الموضوع: أسبوع وكاتب ...
عرض مشاركة واحدة
قديم 27/09/2006   #59
شب و شيخ الشباب TheLight
مشرف
 
الصورة الرمزية لـ TheLight
TheLight is offline
 
نورنا ب:
May 2006
المطرح:
عند ساركوزي اللعين..
مشاركات:
3,091

افتراضي


لا تواخذونا ع الموضوع الطويل وعلى هالمقال الطويل ايضا يللي بيروي ماركيز فيه قصة النسخة الأصلية من روايته ( مائة عام من العزلة ) و التي عرضت بمزاد علني وتم رفض بيعها لأن المزاد لم يبلغ الحد الأدنى وهو نصف مليون دولار !

***

يقول غابرييل:

في أوائل شهر أغسطس من عام 1966 توجهت أنا ومرسيدس إلى مكتب سان أنجل للبريد في المدينة المكسيكية لأرسل النسخة الأصلية من روايتي مائة عام من العزلة إلى بوينوس أيرس، كان مظروفا يحتوي علي خمسمائة وتسع صفحات مكتوبة علي ماكينة مزدوجة علي ورق عادي للغاية وموجهة إلى السيد باكو بروا المدير الأدبي لدار سودامريكانا للنشر، قام موظف مكتب البريد بوضع المظروف على الميزان ثم اجري حساباته المعتادة وقال:
سيتكلف هذا اثنين وثمانين بيزو
عدت مرسيدس الأوراق والعملات المعدنية التي كانت تحملها في حقيبتها ثم واجهتني بالحقيقة قائلة:
ليس معنا سوي ثلاثة وخمسين بيزو
كنا قد اعتدنا تماما علي تلك الأزمات اليومية بعد عام كامل من الأزمات المادية لدرجة أننا لم نفكر كثيرا في الحل، لقد فتحنا المظروف وقسمنا الأوراق إلى جزأين متماثلين،أرسلنا النصف الأول فقط إلى بوينوس أيرس دون أن نسأل أنفسنا كيف سنتمكن من إرسال الباقي.
كانت الساعة السادسة مساء يوم جمعة ولن تفتح مكاتب البريد قبل يوم الاثنين ولذلك كان لدينا نهاية الأسبوع بطولها لنفكر في الحل، ولم يكن قد تبقى لدينا سوي القليل من الأصدقاء الذين يمكن أن نثقل عليهم بإقراضنا كما أن أفضل ممتلكاتنا كانت تقبع بجوار معروضات مونت دي بيداد . كان لدينا بالتأكيد الماكينة المتنقلة التي جلست أمامها لمدة ست ساعات يوميا لما يزيد علي عام لأنتهي من كتابة الرواية ، ولكن ما كان يمكن أن نرهنها لأنها كانت مصدر الرزق بالنسبة لنا .
بعد مراجعة دقيقة للمنزل وجدنا شيئين يمكن بالكاد عرضهما للرهن : المدفأة في حجرة مكتبي وهي لم تكن لتساوي الكثير، وخلاطا أهدته لنا السيدة سوليداد مندوثا في كراكس بعد زواجنا، كان لدينا أيضا خاتما الزواج اللذان لم نجرؤ يوما علي رهنهما لما يعنيه ذلك من فأل سيئ. ولكن في تلك المرة حسمت مرسيدس الأمر وقررت عرضهما باعتبار انهما كانا احتياطيا استراتيجيا للطوارئ.
مع أولى ساعات صباح الاثنين توجهنا إلى أقرب فروع 'مونت دي بيداد' حيث كنا من العملاء المعروفين لديهم، وهناك أعطونا بدون خاتمي الزواج ما يزيد قليلا عما كنا نحتاج.
وما كدنا نصل إلى مكتب البريد وننظر إلى باقي المظروف حتى اكتشفنا أننا عكسنا الرواية فبدأنا بإرسال الصفحات الأخيرة منها قبل البداية، غير أن مرسيدس لم تعبأ بالأمر بل قالت: إن الشيء الوحيد الذي ينقصنا الآن هو ألا تكون الرواية جيدة.
كانت هذه العبارة هي النهاية لثمانية عشر شهرا كافحنا خلالها معا لننتهي من الكتاب الذي كنت أعلق عليه جميع آمالي، فحتى ذلك الحين كنت قد نشرت أربعة كتب خلال ست سنوات وحصلت مقابلها على ما هو أفضل من لا شيء باستثناء كتاب 'ساعة النحس، الذي نلت عنه جائزة بلغت ثلاثة آلاف دولار في مسابقة(أسو كولومبيانا ؛ وقد نفعتني في مصاريف ولادة ثاني ابنائي جونثالو بالاضافة إلي أننا اشترينا بها أول سيارة لنا.
كنا نعيش في منزل من منازل الطبقة الوسطى يقع على رابية (سان أنخل آن والتي كان يملكها العمدة المحامي لويس كودوريير ،الذي كان من بين فضائله الاهتمام بشكل شخصي بأمور مستأجري المنزل.
