عرض مشاركة واحدة
قديم 12/02/2006   #118
شب و شيخ الشباب Tarek007
عضو
-- مستشــــــــــار --
 
الصورة الرمزية لـ Tarek007
Tarek007 is offline
 
نورنا ب:
Mar 2005
المطرح:
Damascus
مشاركات:
3,584

افتراضي لماذا نقد الدين??


لماذا نقد الدين ( وخصوصا الإسلام ) ؟ وما الفائدة المرجوة من ذلك ؟؟ وهل انتهت جميع مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى نفرغ لنقد الدين ؟ أوليس الأولى تركيز النقد على الأنظمة السياسية الاستبدادية وحشد الطاقات لمواجهة الهجمة الأمريكية التي تستهدف دولنا العربية والإسلامية ؟ أليس نقد الدين ( خصوصا الإسلام ) هو في نهاية المطاف إهانة للمقدس الديني وجرح للمشاعر الدينية ؟؟..
أسئلة وجهت لي مرات عديدة .. بل أزعم أنها كانت الأسئلة الحاضرة في أعقاب أي مقال نقدي أنشره في الإنترنت .. وهي أسئلة مشروعة دون أدنى شك، ولكن مشروعيتها لا تأتي من خلل منهجي في مبدأ نقد الدين أو عدم جدواه المعرفي مثلا .. لا .. فتلك الأسئلة إنما تكتسب مشروعيتها من غياب قيمة الحرية بشتى أشكالها وتجلياتها في الواقع العربي، وضمور الحس النقدي عند المواطن العربي، والخوف المرضي من كل جديد ( ربما نتيجة هيمنة الثقافة الأمنية العربية !! ) وهذا ما يجعل الطرح النقدي للدين عموما والإسلام خصوصا طرحا غريبا على مسامع العربي، وبالتالي محاطا بسلسلة من التساؤلات وعلامات التعجب من جدواه وضرورته .. وربما الشكوك في نوايا من يمارسه أيضا !! .. ولذلك من الضروري في رأيي استيعاب هذا المنطق الرافض لنقد الدين، فهو رد الفعل الطبيعي والمنتظر ممن لم يعتد بعد على قبول ثقافة التعددية الفكرية، ولم يستوعب فكرة وجود آخر يختلف معه فكريا، ولكن من المهم أيضا تقديم رؤية منهجية معرفية لنقد الدين كضرورة فكرية وحق إنساني..
في رأيي الشخصي يكتسب النقد المعرفي للدين عموما، والإسلام خصوصا أهمية كبيرة تتجلى في النقاط التالية:
1- نقد الدين وظيفة معرفية :
لا شك أن النقد الفكري هو عملية معرفية حيوية وهامة جدا، فهو الركيزة الأولى للتطور الفكري الاجتماعي، وهو المحرض الأول على التفكير، هو باختصار شديد تعبير عن حيوية العقل الإنساني وتجدده وقابليته للإبداع والتطور، وضمن هذا الفهم فإن نقد الدين يؤدي وظيفة معرفية، وهي تفكيك البنية الفكرية للدين، وتقديم فهم جديد له في منظوره الإنساني والتاريخي، كظاهرة إنسانية وصناعة بشرية محضة، وتراكمات من الخبرات والموروث الاجتماعي، مبتوتة الصلة بأي مصدر غيبي علوي، بل أزعم أن التعاطي الإيجابي مع نقد الدين يصب في مصلحة الدين نفسه!!، إذ أنه وسيلة إلى إعادة النظر في البنى المعرفية السلبية المحيطة به، وتسليط للضوء على الجوانب الاشكالية فيه، بما يدفع أتباعه إلى مراجعة تصوراتهم الدينية وأنسنتها وتطويرها.
2- نقد الدين حق إنساني :
