عرض مشاركة واحدة
قديم 22/12/2008   #2
شب و شيخ الشباب i m sam
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ i m sam
i m sam is offline
 
نورنا ب:
Jul 2008
مشاركات:
1,245

افتراضي


ورفض الشاعر للاحتلال الأجنبي يظهر في كلِّ سانحة وإن لانت الإشارة واستدارت العبارة؛ فهو يتَّخذ من مراثيه لأبطال الوطنية في مصر من مثل مصطفى كامل، والشيخ الإمام محمد عبده، وسعد زغلول، سبيلاً إلى إنهاض الهمم، واتِّباع المناضلين في تحرير الوطن. فيقول في سعد زغلول عندما تولَّى نظارة المعارف:
يا سعدُ أنت مسيـحُها فاجعـلْ لهذا الموتِ حدَّا
يا سعدُ إنَّ بمصر أيتـاماً تُؤمَّـلُ فيكَ سعــدا
قدْ قام بينهُمُ وبينَ العـلمِ ضيـقُ الحـال سـدا
فارددْ لنا عهـد الإمام وكنْ بـنا الرجل المفدَّى
وعندما نُقل اللورد كرومر من مصر سنة 1907 ودَّعه حافظ بشعره ،متمنياً بسخرية لو أنه بقي لعلَّ مشاعر المصريين تستيقظ، وينهض الشعب لنفض غبار الاستعمار عن عينيه، ويحيا حياة كريمة. فيقول:
قتيلُ الشمس أورثنا حياةً وأيقظ هاجعَ القوم الرُّقودِ
فليت (كرومراً ) قد دام فينا يطوِّق بالسلاسل كلَّ جيدِ
ويُتحفُ مصر آنـاً بعد آنٍ بمجلود ومقـتولٍ شهـيدِ
لننزعَ هذه الأكفانَ عنَّــا و نُبعثَ في العوالم من جديدِ
ويلتفت الشاعر إلى شباب مصرَ، ويثير عواطفه، ويحمِّسه، ويحثّه على الثورة. فيقول:
أهـلاً بنـابتـة البـلاد ومرحـباً جدَّدتم العـهد الذي قد أخلقا
لا تيـأسوا أن تستـردوا مجـدكم فلربَّ مغلوبٍ هوى ثمَّ ارتـقى
مَـدَّتْ له الآمـال من أفـلاكها خيطَ الرجاء إلى العـلا فتسلَّقا
فتجشَّموا للمجد كـلَّ عظيـمة إني رأيت المجـد صعب المرتقى
من رام وصل الشمس حاكَ خيوط ها سببـاً إلى آمـاله وتعلــقا
عارٌ على ابن النيلِ سبَّـاق الورى - مهما تقلَّبَ دهره – أن يُسبقا
دعا حافظ إبراهيم أبناء أمته إلى تحصيل العلم، والسير في ركب الحضارة الجديدة لكي تنهض بالشعب المسكين، وكان له ارتباط شديد بمواطنيه حتى وكأنهم جميعاً في قلبه يتحسس آمالهم وآلامهم، ويقف لهم مرشداً ودليلاً، وكثيراً ما يرثي لحالهم ويهاجم فيهم أسباب الانهيار الاجتماعي ويقول:
وكم ذا بمصرَ من المضحكات كما قال فيها أبو الطيِّبِ
أمـورٌ تمـرُّ، وعيشٌ يمـرُّ ، ونحن من اللـهو في ملـعب
وشعبٌ يفـرُّ من الصالحات فـرار السليم من الأجـربِ
وصحْفٌ تَطِـنُّ طنـين الذبابِ، وأُخرى تُشَنُّ على الأقرب
وهكذا فهو شديد التعلُّق بعروبته، شديد الإخلاص لها، ولكنَّه يكره البكاء على الأطلال، والاكتفاء بذكر الأجداد ومآثرهم،ويدعو إلى السير في هذه الطريق الصاعدة في غير ملل. وهو إذ يتغنَّى بالبلاد العربية كلّها لا ينسى أبناءها المنتشرين في كل مكان من الأرض.
رادوا المناهل في الدُّنيا ولو وجدوا إلى المجرَّة ركباً صاعداً ركبوا
سَعَوا إلى الكَسبِ محموداً، وما فَتِئَتْ أمُّ اللغاتِ بذاكَ السعي تكتسبُ
فأينَ كان الشاميُّون كـان لـها عَيشٌ جديدٌ، وفضلٌ ليس يحتجب
ولئن كان حافظ إبراهيم مصرياً وعربياً شرقياً في اجتماعاته، فقد كان أيضاً إنسانياً يتسع قلبه لبني الإنسان تحت كلِّ سماء وفي كلِّ مكان، فهو يشيد بحضارة الغرب، ويتغنَّى بما وصلت إليه هذه الحضارة في عالم الاختراع والمنعة والاقتصاد، فعندما ضرب الزلزال الشهير مدينة مسينا في جنوب إيطاليا سنة 1908 هبَّ حافظ يرثي المصابين ويرثي معهم الفن والجمال، ويدعو كلَّ إنسان في الدنيا لمساعدة أخيه الإنسان... قال:
