في باب الحارة: (أمرك ابن عمي) فتنت المشاهد السعودي
حظي المسلسل السوري (باب الحارة) منذ عرض جزئه الأول في العام الماضي بنسبة مشاهدة عالية وأعتقد أن هذه النسبة هي التي حفزت القائمين على العمل لإنتاج الجزء الثاني، ولن نتحدث عن نقاط القوة والضعف في العمل حيث إن نسبة المتابعة من فئات مختلفة دليل على نجاح العمل رغم أنه لا يناقش قضايا معاصرة وإنما ينقلنا لعصر الحارات والبيوت الدمشقية القديمة التي مازالت تحفظ مكانتها في نفس المشاهد العربي وذلك حسب استطلاعات بعض المواقع الالكترونية المهتمة بالدراما التلفزيونية.
أظن أن من العوامل الرئيسية لانجذاب الرجال لهذا المسلسل طاعة المرأة العمياء لزوجها فقد كان لهذا السلوك وقع عميق ومغر داخل نفس المشاهد السعودي وربما العربي وأصبح هذا العمل متنفسا لأحلامهم خاصة المتزوجون!! أتصور أن مسلسل (باب الحارة) رفع مؤشر أسهم المرأة السورية لأعلى مستوياته وقد سبقه مسلسل (باب الصالحية)، فمن شدة طاعة المرأة لزوجها تناديه (ابن عمي) تكريماً له حتى لا تناديه باسمه، فضلاً على تقبيل يد الزوج عند خروجه من المنزل أو حضوره إليه ودعاءها له في الحالتين وكلمات التدليل (تقبرني، أمرك ابن عمي) ووقوفها عند دخوله وسيرها خلفه عند رغبته للخروج كل هذه التصرفات جعلت المشاهد السعودي يتابع المسلسل وهو يضرب المثل بالمرأة السورية.
هذه الأعمال عززت من انتشار النكتة السعودية التي تقارن بين المرأة السعودية وتصورها بشكل جاف وجلف وأنها دائمة التحطيم لزوجها حتى لو اشترى الخضار والفواكه ونعتها له بالمغفل الجاهل الذي يسهل اللعب عليه لإحضاره خضاراً فاسدة بينما المرأة السورية تأخذ المشتريات وهي تدعو له بطولة العمر ودوام العافية دون النظر لصلاح المشتريات!! والنكتة في العادة تعبير ضاحك عن حالة غير مرضية. يقول الدكتور (زكريا إبراهيم) في الفصل الثاني من كتابه (مشكلة الحب) -وهو من ضمن سلسلة مشكلات فلسفية ناقشها في إصدارات سابقة-: (يحاول مذهب (شوبنهور) استخلاص المحبة من الشفقة فيقرر أننا لا نحب الآخرين إلا بقدر ما نراهم يتألمون وبالتالي بقدر ما نتعاطف معهم ونحنو عليهم ومعنى هذا أن للحب طابع الشفقة والرحمة والإحسان) انتهى.
وقياساً على وضع المرأة في المسلسل فإن سلوك الخضوع والطاعة العمياء هو سلوك المسكين القادر على تحريك الشفقة والرحمة (حتى لو كان صادرا بدافع الاحترام) فهو يعطيك كطرف أول شعور القوة على الطرف الثاني وعدم قدرة الطرف الثاني -المرأة- عن الاستغناء عن الرجل وأظن أن سيكولوجية الرجل ترتاح وتستمتع بهذه الوضعية حتى لو زعم برغبته بامرأة تكون نداً له فهذه الندية يقبلها بحدود تفرضها طبيعته الذكورية وتربيته الاجتماعية ومتى ما تجاوزت هذه الحدود يبدأ الضيق والضجر وأحياناً عدم المبالاة تدخل نفس الرجل!! والخضوع الذي فتن الرجل السعودي ليس فقط طاعتها وتنفيذها للأوامر بل قبولها لهذه الأوامر والكلمات التي تخاطب بها الزوج طوال وقتها فعندما يطلب الشاي بصوت آمر حازم يكون جوابها هادئاً وناعماً (على عيني، على راسي) ومعنى ذلك أن الطاعة ليست فقط هي المطلوبة ولكن الكلمات المقابلة لكلمات ولهجة الآمر -الزوج- ومسلسل (باب الحارة) أظهر المرأة بهذا الوضع سواء الزوجة أو الأخت وقد كانت من ضمن عقد المسلسل عندما طلق أبو عصام (عباس النوري) زوجته لأنها قالت له (فشرت) وهي ما تعني بلهجتنا (تخسى، تعقب) وكيف أن هذه الكلمة هدمت بيتاً عاش أكثر من عشرين سنة، وهي في الحقيقة كلمة تستحق المرأة عليها الجزاء.
والمتابع للعمل يرى توازناً نسبياً فالأب لم يسبق له أن شتم الزوجة أو تطاول عليها بما لا ترضى نفسها حتى وإن كان يصدر أوامره بلهجة حاسمة، كما أن الزوج كان يرسل كلمات طيبة تعادل ما يستقبل من زوجته ولم يلزم الصمت ويهز رأسه!! والحزم والهيبة لم تمنعه من رد الكلمات الطيبة بمثلها وأحسن منها، فما لا يعلمه البعض أن في الضعف تكمن القوة، وهو نوع من الحنكة، ووسيلة من وسائل التملك والسيطرة فالقوي يلزم نفسه بالضعيف بدافع الشفقة الذي ينتج عنه الحب أحياناً. وبدافع الإحساس بضياع الضعيف لو ابتعد عنه القوي، كما أن إحساسك بوجود من يحتاجك يشعرك بقيمتك أي أن هذه الشعور النرجسي حصل عليه القوي بفضل الضعيف وسيفقده لو فقد الضعيف
أمل الحسين
جريدة الرياض