عرض مشاركة واحدة
قديم 24/02/2008   #2
شب و شيخ الشباب Moonlights
عضو
-- أخ لهلوب --
 
الصورة الرمزية لـ Moonlights
Moonlights is offline
 
نورنا ب:
Nov 2007
المطرح:
فوق جبل بعييييييد
مشاركات:
263

افتراضي


أركون : بالطبع. ولكن هذا التيار الأصولي (أو السلفي) ابتدأ يترسّخ وينتصر منذ القرن الثالث عشر, وهو ليس من اختراع اليوم. الأصوليون الحاليون لهم جذور في الماضي, بل وفي الماضي البعيد كما ترى. إنهم يشتغلون, أو قل يترعرعون, داخل أرضية مؤاتية ومناسبة, أرضية تمّ التمهيد لها منذ زمن طويل. من هنا سرّ قوتهم وانتشارهم السريع. فالمدارس الفقهية انتشرت في مختلف البلدان الاسلامية, وكل بلد حبّذ أحد المذاهب على ما عداه: ففي تركيا حبّذوا المذهب الحنفي, وفي السعودية الحنبلي, وفي مصر الشافعي, وفي المغرب الكبير المالكي, وفي ايران الجعفري الشيعي ... الخ. وهذا التخصّص الضيق يُعتبر تراجعاً عن التعددية العقائدية والفكرية التي كانت سائدة في العصر الكلاسيكي أو العصر الذهبي من عمر الحضارة العربية- الإسلامية. كانت التعدّدية ممكنة قبل الدخول في عصر التكرار والتقليد والاجترار ( أي عصر الانحطاط وإقفال باب الاجتهاد). ولذا فلا يكفي القول بأن الأصولية شذوذ عن الإسلام, أو لا علاقة لها بالإسلام.... فهذا لا يحل المشكل. المشكل أعمق من ذلك ويشمل الأصوليين وغير الأصوليين. والأصوليون أشخاص يعرفون ليس كل نصوص الفكر الإسلامي بالطبع, وإنما الاتجاه الذي انتصر عبر التاريخ, أي المذاهب السنّية من جهة / والمذاهب الشيعية من جهة أخرى. ولكن المذهبين السنّي والشيعي تعرّضا لجمود خطير أو لتقلّص فكري خطير بدءاً من القرن الثالث عشر. واستمر ذلك حتى القرن العشرين, أي حتى يومنا هذا. وهذا الانغلاق التاريخي لم يُدرس حتى الآن بشكل علمي من قِبَل المسلمين. ولو أنه دُرس لفهموا أن الوضع الراهن الذي نعاني منه يعود إلى تلك القرون المظلمة التي دخلنا فيها ولم نخرج منها حتى الآن.
هذا يعني أننا ورثة هذه القرون الخالية من المضمون أو الغنى الفكري والعقائدي, ولسنا ورثة إسلام العصر الكلاسيكي المجيد ( الإسلام الكلاسيكي يشمل القرون الهجرية الستة الأولى, أي بالتقريب حتى وفاة ابن رشد). هذه حقيقة تاريخية لا مجال للشك فيها. وبالتالي فينبغي أن ننظر إلى الأمور نظرة تاريخية لكي نفهم لماذا تزدهر الأصولية وتنتشر في كل مكان. هذه أشياء لا يمكن فهمها إذا ما نظرنا إلى الأمور ضمن شريحة زمنية قصيرة, أي من خلال العشرين سنة الماضية ( لنقل منذ اندلاع ثورة الخميني عام 1978 ). ينبغي أن نموضع الأمور ضمن منظور المدة الطويلة للتاريخ كما يقول المؤرّخ الشهير فرنان بروديل لكي نفهم سرّ هذه الظاهرة المنتشرة حالياً في شتى أنحاء العالم الإسلامي. لكي نفهم جذور الظاهرة الحالية ينبغي أن نعود ثمانية قرون إلى الوراء. هكذا تجد علم التاريخ يضيء لنا الأمور بشكل لم يسبق له مثيل من قبل إذا ما عرفنا كيف نستخدم منهجيته أو كيف نطبّقها على تراثنا الإسلامي العريق.
فهو يجدد الفكر النقدي داخل الإسلام, ونحن أحوج ما نكون إليه الآن. وهو بالإضافة إلى ذلك يفتح الفكر الإسلامي على منهجيات العلوم الإنسانية ومصطلاحاتها ومكتسباتها المعرفية التي يستحيل علينا بعد اليوم أن نتجاهلها. هكذا تجد أن تطبيق المناهج الحداثية على دراسة التراث الإسلامي شيء ليس فقط مستحباً, وإنما ملحُ وعاجلُ لكي نحرّر الفكر الإسلامي من عطالة الزمن ورتابة القرون.

