عرض مشاركة واحدة
قديم 19/09/2009   #10
شب و شيخ الشباب Nasserm
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ Nasserm
Nasserm is offline
 
نورنا ب:
Aug 2009
المطرح:
نقطة زرقاء باهتة
مشاركات:
998

افتراضي




لم أر محمد شوق بهذا القلق من قبل، كان يتصبّب عرقاً وعيناه تبحثان عن شيء ما في المكان ...لا شيء ولكنه يبحث بذعر وهو يجلس قربي في المقعد الخلفي للسيارة ...السائق يعبر بنا في ليل الطريق السريع ...
ـ هل سمعت الأخبار ؟
ـ أية أخبار ؟
ـ أخبار العراق ...الأخبار الجديدة ..
ـ نعم ..اسمعها كل يوم ..ما الجديد ؟
ـ الجديد هو أن الجيش الأميركي والحكومة المؤقتة ..يبحثون عني
ـ يبحثون عنك أنت ؟!!
ـ نعم ...و...أنا لا أعرف كيف سأتصرّف ...
ـ وكيف عرفت أنهم يبحثون عنك ؟
ـ أعلنوا ذلك ...وأعلنوا أن من يدعم الجماعات المسلحة في العراق، من الحدود السورية هو الشيخ أبو المحجن ....ونشروا صورتي مع أحد الذين القوا القبض عليهم هناك....
ـ ياااه ...كل هذا ...وماذا قالوا أيضاً ..؟
ـ قالوا إنهم سيتقدمون بطلب للحكومة السورية كي يتم تسليمي لهم ...
كان حديثه خاطفاً ولا يحتمل التعليق ....بماذا سأعلق على كلام كهذا ؟
ـ وهل أنت تدعم المقاتلين هناك؟
ـ لا ...نعم ...أقصد ...إن لي أصدقاء هناك..من المجاهدين في سبيل الله ..منهم من ظِفرُ إصبع قدمه يساوي عندي الملايين..
ـ الله أكبر !!!.

* * *

ـ أسمع عبد الحليم ...(سواح ...وجبار ...وموعود...) كان يمثّل السيرة الفردية لرومانسي أنيق ووسيم ووحيد ..وانتهى كأيقونة كمّلها الوقوع الحاد والارتطام الجارح لجسد الأيقونة الأخرى السندريللا سعاد حسني...حياتنا تتحطّم كما في تلك اللحظة، حين وصل الجسد الساحر إلى صلابة الأرض البريطانية ...أفكّر طيلة الوقت بآخر شهقة في آخر جزء من الثانية حين وصلت إلى الأرض ...
حين تظهر واحةٌ في أفق حياتي ...امرأة..أو فكرة جديدة ...أعود إلى مشاهدة نفسي في المرآة ...هل أنا أيضاً بطل رومانسي؟
ـ إي ...صحيح ..أنت لست رومانسياً..مع أنك تبدو بارداً وخطراً ...كمافيا ...ولست تلقائياً ..وشعبياً ...وصاخباً ..
ـ ولكنني أعتبر نفسي رومانسياً وهذا يكفيني..
ـ حسناً..والآن ..هل سنمشي تحت المطر ؟..
ـ هل مازال هناك من يعتبر المشي تحت المطر من إشارات الحب العنيف...؟
ـ أنا ..نور.
ـ وأنا ...إبراهيم .

* * *

ـ ماذا الآن ؟
ـ لا اعرف !
ـ كيف ستتصرف ؟!
ـ ولماذا تعتقد أنني طلبتك ؟...أريدك أن تقول لي كيف أتصرّف ..
ـ اسمع محمد ..لست مختصاً بشؤون الإرهاب ..وأنت لم تسألني حين قمتَ بما قمتَ به ..يا رجل ..هل أنت مجنون ؟...لم تكن ولا كلمة من كلماتك في الماضي تشير إلى أنك من الممكن أن تتورّط في أعمال كهذه ..
ـ هذا ما حصل ...
ـ يعني ..أنت متورط ؟
ـ نعم ...
ـ رجال ..سلاح ...؟
ـ وأموال ....
ـ لا حول ولا قوة إلا بالله ....أين أصبحنا الآن ؟
ـ لا أعرف السائق يقود ..وين صرنا يا أبو علي ؟...