إن مقياس الرقي الإنساني والنضج السياسي والحضاري، يتلخص في قدرة الإنسان على التعبير عن أفكاره، والعمل من أجلها بحرية دون خوف من الملاحقة أو الاضطهاد، أو الإعدام المعنوي أو المادي !! ، وعندما يمتلك الإنسان القدرة على المجاهرة بأفكاره والعمل من أجلها، عندها فقط يمكننا الحديث عن مجتمع ديمقراطي حقيقي، يفسح المجال للمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار .. وضمن هذا الفهم تحديدا أنظر إلى نقد الدين، على أنه تعبير صادق عن حرية الرأي والتعبير والحق في الاعتقاد الفكري ، فمن حق كل شخص أن يتبنى قناعات فكرية معينة ويدعو إليها ويعمل من أجلها ، ولا يُسمح لأحد بأن يحجر على هذا الحق أو يصادر حرية الإنسان في التعبير ..
إن الدين حق من حقوق الإنسان .. وأنا أول من يدافع عن حق الإنسان في اعتناق دين والدعوة إليه وممارسة شعائره .. ولكني في ذات الوقت أدافع عن الحق المقابل، في ألا يكون للمرء دين أصلا ، وأن يعبر عن قناعته الفكرية حيال الدين بحرية .. فمن أراد أن ينتمي إلى دين فهذا حقه .. ومن أراد أن يتحرر من الدين فهذا حقه أيضا .. ولكن المهم .. أن يحترم كل طرف وجهة نظر الطرف الآخر، ويؤمن بحقه في التعبير والوجود والحياة ..
أنا لم أحاول في يوم من الأيام أن أمارس تبشيرا لادينيا أو دعوة إلحادية ، فعقيدتي الوحيدة هي حرية الإعتقاد الفكري والحق في التعبير، ولكني في ذات الوقت أفهم الحرية على أنها حق متبادل وممنوح للجميع وبنفس المقدار، فكما أن من حق المتدين أن يؤمن بدين ويعمل من أجله فإن من حقي أن أؤمن بما أراه صوابا وأعمل من أجله، وأعبر عن أفكاري وقناعاتي حيال الدين بحرية، وكما أن من حق الفرد أن يكون له دين إن شاء فإن من حقي أن أترك ديني إذا شئت ..وضمن هذا الإطار فأنا أنظر إلى كتاباتي النقدية، على أنها ممارسة لحرية الرأي والتعبير في زمن ضاق فيه هامش الحرية، وسُدت في وجهنا منابر التعبير ..
ولعل الرد الجاهز عند معارضي نقد الدين هو :
مارس حريتك كما تشاء .. ولكن لا تنقد الدين !! .. ..
وهنا نقول : في الحرية لا توجد حلول وسط، فإما حرية وإما لا حرية ، فالحرية لا تقبل التجزئة أو المساومة ، ومن هذا المنطلق فان اللادينية في رأيي جزء لا يتجزأ من مفهوم الحرية بشكلها الإنساني والسياسي ..
3- نقد الدين خطوة اصلاح ودعوة تجديد وتطوير :
لم يعد الدين ( خصوصا الإسلام ) بمنأى عن الحياة أو مجرد علاقة روحية مجردة، بل أصبح الدين اليوم جزءا من مشروع سياسي واقتصادي وقانوني وثقافي .. ومن هنا تزداد أهمية نقد الدين، بحكم كونه نقدا للمنظومة الفكرية والموروث الثقافي التي يبني عليه المشروع السياسي الإسلامي، بكافة إفرازاته وتداعياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، تلك المنظومة التي تتحمل جانبا من المسؤولية عن تخلفنا الإنساني والحضاري، وتسوّق على أنها البديل الإيماني لكافة الأنساق الفكرية والسياسية الموجودة ..
إن نقد الدين – ضمن هذا الإطار - رد فعل وليس فعل .. وسيلة وليس غاية بحد ذاته ..
رد فعل لمن يرفض دعوتنا إلى علمنة الدولة والقوانين والتشريعات، وترسيخ مبدأ المواطنة العادلة التي لا تميز بين مسلم وغير مسلم، ذكر أو انثى، إسلامي أو علماني، سني أو شيعي ، فيرفض كل هذا ويراه ببساطة كفرا بواحا مناقضا للإسلام، ويحتج علينا بالقرآن والسنة ويطالبنا بالإنصياع لهما وإلا فسيف الردة في انتظارنا ..