هاشم: ولكن عندما ابتدأوا يطبّقون المنهج التاريخي على المسيحية في القرن التاسع عشر حصل رد فعل هائج وعنيف من قِبَل الأصوليين المسيحين. واتهموا المجدّدين بالتخريب والخروج على الإيمان وتدمير التراث ... الخ.

أركون : نعم نعم . هذا صحيح. ولكن ماذا تريدنا أن نفعل؟ إما أن نتحرك ونحرّك الأمور, وإما أن نستسلم للأقدار. ينبغي أن نفعل شيئاً تجاه الحالة الراهنة. لا نستطيع أن نقف مكتوفي الأيدي تجاه ما يجري. إن تجربة المسيحية في القرن التاسع عشر مع الحداثة تدّلنا على أننا نقف أمام سيكولوجيا دينية مشتركة لدى الأصوليين المسلمين كما لدى الأصوليين المسيحين. وهذا أكبر دليل على أن المناهج نفسها تنطبق على جميع التراثات الدينية. وأعتقد أن العلوم الإنسانية والاجتماعية سوف تغتني وتنال مصداقية أكبر إذا ما طُبّقت على التراث الإسلامي. وذلك لأنها حتى الآن لم تُطبّق إلا على التراث المسيحي الأوروبي. وهذا لا يكفي لترسيخ مصداقيتها. ينبغي أن نطبّقها على تراث ديني آخر طويل عريض كالتراث الإسلامي لكي نمتحن مدى مصداقيتها ومصداقية منهجها ومصطلحاتها أكثر فأكثر. في الواقع إن هذا ما كان المستشرقون الكبار قد يفعلونه منذ القرن التاسع عشر. وقد أثارت أبحاثهم ردود فعل هائجة في أوساط المحافظين الإسلاميين, مثلما أثارت أبحاث زملائهم ردود فعل الأوساط المسيحية المحافظة عندما طبّقت المناهج ذاتها على التراث المسيحي. هكذا تجد أن المقارنة تضيء لنا الأمور حقاً, ولا ينبغي أن نظل مسجونين أو منغلقين داخل جدران بيتنا أو تراثنا. وإنما ينبغي أن ننفتح على التراثات الأخرى لكي نرى ماذا يحصل فيها؟
ماذا أقصد بالنفسية الدينية المشتركة لدى المسلمين كما لدى المسيحيين؟ أقصد أنه ما إن تتشكل العقلية الجماعية طيلة عدة قرون من خلال التعليم المدرساني ( أو السكولاستيكي) حتى يصبح من الصعب جداً تحرير العقول من هذه العقلية التفليدية المكرورة أباً عن جد. ما إن تنجبل هذه العقلية الجماعية كالاسمنت المسلح من خلال أداء الفرائض والشعائر اليومية والأعياد الدينية حتى يصبح من الصعب جداً تحرير الناس من العقلية الشعائرية. ولكن الفرق بين الجهة المسيحية الأوروبية / والجهة العربية الإسلامية هو أن الجهة الإسلامية لم تتعرّض للدراسة العلمية حتى الآن. وكنا نتوقع أن يحصل ذلك بعد نيل الاستقلال. ولكن معظم الأنظمة السياسية راحت تفصل بين تعليم الدين من جهة / وبين تدريس العلوم الإنسانية والفلسفية من جهة أخرى. بل ونلاحظ أن العلوم الإنسانية لم تدخل في برامجنا التعليمية بشكل كافٍ حتى الآن, هذا إذا ما دخلت. كيف يُمكن للأمور أن تتطوّر أو أن تتزحزح عن مواقعها التقليدية في مثل هذه الظروف؟ ولماذا تستغرب انتصار تيار الإسلام الأصولي الضيّق والمتزمت على تيار الإسلام العقلاني والمنفتح والمتسامح؟ لا يحق لنا إطلاقاً أن ندهش لما يحصل اليوم. إن ما يحصل تحت أعيننا اليوم في الجزائر أو مصر أو أفغانستان أو باكستان ... إلخ, شيء طبيعي جداً ومفهوم ولا ينبغي أن يثير أي استغراب.
