عرض مشاركة واحدة
قديم 14/05/2008   #15
شب و شيخ الشباب مالك الحلبي
عضو
-- قبضاي --
 
الصورة الرمزية لـ مالك الحلبي
مالك الحلبي is offline
 
نورنا ب:
Jan 2008
المطرح:
حلب
مشاركات:
990

افتراضي


مذكرات حاجب الوالي !
،،، السنة الأربعون / الشهر الأول / الأسبوع الأول / السبت :
اليوم سيضع الوالي حجر أساس لمشروع قيل أنه ضخم ، والولاية مليئة بأحجار الأساس فقد ثبت أن وضع هذه الأحجار عمل كاف ليكون مادة دسمة لصحف الولاية ، لا يهم ولا ينبغي أن يكون هناك مشروع حقيقي ، المواطنون قنوعون ويكتفون بأحجار الأساس مبرراً للدعاء للولاة ، وهذا هو الهدف فإذا تحقق بحجر واحد فلا داعي للإسراف وإهدار أحجار الولاية فيما لا يفيد !
تعود أن يكون إلى جوار الوالي حين يضع حجر الأساس ، ليبتسم كما يفعل كل الحضور ، فالابتسامة تحرض على الابتسامة وحين يبتسم الجميع أمام مصوري الولاية ، فإنهم يحرضون شعب الولاية على الابتسام في أحلك الظروف ، منذ أن أخبره خبير من بلاد بيزنطه أن الابتسامة معدية وهو يحاول أن يصيب الناس بالعدوى وهذا عمل جليل ، يشبه في تكنيكه نفس الفكرة التي تقوم عليها تجربة الفأر والجرس والطعام ، ففي هذه التجربة يتم قرع الجرس في قفص الفأر كلما قُدم له الطعام لفترة معينة ، ثم يُكتفى بعد ذلك بقرع الجرس فقط دون طعام ولكن الفأر يخرج باحثاً عن الطعام لأنه مقتنع أنه موجود ، وحين يوضع حجر أساس وتوزع الابتسامات فإن الناس تقتنع أن هناك مشروع فعلي سيجعل من حياتهم نسخة مصغرة عن تلك الجنة التي وعدوا بها في الآخرة !

الأحد :
كاد اليوم أن يفقد منصبة ، فقد كاد أن ينسى أن يُذكر الوالي بأن يقول عبارته التي تعود قولها عند رفع الستار عن مجسمات المشاريع ، لكنه تدارك ذلك في اللحظة الأخيرة ..
فبناءً على توصية من مجلس الإفتاء في الولاية فإن الوالي لابد أن يقول : بسم الله وعلى بركة الله ، وهي عبارة جميلة لها بُعدين مهمين في تاريخ هذه الولاية ، البعد الأول أنها تضفي شيئاً من الروحانية على العمل الذي يُبدأ بها ، وتعزز الفكرة التي تتحدث عنها وسائل الإعلام في الولاية وتحاول غرسها في نفوس الشعب ، وهي أنهم محظوظون لأنهم سيعيشون في جنة قبل أن يموتوا ويذهبوا لجنة أخرى لا تختلف عنها كثيراً إلا في بعض الديكورات !
أما البُعد الثاني الذي تدل عليه عبارة " على بركة الله " فهو أنها مستمدة من القانون الذي يسري في هذه الولاية ، فكل الأشياء تسير " بالبركة " ودعاء الوالدين وعجائز شعب الولاية .
فكما أن لكل مكان خصوصيته فإن لهذه الولاية خصوصيتها التي آمن بها الشعب والحجّاب والحاشية والولاة ، ويتمسكون بها بطريقة تثير إعجاب كافة الأمصار والولايات الذين يعيشون معم في هذه الدنيا لكنهم لا يشاركونهم جنتها ، هذه الخصوصية تعتمد على مبدأ أساسي وهو أن التخطيط رجس من أعمال ابليس الرجيم يتنافى مع الإيمان بالقضاء والقدر وما كتبه الله جل شأنه في اللوح المحفوظ !