رودريجو الذي كان في ذلك الوقت في السادسة وجونثالو الذي كان في الثالثة - كان لديهما في ذلك المنزل حديقة جميلة يلعبان فيها في الأوقات التي لا يذهبان فيها إلى المدرسة، وكنت أنا أعمل كمنسق عام لمجلتي سوثيسوس ولافاميليا ، حيث أتممت مقابل راتب لا بأس به عامين كاملين لم أكتب خلالهما حرفا.
كارلوس فوينتس وأنا نقلنا أيضا إلي السينما قصة الديك الذهبي كما عملت معه ، في النسخة النهائية من سيناريو فيلم بدرو بارامو للمخرج كارلوس بيلو، وكتبت أيضا سيناريو فيلم وقت الموت وكان الأول للمخرج ارتورو ربستين .
و في الساعات القليلة التي كانت تتبقى لدي كنت أقوم بعدد من الأعمال الوقتية مثل إعداد النصوص للنشر وإعلانات التليفزيون وكتابة بعض الأغاني. وكل ذلك كان يكفيني للعيش بشكل معقول ، ولكنه لم يكن يسمح لي بمواصلة كتابة القصص القصيرة والروايات.
وعلى الرغم من ذلك فثمة فكرة جريئة لرواية ظلت تؤرقني لفترة طويلة، لم تكن فكرة مختلفة عن كل ما كتبته من قبل فحسب، بل كانت تختلف تماما عن كل ما قرأت، كانت نوعا من الرعب غير معروف المصدر، كان ذلك في بداية عام 1965 عندما اصطحبت مرسيدس والطفلين لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في أكابولكو، شعرت حينها أني أكاد انفجر من شدة ما كان يعتمل في نفسي. كنت شديد التوتر والتشبع بالفكرة حتى أني تفاديت بمعجزة بقرة كنت تعبر الطريق أمام السيارة، حتى أن رود ريجو صاح بفرح قائلا:
-أنا أيضا عندما أكبر سأدهس الأبقار علي الطريق.
لم أنعم بأية لحظة من الهدوء على الشاطئ يوم الأربعاء، وعندما عدنا إلي المكسيك جلست إلي الماكينة لأكتب جملة البداية التي لم أتحمل أن أحتفظ بها داخلي أكثر من ذلك : (بعد عدة سنوات، وأمام فصيلة الإعدام، كان على الكولونيل أورليانو بوينديا أن يتذكر ذلك اليوم البعيد الذي اصطحبه فيه والده ليتعرف علي الثلج..) ومنذ تلك اللحظة لمأانقطع يوما عن مواصلة الكتابة حتى السطر الأخير، حتى بدا الأمر كأنه حلم مسيطر.
في الشهور الأولى تمكنت من أن أحافظ علي أفضل مستوى من الدخل يمكن تحقيقه،ولكن مع الوقت بدأت أحتاج لمزيد من الوقت لأكتب كما أريد. كنت أعمل إلى وقت متأخر جدا من الليل لكي أنتهي من الالتزامات المنوطة بي حتى أصبحت الحياة مستحيلة بالنسبة لي. رويدا رويدا ،أخذ الواقع الذي ل ايقاوم يجبرني على الاختيار بلا تردد بين الكتابة أو الموت، لم أتردد لأن مرسيدس اكثر من أي وقت مضي تكفلت بكل شيء بعدما أرهقنا جميع الأصدقاء،وأصبح لدينا حساب مفتوح لا أمل في سداده لدي بقال الحي والجزار علي الناصية.
وكنا منذ أولى الأزمات التي تعرضنا لها نقاوم بشدة فكرة القروض ذات الفائدة، إلا أننا وجدنا أنفسنا في النهاية مضطرين لأن نقوم بأول زيارة لـ(مونت دي بيداد، وبعد مرتين أخريين رهنّا خلالهما بعض الأشياء البسيطة بدأنا نلجأ لمجوهرات مرسيدس التي تلقتها كهدايا من أقاربها طوال السنوات التي تلت زواجنا، وعندما عرضناها على خبير المحل أخذ يتفحصها بدقة جراح، ثم أخذ يختبرها ويتفحصها بعدسة سحرية.. الألماس في الأقراط والزمرد في العقد والياقوت في الأساور، في النهاية أعادها إلينا قائلا:
-إنها من الزجاج الخالص.
لم يكن لدينا من الوقت أو المزاج ما يجعلنا نتوقف كثيرا لنفكر متي تم استبدال الأحجار الكريمة التي احتفظنا بها طوال سنين بالزجاج، ذلك أننا كنا نعلم مسبقا أن نذير الشؤم يحوطنا من كل جانب.

يتبع

I am quitting...
 
 
Page generated in 0.08966 seconds with 11 queries