* * *

هل تعرف معنى هذه الكلمات؟...(البئر المعطّلة تصبح قصراً مشيداً )...لا أعرف كيف يترجمونها هكذا ..ولكن أفهم من ذلك أنني يجب أن لا أكون بئراً معطلة حتى لا أصبح قصراً مشيداً في الوهم...ولكنك لا تسألني...كيف سأتمكن من ذلك ؟ ببساطة يجب أن أؤمن بأن الحياة أقل صعوبة مما يظن الآخرون ،وعليه فإن قدراتي يجب أن تكون أعلى، حتى أستطيع تخيّل عناء الناس وهم يكابدون ما يظنّونه مستحيلاً.
سأقترح عليك اقتراحاً إبراهيم، لم لا تقرأ شيئاً من تاريخ إنشاء تلك الـ (هناك) التي لا أشعر أنها تخصني؟! هناك ما هو مثير حقاً..يعتقدون بأنهم فاتحون، وقدموا إلى تلك الأرض ليزيّنوها للرب. والقتل زينة، واكتمالٌ لصفات المؤمن، وفي الوقت نفسه قرآنكم يلوم أجدادي لأنهم لم يقاتلوا مع موسى، كيف أفهم إذاً ؟..غضبَ الرب عليهم لأنهم قعدوا عن القتال وقال لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون...وعاقبهم الرب ..و الآن تلومونهم لأنهم يقاتلون!!! ما الذي اختلف ؟! غيّرنا قليلاً في زمن الاستجابة للأوردرات الإلهية ..لم لا تضحك ..؟

* * *

والحل الآن ؟
ماذا سأقول له ؟! أمامي رجل يشعر أنه في ورطة كبرى، وهو لم يكن لينزلق إليها لولا إغواءات الجهاد والاستشهاد وغيرها، ولكن لم هو قلق مادام ينوي أصلاً الذهاب إلى الجنة عن طريق الجهاد؟
ـ وماذا ستفعل ؟!
ـ لا أعرف
ـ هل قدّمتَ شيئاً لهؤلاء الذين يفجّرون أنفسهم في العراق ؟!
ـ نعم ..
ـ طيب ...كيف أساعدك ؟
ـ لا أعرف ..لا أستطيع مناقشة أحد بالموضوع أنت الآن محطّ ثقتي الوحيد ...
ـ الآن ؟...ولم تصنع صداقات طيلة السنوات الماضية ؟
ـ لا ...الجميع كانوا أتباعاً
ـ أتباع !!
ـ أتباع ..مريدون ..سمّهم ما شئت ...المهم هؤلاء يمشون بطواعية خلفي ..ولكنهم لا يقفون إلى جانبي ...كيف يمكن أن يتقدموا ويقفوا إلى جانبي وهم يصلّون خلفي ؟ ...خلفي ...هل تفهم ؟
ـ أفهم ...
ـ إذاً لابد أن تساعدني الآن ...
ـ يعني أنت الآن مطلوب ...
يهز رأسه إلى الأسفل ، بهدوء وبطء ....وينظر إلى الليل الأسود من زجاج السيارة التي مازالت تتحرك بنا وقد صرنا قرب تدمر ...
كان رأسي يفكر بسرعة، لمَ عليّ أن أساعد هذا الرجل ؟..بأي مسوّغ؟..ولكن لمَ لا أساعده؟..هل لدي موقفٌ من الذين يفجرون أنفسهم وسط الأماكن العامة ؟...نعم بعضهم يضغطون على زر التفجير بين الأطفال والنساء ...ولكن آخرين منهم يقومون بذلك بين الجنود الأمريكيين والبريطانيين .. أنا لا أحب القتل ...ولا الموت .
ـ محمد ..هل قتلتَ أحداً من قبل ؟..
لا يجيب ...ولكنه ينظر في عيني، وكأنه يقرأ ما أفكر به، أكرر سؤالي بكلمات أخرى وبالهدوء ذاته ..
ـ هل سبق لك وأن أنهيت حياة أحدٍ بيديك ...؟
ـ لا ...وحتى لو حصل ذلك ..فهل تتوقع أنني سأخبرك الآن ؟
ـ طبعاً لا ...لن تفعل ...حسناً اسمع ...عثرتُ على فكرة ...ولكن لا تقاطعني، ولا تستعجل بالاستنتاج...