الإثنين :
في هذا اليوم يجتمع مجلس الولاية ، وهو مجلس غالبه وجوه مألوفة يكونون في مجموعهم وزراء الوالي ، ويدورون حول الطاولة بطريقة أشبه بلعبة الكراسي الموسيقية ، فوزير البلاط يعفى من منصبه ويعين مكانه وزير القصر ، ويعين وزيرالبلاط وزيراً لديوان الصحة ، ووزير ديوان الصحة المقال يعين وزيراً لديوان العلم النافع ، وهكذا يستمرون في الدوران حتى يسقط أحدهم عن الكرسي ، ويعين مكانه وزير جديد يكون على صلة بوزير قديم ..
إنها وجوه أثرية تربط الماضي بالماضي ، وتشعر الرعية بنوع من حنان الأبوة ، ولكل منهم حاجبه وحاشيته وقصره الذي يؤويه ، وفي استمرارهم حكمة ، فالوجوه الغريبة تشعر الرعية بالارتباك ، ولذلك فلابد أن تكون وجوه معروفة يعرفها الرعية وابناؤهم واحفادهم وهم سعيدون بذلك ولذلك تجد ان أكثر دعاء يكرره الرعية في كل مناسبة هو قولهم ( الله لا يغير علينا ) ومجلس الولاية يعد دليلاً على أن دعوات الرعية مستجابة ، وفي هذا رد على من يشكك في إيمانهم من أبناء الأمصار الأخرى !

الثلاثاء :
يخصص الوالي يوماً في الاسبوع ليلتقي رعيته ، وفي هذا اليوم يمارس الحاجب وظيفته الأساسية ، كيف سيكون حاجباً إذا لم يحجب أي شيء ، والرعية هنا هي الأشياء التي يجب ألا تصل للوالي إلا بعد أن تعرف بطريقة عملية أن الحاجب ليس مجرد موظف يتقاضى راتباً ومخصصات دون أن يكون له عمل فعلي وحقيقي !
يجب أن تُقرأ عليهم الوصايا التي ورثها حاجباً عن حاجب ، وبالطبع فلن يكون هو من يلقي تلك التعليمات فتلك من وظائف حاجب الحاجب وليست من ضمن مهام حاجب الوالي ، فلكل حاجب حاجب في سلسلة ذرعها سبعون ألف من الحاشية وحاشية الحاشية ... يجب أن يتم التأكيد على هذه الجموع من الأشياء التي ستقابل الوالي على عدة أمور هي مجموع تلك الوصايا الأبدية :
لا تتكلموا فيما لا يعنيكم ، وما لا يعنيكم هنا هي الكلمة الرسمية المستخدمة بدلاً من " كل شيء " ، لا تزعجوا الوالي ، لا تتحدثوا بصوت مرتفع ، لا تشغلوه بتوافه الأمور والحديث عن أموركم الخاصة التي لا تعني أحد سواكم ، لا ترفعوا أعينكم في عينية وأنتم تتكلمون ، ويُستمر في سرد تلك الوصايا ثم تُختتم باخبارهم بالطريقة التي يفضلها الوالي هذا اليوم في السلام عليه ، وهي طرق تختلف من والٍ لآخر ، فمنهم من يفضل أن تقبل كفه ومنهم من يحبذ أن تقبل كتفه ومنهم من يكره التقبيل لارتباطه بمحاذير شرعية !
بعد أن تنتهي مراسيم التلقين يسبق الجمع ليقف بجانب الوالي ليأخذ منه شكاوى الرعية المكتوبة ، ويقرأها بنفسه فالوالي مشغول بهموم الأمة ولا وقت لديه ليقرأ كل هذا الكم من السخافات والمشاكل العادية ، ثم يحيلها إلى المسؤولين الذين اشتاكهم المواطنون ، وهذا ليس غباء أو سوء تصرف ولكنه بعد نظر والتزام بالشريعة التي تطبقها هذه الولاية بحذافيرها ، فالحديث عن مسؤول في غيبته هو من الغيبة المذمومة التي لا تتوافق مع التوجهات الشرعية للولاية ، ولذلك فإن أي شكوى يتقدم بها مواطن ستذهب للشخص الذي اشتكاه المواطن ليحكم فيها ، وفي ذلك ابراء لذمة الوالي وحاجبة من أنهم يستمعون لغيبة المواطنين وكذلك فهي عقاب مناسب لأولئك المواطنين النمامين الذي يغتابون المسؤولين في " معاريضهم " !