رد فعل لمن يكفّر مطالبنا بحق الإنسان في رسم حاضره ومستقبله بإرداته ..
رد فعل لمن يقابلني بالاستنكار والاستعلاء والاستصغار والاستهجان ويلحّ علي بسؤال مبطن بالشك بصدق نواياي : هل يوجد عاقل يترك دين الحق ؟؟!!! ..
عندما نجد الرد الجاهز على طروحات العلمانيين الليبراليين هو : العلمانية والليبرالية كفر !!! فأعلم أن المشكلة في المنظومة الفكرية التي شكلت وعي هؤلاء .. عندها .. يكون النقد ضرورة وليس ترفاً أو ثرثرة ..
كلنا نحارب الاستبداد والقهر السياسي والفساد .. كلنا نحارب الفردية السياسية وانتهاك حقوق الإنسان وسرقة أموال الأمة .. كلنا نحمل هما واحدا هو : الحرية والديمقراطية .. ولكننا ندرك أن أي تحرك حقيقي في اتجاه الحرية والديمقراطية، يجب أن يكون ضد كل ما يحجر على الحرية والديمقراطية .. وأعتقد أن الفكر الديني عمل ويعمل على التصدي لأي إصلاح حقيقي في طريق الحرية والديمقراطية الحقيقية ..
نحن العلمانيين العرب ضحايا نوعين من الاضطهاد : اضطهاد الحكام العرب الديكتاتوريين .. واضطهاد رجال الدين الذين يرفعون سيف التكفير في وجوهنا، ويستحيل أن تنمو ديمقراطية حقيقة تؤمن بحق الآخر في الوجود والعمل، في جو مشبع بأفكار دينية تعيد فرز المواطنين على أساس ديني، وتقدم النقل على العقل .. ونحن إنما نعمل في سبيل الحرية والديمقراطية، ضد كل ما يحاربها ويعوق انتشارها سياسيا كان أم فكريا ..
كل الأنظمة العربية هي ديكتاتوريات عسكرية تفتقر إلى الشرعية، وتعيش على اغتصاب حقوق الإنسان .. ونحن نناضل ضدها .. ولكننا في ذات الوقت نناضل ضد الدعوات التضليلية التي تريد أن تستبدل الديكتاتوريات العسكرية، بديكتاتوريات دينية لا تختلف عنها سوى في الشكل والغلاف ..
باختصار شديد جدا أقول : هدفي هو ممارسة حقي الفطري والإنساني في الكلام والتعبير عن قناعاتي الفكرية ..00
هدفي هو ترسيخ ثقافة قبول الآخر المختلف مهما بلغت درجة الإختلاف ..
ما أحاربه وأعاديه هو التطرف والإنغلاق والتعصب الديني، وتحقير العقل البشري والدعوة إلى تحجيمه، وتكبيل الإنسان بأغلال دينية، وفرز البشر على أساس طائفي، وتوزيع الحقوق السياسية بل والإنسانية حسب الإنتماء الديني .. وكلها للآسف نتائج حتمية للفكر الديني ..
أنا لا أنقد الدين كرها له كما قد يتوهم البعض .. قطعا لا ( بل لم أفهم أساسا ما هي الأسباب التي قد تدعوني – برأيهم – إلى كره الإسلام ؟؟ وأنا الذي عشت سنينا طويلة من عمري مسلما ملتزما )، أنا أنقد الدين لأظهر للمتدين نسبية الحقيقة، وأن ما يؤمن به ليس هو بالضرورة الحقيقة القاطعة التي لا تقبل الشك أو الجدل .. وبالتالي ليس له الحق في أن يفرض فهم الدين ونظمه وتشريعاته على البشرية، ويصادر حق الإنسان في رسم حاضره ومستقبله واختيار مصيره بحجة عصمة الدين ..

عـــــــــــــــــــــــــــــبـــــــــــــــايــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة






زورو موقع الدومري :
http://aldomari.blogspot.com
 
 
Page generated in 0.05853 seconds with 11 queries