مشرف
نورنا ب: |
Jan 2006 |
المطرح: |
قلب الله |
مشاركات: |
14,333 |
|
اللمبة
مسرحية مخصصة للمعاقين
ممدوح عدوان
قبل سنوات كتبت مسرحية مخصصة للمعاقين بعنوان اللمبة, وقد قدمت علي مسرح خاص بالمعاقين في معهد مخصص لهم في دمشق, كما قدمت في القاهرة أيضا.
وكان الممثلون أنفسهم في دمشق من المعاقين جسديا. وكذلك كان الجمهور في العروض الأولي, لكن مع تقدم أيام العروض بدأت المسرحية تجتذب جمهورا متنوعا, بدأ بأهل الطلاب, ثم بدأت تجتذب جمهورا آخر.
عن التهيؤ لكتابة النص
التقيت برجل يجلس علي الأرض ولا يبدو عليه أنه يشكو من أي عاهة. فوقفت معه أحادثه. وخلال الحديث قال لي: ياابني, أنا ليس لدي ما أشتغله, ولذلك تراني مطفأ. وابن آدم مثل اللمبة. إذا شغلته أضاء وإذا تركته دون تشغيل فإنه يظل معتما.
قلت لنفسي: هذا هو مفتاح العمل الذي سأكتبه, وهذا هو عنوانه اللمبة, فالذين لا نعطيهم فرصة العمل يظلون مطفئين, والآخرون يكونون مضيئين بمقدار ما ينهمكون في عملهم ويبدعون فيه.
إن جمهور الأسوياء يحاول تجاهل العاهة من قبيل اللطف والمجاملة والأدب, لكنه في أعماقه يظل متقززا ومشفقا.
هذا أول ما طالبنا أنفسنا بالتخلص منه. يتحدث المشوه عن تشوهه فور ظهوره, وكما هو في حياته الحقيقية قد يسخر من عاهته أو من عاهة زميله, وتلك مسألة من صميم حياة المعاق. إنه في حياته يعايش إعاقته, أي أنه يعرفها ويعرف ما يمكن أن تثيره, لكنه لا يقف عندها لأنه يريد أن يعيش.
وقد لمسنا جانبا من النجاح, من زاوية الإجابة عن الأسئلة.
خلال أيام قليلة من التدريبات لم يعد المعاقون يتعاملون مع التجربة كمعاقين, بل كممثلين. صاروا يبحثون عن الإتقان والجودة وحسن التعبير, وظهر بينهم التنافس وشئ من الحسد, وخاصة في تمثيل المشاهد العاطفية. وخلال الأيام الأولي من العروض, وبعد اكتشافهم ونجاحهم أمام جمهور متنوع فتح الباب للجمهور مجانا, تعززت في أعماقهم ثقة لا تختلف عن الثقة التي تجدها عند نجوم المسرح المحترفين. وصار كل ممثل يعرف أين يكمن نجاحه في العرض, بل إن العلاقات خارج الخشبة تغيرت, العلاقات فيما بينهم, وكذلك العلاقات معنا ومع الجمهور.
وصار واحدهم يعرف أنه إذا ظهر عند باب المسرح أثناء خروج الجمهور, فإن كثيرين سوف يلتفون حوله ويتعاملون معه كنجم. كما صار واحدهم يهدد عند إغضابه بأن يترك العمل وهو واثق من أنه سيترك فراغا كبيرا لا يعوض. وفي الأيام الأولي كانوا شأنهم شأن أي فرقة هاوية, يعولون علي مجئ أسماء معروفة مدير المعهد, الوزير ونجوم الفن المشهورين, وقد تحقق هذا, فقد بدأ العرض مع مهرجان دمشق للفنون المسرحية, وقد توقف هذا المهرجان منذ احتلال العراق للكويت. ولم يستأنف بعد حتي الآن, وكانوا سعداء جدا بردود الفعل خاصة حين جاءهم دريد لحام مثلا, وأسعد فضة الفنان ومدير المسارح في حينها, ثم ضيوف مهرجان دمشق للفنون المسرحية. في الأيام الأولي كانوا يتساءلون: من حضر اليوم؟ وماذا كان رأيه؟ وبعد أيام لم يعد هذا يعني لهم شيئا, مئات الناس الذين كانوا يحضرون والمئات ممن يعاتبون, يعاتبونهم لأنهم جاءوا ولم يجدوا أمكنة, جعلتهم يحسون أنهم لا يختلفون كثيرا عن النجوم الذين كانوا يتمنون مجيئهم.
وأذكر ذات يوم أثناء التدريبات قال لي أحد الممثلين الشباب: سمعنا إن المخرج يكون قاسيا مع الممثلين, لكن هذا المخرج لطيف معنا دائما. لماذا؟ ألأننا معاقون؟ قلت له وزملاؤه منشغلون بتدريباتهم: حين لا يكون هناك داع للقسوة فلماذا نستخدمها؟
قال ضاحكا بصوت عال: أحب أن أسمع منه شتيمة أو صرخة لكي أتأكد من أنه يراني إنسانا عاديا مثل غيري. و يبدو أن أصواتنا كانت مرتفعة, وإذا بالمخرج يصرخ بعصبية: وطوا صوتكم. العمي. ما شايفين فيه بروفة؟
التفت إلى الممثل الشاب هامسا: أرضيت الآن؟
هذه الملاحظات علي تجربة العرض في دمشق. وبتحول النص من العامية إلي الفصحي المبسطة عند نشره في مجلة الحياة المسرحية, إنما نطمح إلي إتاحة فرصة قراءته وفهم حوارياته من قبل قطاع أوسع من المثقفين والمعنيين بغية إعادة التجربة علي النص ذاته, أو تجربة كتابة نصوص أخري بعد سماع الملاحظات والتصحيحات اللازمة. وفي الختام, هذا نص مكتوب لمسرح المعاقين, لكنه يطمح إلي أن يكون دراما تستطيع مواجهة النقد الدرامي.
|