يوجد إذن تأخر مريع في التدريس الجامعي العربي – الإسلامي. وتعكس ذلك مقالات كل الصحف والمجلات والكتب. ويكفي أن نفتحها لكي نتأكد من ذلك. وتعكسه أيضاً كل المناقشات التكرارية والاجترارية الجارية في العالم العربي حالياً. إنها تكرّر الكلام نفسه وتقول : لا لا. لا تخلطوا بين جميع المسلمين وبين الأصوليين. فالأصولية شيء والإسلام شيء آخر. ولكن هذا كلام امتثالي كسول لا يصمد أمام الامتحان. إنه غير مقبول إذا ما نظرنا إلى الأمور من الناحية التاريخية. وذلك لأنه يوجد في النسخة الأصولية للإسلام شيء من الفكر الإسلامي. وهذا الشيء هو الفكر الأصولي المعتمد على أصول الدين وأصول الفقه. وهذه الأصولية التي تُشكّل المرجعية الكبرى للمسلمين اليوم لم تتعرّض حتى الآن لمراجعة نقدية جادّة على ضوء علم التاريخ الحديث, وعلم الألسنيات الحديثة, وعلم الاجتماع, وعلم النفس التاريخي وبقية العلوم الإنسانية والاجتماعية. لا تزال أصول الفقه وأصول الدين تُدرّس حتى اليوم في كلّيات الشريعه والمعاهد التقليدية كما كانت تٌدرّس في القرون الوسطى! فكيف تريد إذن أن ينهض جيل عربي أو إسلامي جديد, جيل منفتح ومتحرر من عقلية القرون الغابرة؟ بل إن هذه الأصول كانت تُدرّس في العصور الوسطى الأولى بشكل أفضل مما هي عليه الحال اليوم. لماذا؟ لأنه كانت تحصل آنذاك مناظرات بين المذهب الشافعي والحنفي والمالكي, بل وحتى بين المذهبين السنّي والشيعي. ظلّت المناظرات تحصل بشكل سلمي بين الشيعة والسنّة حتى القرن العاشر الميلادي, أي أثناء الفترة التعددية المبدعة من عمر الحضارة العربية – الإسلامية. ثم انقطعت بعدئذ وأصبح هذان المذهبان معزولين عن بعضهما البعض, بل ومتخاصمين كلياً وكأنما يفصل بينهما سور الصين! ... أصبحا و كأنهما لا ينتميان إلى الدين نفسه, أو القرآن نفسه, أو النبي نفسه ....
لقد اختفى الحوار السنّي – الشيعي عكلياً من الساحة بعد القرن الحادي عشر الميلادي وانتصار السلجوقيين. السلجوقيين الأتراك هم الذين دشنوا العزلة التاريخية بين المذاهب الإسلامية, وهم الذين أقفلوا باب الاجتهاد وقضوا على التعدّدية العقائدية في أرض الإسلام. ولذلك يٌؤرَّخ الانحطاط ببداية عهدهم.

We ask the Syrian government to stop banning Akhawia and all Syrian sites

القمر بيضوّي عالناس
والناس بيتقاتلوا .
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05931 seconds with 11 queries