل سائر الفنون. وفي تحديدٍ آخر، لا ينفصل عن تقنية الكتابة بمعناها الكبير. فإذا كانت الكتابة في نشأتها الأولى تجريداً وترميزاً فهي رسمٌ في حالتها المطلقة.
يلاحظ الرسّام: ما أكبر سرير القصيدة في الكتاب وما أعلى منبر الشاعر؛ ألم يحنْ وقت عودة القصيدة إلى الجدار؟
كم هي متفرِّدة تلك المعلّقات.

زياد دلول
فنان سوري مقيم في باريس
باريس، 10 أيلول 2007

انك " فقير إلى الآخر " كما هو فقير إليك " وأنك محتاج إلى الآخر ، كما هو محتاج إليك
الأب جورج

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 

- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 



- ابو شريك هاي الروابط الي بيحطوها الأعضاء ما بتظهر ترى غير للأعضاء، فيعني اذا ما كنت مسجل و كان بدك اتشوف الرابط (مصرّ ) ففيك اتسجل بإنك تتكى على كلمة سوريا -
 


  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04419 seconds with 11 queries