* * *

ليس سهلاً أن تقوم بسرد ما يحصل معك، وكأنه حصل فعلاً ، ثم ستظن أنه لم يحصل ، ولكنه فعل يقع ويكون له دلائله من حياتك، ويومياتك، أشخاص تلتقي بهم وجدران تلمسها كتفاك وأنت تمشي في المسافة الدمشقية، بين الوقت والوقت، وبين المكان والآخر في المسافة الدمشقية، تقول إنك وهميّ، ولكنك حقيقي، كان من الأفضل لو أن ما حدث طيلة سنوات مرّتْ هو مجرد وهم، وكان من الأفضل لو أنه حلم أو رواية يكتبها خيالك ويرسمها تدبيرك .
الليل في دمشق حياة أخرى ودمشق أخرى والنهار مدنٌ جديدة تولد كل صباح مع رائحة القهوة المذابة في ماء الفيجة ..لها رائحة لا تشبه أية قهوة أخرى، في الصباح البارد صيفا شتاء ....بعد ساعات ستتغير رائحة القهوة ..مع أنها مذوبة في ماء الفيجة ذاته ولكنها الآن ذات رائحة أخرى ...تبدأ الأرواح بالدخول إلى ركوة القهوة ..وتغلي فيها وتتفاور في الماء مع السكر الخفيف والبن الذي يأتي من سفح المهاجرين ...
لابد لك من أن تروي...فأنت ابنُ هذا المكان ..وهو سردٌ طويل ودقيق وفائق ومذهل...وهو حكاياتٌ معمارية ...وهو إيماناتٌ معقدة ومتداخلة، تختزلها تلك اللهجة الممطوطة ...لهجة الشام...
المقرنصات في أعلى أبواب الجوامع الدمشقية... نهاياتها تنتهي إلى الأسفل..تتجه نحو الأرض ..وكأنها تؤدي مهمتها السماوية بجمع طاقات السموات وتوجيهها إلى الأسفل ..حيث أجهزة الاستقبال البشرية..حيث أهل الشام ...مرة فكّر أحد المعماريين الشباب بقلب المقرنصة ...وتوجيه نهايتها نحو السماء ..لم يلبث أن فقد حياته في حادث سير ...بسيارته المسرعة بين مسقط رأسه ودمشق ...لم تقبل المدينة أن تقلب لها نهاياتها...ولو كنتَ تصمّم مخططاً لمبنى على حواف المدينة بعد ركن الدين ..لأنه أراد تفكيكَ شيفرات المدينة ...وتركيبها من جديد ...هازئاً بقوة الشيفرة وضرورة الحساب .

* * *

ـ اسمع ...الأميركيون يفكرون بطريقة معقدة...ولذلك فهم لا يفهمون معادلة بسيطة من نوع أن فلاناً من الناس بريء أو مذنب ..هذه معادلة بسيطة ...ولذلك يجب أن تعقّد لهم المعادلات حتى يبدأ ذهنهم بقبول أفكارك..أو حتى بالاستمتاع في الإصغاء إلى أفكارك ومراقبتك ...وأنت الآن لا تحتاج إلى أن يحكموا عليك حكماً بسيطاً ...وببعدين اثنين فقط..عقّدْ لهم المسألة يا صديقي..
ـ كيف ؟...
ـ أنا أقول لك ...أولاً ..ماذا يريدون هم ؟!
ـ يريدون رأسي ..
ـ رائع ..
ـ رائع؟!
ـ أقصد رائع أننا نسير في الاتجاه الصحيح ...حسناً هم يريدون رأسك..ولذلك فسنفعل لهم ما يريدون ...
ـ هل تريد أن تسلمني لهم ؟
ـ أسلّمك نعم ...ولكن ليس لهم ..يجب أن نسلم (أبو المحجن) للمجهول..للفراغ ....للعدم ..
ـ للمجهول ؟! للفراغ ؟!
ـ و للعدم أيضاً ...
ـ لم أفهم ...
ـ ستفهم ...يجب أولاً التخلص، وإلى، الأبد من (أبومحجن)... يجب أن يختفي ..وليعثروا عليه إذا قدروا على ذلك ...

* * *

بقي محمد بعدها ..نصف ساعة ..وهو يفكّر ...لم أعرف بماذا يفكر..ولكنه كان شارد الذهن وينظر إلى الليل ...ينظر نحو الفراغ والمجهول والعدم ..وكأنه لم يفهم ما قلته جيداً ولكنني كنت أفكر بطريقة سريعة وشيطانية، وكأنني في فيلم أميركي ..لم لا ؟...هي فرصة للعب..وأنا أحب اللعب ...أفهمته أننا يجب أن نمسح عن الشاشة صورة الإرهابي (أبو المحجن) إلى الأبد ..وهذا لا يحصل بإبقائه حياً...تغييرات بسيطة ولكنها مذهلة ستحقق لي ما أردت ...لنبدأ باللحية ...ستصبح بلا لحية يا شيخ ..ثم هذا الشعر الحليق كرؤوس طالبان والقاعدة ..يجب أن نطوله قليلاً ثم نختار له تسريحة خاصة ..
وهذه الثياب التي تبدو وكأنه جاءت من القرن الأول الهجري، سروال فضفاض وعمامة وألوان باهتة...!! يجب أن تتحول إلى بدلة أنيقة لتكن من تصميم بيير كاردان أو أي لعينٍ من أنحاء العالم ...أوكي ؟..
ويجب أن تكتسب عادات جديدة ..بدلاً من البيوت القديمة والأماكن المعتمة التي كنت تجتمع فيها بأصدقائك ، ستتواجد الآن في الفنادق الفخمة ..وأماكن النجوم الخمسة ...كل شيء سيتغير ...وبسرعة ...هكذا نكون قد أرسلنا (أبو المحجن) إلى المجهول ..لم نقتله ولم نسلمه للأميركيين ..ثم هناك مهمات أخرى سأقولها لك في وقت آخر ..الآن أريد أن أنام ..عودوا بي إلى البيت ...أين وصلنا ؟!

* * *



ربما كان عدم الاتفاق أقصر مسافة بين فكرين. (جبران النبي)
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.06988 seconds with 11 queries