الموضوع: رجولة حمقاء
عرض مشاركة واحدة
قديم 25/04/2009   #1
شب و شيخ الشباب stormsmaker
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ stormsmaker
stormsmaker is offline
 
نورنا ب:
Oct 2003
المطرح:
بلاد أستغرب لماذا أعشقها
مشاركات:
433

افتراضي رجولة حمقاء


لم تكن قطع القماش الرثة كافية لتغطي كامل جسده العاري رغم محاولتها العديدة لفعل ذلك .
في تلك الزاوية الصغيرة استطاع أن يجمع جسده أو ما تبقى من جسده في كتلة كروية واحدة لعل حرارة كل قسم تبعث الدفء في القسم الاخر و اضعا ذراعيه فوق ركبتيه المثنيتين مدليا رأسه عليهما في محاولة ليسرق بضع لحظات من النوم و الأحلام و ما أدراه ما الأحلام فهل يمكن له أن يحلم و أيسمح لمثل هؤلاء المسحقوين بأقدام الدهر أن يفرحوا أو أن يجدوا ما يشغلهم عن بؤسهم حتى في الأحلام
لم يجد صديقنا الا أحد الزوايا في الشارع ذاته الذي شيد فيه أعظم فنادق دمشق فترى صورة ارتسم فيها رمز من رموز المال و رمز من رموز شقاء الحال .
لمحت تلك الزاوية التي تحضنه كل يوم و التي اعتادت ان تكون أمه في كافة الأوقات و كعادتي الغبية نظرت الى ساعتي فاذا بها قد تجاوزت الثانية عشرة بعد منتصف الليل فمددت يدي الى جيبتي لأخرج بعض القطع المعدنية و أعطيه اياها كمساعدة قد تساعده في جمع ما ينقصه من المبلغ الذي وجب عليه جمعه ليتمكن من العودة الى بيته .
اقتربت منه و وضعت تلك القطع على ذلك الصديق الأزلي و الذي لا يمكن للصورة أن تكتمل بغيابه ميزانه الأبيض الباهت و الذي لو وضع لوحده في صورة لجعلها تقطر حزنا
رفع رأسه بمعاناة و كأن رأسه قد اعتاد على مكانه السابق و كأنه ينظر الى الشيطان الذي يسكن الأرض بعد أن يأس من استجداء رب السموات فنظرت اليه و حاولت رسم ابتسامة على وجهي و كأنها أشبه بتحية فألقى بنظره على النقود ثم علي و ابتسم ابتسامة أحد حروفها كلمة شكرا و لكن باقي الحروف تحمل الكثير من المعاني و التي عجزت عن فهم معظمها و لكن أحدها كان يهزأ بهذه الكمية القليلة من النقود و بقدرتها على حل احدى مشكلاته و أعاد رأسه الى مكانه المعتاد و كأن شيء لم يكن .
أردت متابعة طريقي الى منزلي و لكن شيئا ما منعني علله الاحساس الذي تولد في نفسي بالتقصير فاقتربت منه أكثر هذه المرة و سألته ما بك يا صديقي أرى بأن هذه النقود لم تكن كفيلة باسعادك و لو قليلا
قال : و ماذا عساي أفعل بهذه النقود ...علها تكون اليوم قادرة على اطعام امي و اخوتي الصغار الذين ينتظرون الطعام في المنزل و لكن ماذا عساي أفعل غدا و بعد غد و الذي يليه هل نقودك قادرة أن تشتري الطعام كل يوم ؟
قلت له : اليوم تحصل على النقود مني و غدا من غيري و بعد غد من اخر ما دمت تعمل على ميزانك
ابتسم ابتسامة هازأة و قال : أتعلم أنني أصبحت أكره المطر غدا تمطر الدنيا و يعود الناس الى سيارتهم التي يركنوها هنا مشيرا باصبعته الى بوابة الكراج الخاصة بالفندق و التي يدفعون المال من أجل ابقائها هنا في الأسفل حيث لا برد و لا مطر ولا شمس في بعض الأيام أحسد هذه السيارات أتمنى أن أكون اطارا من اطاراتها
و بالطبع لن تتوقف تلك السيارات من أجل شخص فقير مثلي يستجدي النقود فأعود الى بيتي خال الوفاض و أنام على تأوهات اخوتي الصغار و امالي بتوقف المطر في اليوم التالي
وجدت نفسي عاجزا عن الحديث اليه و تساءلت أيجب عليي أن أحدثه عن أن عظماء التاريخ كانوا من الفقراء و من أبناء الطبقات المسحوقة أم يجب عليي أن أقدم له مجموعة من الجمل و التشدقات التشجيعية فأعرض نفسي للهزأ منه أولا ومن عقلي ثانيا أم أكفر بكل ما حولي من بشر و الهة و عقول و نقود
أدرت ظهري بسرعة مخفيا و خوفا من تلك الدمعة التي قررت أن تفتح الباب و تخرج لأجل ذلك الطفل
عندها علمت ماذا يجب أن أفعل
عليي أن أكفر بنفسي لأن رجولتي الحمقاء منعت تلك الدمعة من أن تذرف لأجل طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره و لكن الدهر يقتات من لحمه و يرتوي من دمه .

على هذه الأرض ما يستحق الحياة
الموت لا يعني لنا شيئا نكون فلا يكون
ان صرخت بكل قواك و رد عليك الصدى من هناك...فقل للهوية شكرا
ان تذكرت حرفا من اسمك و اسم بلادك كن ولدا طيبا ليقول لك الرب شكرا
بلاع يا وطن بلاع و أضيف بلاع يا أخوية بلاع
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.03607 seconds with 11 queries