عرض مشاركة واحدة
قديم 10/01/2008   #1
صبيّة و ست الصبايا اسبيرانزا
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ اسبيرانزا
اسبيرانزا is offline
 
نورنا ب:
Jun 2007
المطرح:
مصر ام الدنيا
مشاركات:
2,585

إرسال خطاب MSN إلى اسبيرانزا
افتراضي اول خربشة لنجيب محفوظ


من أوائل الأعمال الأدبية التي نشرت للأستاذ، وهي «أقصوصة مصرية» كما سماها تحمل عنوانه «حكمة الموت»، وقد نشرت في مجلة «الرواية» في عددها في 15 أغسطس عام 1938، ثم طواها النسيان إلي أن بعث إلينا بها المهندس محمود الكردي ابن شقيقة الأديب الراحل.


حكمة الموت
أقصوصة مصرية
بقلم: الأديب نجيب محفوظ
مضي شهر تقريبًا وحضرة محمد أفندي عبد القوي يشعر بتوعك المزاج. آيته همود في الجسم وثقل في الدماغ ووهن ـ يشتد حينًا ويخف أحيانًا ـ في الساقين، وقد سكت عن حالته الطارئة طوال الشهر وهو يعللها بكثرة العمل تارة وبإدمان السهر تارة أخري، وفعلاً طلب إجازة قصيرة وكف عن السهر راجيًا أن تعود صحته إلي حالتها الطبيعية.. وانتظر علي هذا الرجاء أيامًا وما تزداد حالته إلا سوءًا حتي لم ير بدًا من استشارة طبيبب. وقال له الطبيب ـ بعد أن فحصه بدقة وعناية ـ إنه مصاب بضغط الدم وأشار عليه بالتزام الراحة أيامًا وبالاقتصار علي الطعام المسلوق والفواكه، والامتناع عن تناول اللحوم الحمراء وتعاطي الخمور ثم وصف له الدواء اللازم.
ورجع محمد أفندي من عيادة الطبيب خائفًا مذعورًا كثير الهم والفكر.. وقد يكون هذا ـ في ظاهره علي الأقل ـ غريبًا لأن الضغط لم يكن شديدًا، ولأنه من الأمراض التي يمكن تلافي خطرها بالعناية والحرص في اختيار الطعام والطعام والشراب، ولأن محمد أفندي شاب في الخامسة والثلاثين فلا ينذره الضغط بما ينذر به ذوي الستين أو السبعين. والأعجب من هذا كله أنه لم يكن غافلاً عن هذه الحقائق ولكنه في الواقع لم يخش المرض في ذاته قدر ما خشي التاريخ أعني تاريخ أسرته. فهو يذكر أن أباه أصيب بالضغط وهو في مثل عمره تقريبًا ويذكر أنه لم يقاومه طويلاً فساءت حالته وأصابه الشلل فقضي في عنفوان شبابه وقوته. ولم يكن موت أبيه في عنفوان شبابه حادثًا غريبًا في أسرته، فهكذا قضي جده من قبل ولم يجاوز الأربعين.. إن ذاكرته لا تحفظ له من حياة والده إلا آثارًا خفيفة لأنه توفي وهو ـ أي محمد ـ غلام صغير، ولكن صورة المرحوم المعلقة بحجرة الاستقبال أثر باق يشهد بالشبه العظيم بين الابن وأبيه، وإن الناظر إلي الصورة ليقتنع بهذه الحقيقة التي تدل علي أثر الوراثة.. فالجبهة المربعة والعينان العسليتان المستديرتان، والأنف الكبير المائل إلي الفطس، والفم العريض المغطي بالشارب الغليظ، والوجه الممتلئ والجسم البدين.. جميع هذه معالم مكررة بين صورة الراحل والشخص الحي كالأصل وصورته، وكأن صاحب الصورة هو محمد نفسه في ثياب بلدية.. الجبة والقفطان والعمامة..
يا له من شبه عجيب! ولم يكن غافلاً عنه ولكن خيل إليه عندئذ أنه يفطن إليه لأول مرة في حياته أو أنه اكتشف فيه مغزي كان عنه خافيًا..
ولا مراء في أن الشبه بينهما لم يقف عند حد الشكل فطالما سمع والدته تنوه بأوجه الاتفاق بينه وبين أبيه في الخلق والطبع في المناسبات المختلفة.
فكان إذا احتد وغضب لأتفه الأسباب تنهدت وقالت: «رحم الله أباك.. ليته أورثك غير هذا الطبع طبعًا هادئًا».. أو إذا جلس إلي الحاكي ينصت في انتباه ويهز رأسه في طرب قالت وهي تبتسم له: «ابن حلال يا

شُذَّ، شُذَّ بكل قواك عن القاعدة
لا تضع نجمتين على لفظة واحدة
وضع الهامشيّ إلى جانب الجوهريّ
لتكتمل النشوة الصاعدة
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04203 seconds with 11 queries