نبئاني إن كنتما تعلمان ما دهى الكون أيها الفرقدان
أنتِ مسينَ لن تزولي كما زالت ولكن أمسيت رهن الأوان
إن إيطـاليا بَنُوها بُنـاةٌ ، فاطمئـنّي ما دام في الحي باني
فسـلام عليكِ يوم تولّـيت بما فيـك من معـانٍ حسان
وسلام عليكِ يوم تعوديـن كمـا كنتِ جنَّـة الطليانِ..
لم يتأخر حافظ إبراهيم عن الكفاح ولا تخلَّف عن القادة،بل ظلَّ معهم تحدوه الوطنية، ويحدوه الحماس، حتى إذا نُكبت الأمَّة بموت زعيمها مصطفى كامل وقف معها يبكيه بكاءً حاراً، وهو في هذا البكاء إنما يصوِّر بكاء الشعب الذي يشعر شعوراً عميقاً بمصابه وآلامه يوم موت مجاهده الكبير في ريعان شبابه. فيقول:
تسعون ألفاً حولَ نعشك خُشَّعٌ يمشون تحت لوائك السيَّار
خَطُّوا بأدمعهم على وجه الثرى للحزن أسطاراً على أسطار
آناً يوالون الضجـيج كأنَّـهم ركبُ الحجيج بكعبة الزوَّار
وتخالهـم آناً لفرط خشوعـهم عند المصلَّى ينصتون لقاري
من الظلم أن نقيس حافظاً في شعره الوطني بما نُشرَ منه، فقد عرفنا أن الكثير من شعر حافظ لم يُنشر، وأنَّه كان يكتفي بإنشاده في النوادي والمجالس. وقد نظم بعد إحالته على المعاش قصيدة ثائرة تربو على مائة وخمسين بيتاً، وليس في ديوانه منها سوى أبيات معدودة. وحسبه هذه القلادة الرائعة التي أنشدها على لسان مصر والتي تُغَنَّى في عصرنا وتدور على كلِّ لسان، وهي تلك التي يفتتحها بقوله:
وقفَ الخلقُ ينظرون جميعاً كيف أبني قواعدَ المجد وحدي
وبُناةُ الأهرام في سالف الدهــ ـــر كَفَوْني الكلام عند التحدي
أنا تاج العلاءِ في مفرق الشر قِ ودُرَّاتُـه فرائـدُ عقـدي
أيُّ شيء في الغرب قد بهر الناس جمالاً ولم يكن منه عنـدي
فترابي تـبرٌ ونهري فـراتٌ وسمائي مصقـولة كالفـرند
ورجالي لو أنصفوهم لسادوا من كهولٍ ملء العيون ومُردِ
إنَّهم كالظُـبا ألـحَّ عليها صدأ الدهر من ثَواءٍ وغِمـد
وهذه النزعة العربية والوطنية في نفس الشاعر تظهر في كثير من قصائده، فعندما هبَّت عاصفة العاميَّة التي هددت الفصحى بالحلول محلَّها وناصرها كثيرون، نشر قصيدة بلسان اللغة العربية فيقول:
رجعتُ لنفسي فاتَّهمتُ حصاتي وناديتُ قومي فاحتسبتُ حياتي
رَمَوني بعقمٍ في الشبابِ وليتـني عَقِمْتُ فلم أجزع لقول عِداتي
ولَدتُ ولمـَّا لم أجـد لعرائسي رجالاً وأَكفـاءً وأدتُ بنـاتي
وسِعتُ كتابَ اللهِ لفظاً وغايـةً و ما ضِقتُ عن آيٍ به وَعِظاتِ
فكيفَ أضيقُ اليومَ عن وصف آلةٍ وتنسيـق أسماءٍ لمُخترعــاتِ
أنا البحر في أحشائـه الدرُّ كامن فهل ساءلوا الغوَّاص عن صدفاتي
فيا ويحكم أبـلى وتبـلى محاسني ومنكم وإنْ عَـزَّ الدواءُ أسـاتي
فـلا تكلـوني للزمـانِ فإنـني أخاف عليكم أن تحـين وفـاتي
أرى لرجال الغرب عِزَّاً ومنـعةً وكـم عـزَّ أقوام بعـزِّ لُغـاتِ
أَتَـوا أهلـهم بالمعجزات تفنناً فيا ليتكم تأتـون بالكلمـــاتِ

توفي في الساعة الخامسة من صباح يوم الخميس من عام 1932 وكان قد استدعى اثنين من أصدقاءه لتناول العشاء لكنه لم يشاركهما , بعد خروجهما استدعى غلامه الطبيب فوجده في النزع الأخير .

عندما توفي كان احمد شوقي في الإسكندرية فلم يبلغه سكرتيره بالخبر إلا بعد عدة أيام لعلمه بمدى محبتهما لبعض فقال فيه:

قد كنت أؤثر أن تقول رثائي يا منصف الموتى من الأحياء

اذا لم نعش جميعا متآخين كشعب واحد ....
فان كل واحد منا سيموت وحيدا

بجيب الريح تتلعب معك

www.3tbatt.blogspot.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.09018 seconds with 11 queries