الأربعاء :
في هذه الفترة ولأسباب غير مفهومة كثرت أمراض الرعية وشكاواهم من الخدمات الصحية التي تقدمها الولاية ، فاجتمع المجلس الاستشاري للولاية وهم عبارة عن مجموعة كبيرة من الحجَاب السابقين ، فكل حاجب يبلغ أرذل العمر ولا يستطيع القيام بعمله في الحجب كما ينبغي فإنه يصدر مرسوم من الوالي بتعيينه مستشاراً في مجلس يتدارس أحوال الرعية بحكم خبراتهم السابقة .
اجتمع المجلس وأجمع أن أهم مواطن في هذه الدولة هو الفقر ، فالفقر مواطن صالح يقدم خدماته للولاية دون منّ ولا أذى ، ومهمته الأساسية هي إشغال الرعية في أنفسهم وابعادهم عن رجس السياسة وقذارتها ، ولأهمية الفقر في حياة الولاية وراحة الوالي ونقاء سريرة الرعية ، فقد أجمع المجلس على إنشاء صندوق لمعالجة الفقر خوفاً عليه من أن ينهكه المرض فيعجزعن القيام بدوره !
وكان باالفعل قراراً حكيما دل على حنكة وخبرة هؤلا المستشارين ، فقد تعافى الفقر بعد علاجه وأصبح قوياً لا يقهر ويتنقل بين الرعية بكل أريحية ودون أن يعترض طريقه أحد !
كان هذا هو المحور الأول الذي عمل عليه المجلس لحل مشكلة كثرة الأمراض ، فالفقر يقوم بدوره ويجعل الناس تنتظر المرض ومن ثم الموت هرباً من مواجهة الفقر الذي يعيش أجمل أيامه !
أما المحور الثاني فكان حث ديوان الصحة في الولاية على القيام بحملات توعوية للرعية والتركيز في وسائل الإعلام والنشرات والمطويات على أن المرض ابتلاء من الله لعباده وأن الشكوى من المرض خطر عظيم على عقيدة الناس ، وأنه يجب على الناس الإيمان بالقضاء والقدر !
كما اقترح المجلس الموقر على ديوان الصحة أن يرفع شعاراً على كل مصحات وموروستانات الولاية يكتب فيه بخط واضح " إن الله إذا أحب عبداً ابتلاه " !
وكان اقتراحاً في مكانه أيضاً فقد آمنت الرعية إيماناً لا يخالطه شك ولا ريب أنهم أحباب الله !

الخميس :
يخرج الوالي للصيد ، ويقتضي عمل الحاجب أن يوفر في هذا اليوم الأشياء التي سيصطادها الوالي في الزمان والمكان المناسبين ، يرسل الحاجب حاشيته لتملاء المكان بالصيد قبل أن يصل الوالي ، فلا بد أن يشعر الوالي أن هذا يوم سعده لأن الصيد وفير ، والهدف طبعاً ليس كما قد يعتقده من لا يفهم خفايا الأمور ، فليست سعادة الوالي هي الهدف في ذاتها ، ولكن والٍ سعيد ولديه شعور بأنه محظوظ يعني أن الرعية تعيش السعادة واقعاً وليس مجرد أمنيات ، لأن مما تؤمن به الرعية حسب قصائد شعرائها هو أن المهم أن يكون الوالي سعيداً مهما كان الثمن !
يدخل الشعراء في آخر اليوم مجلس الوالي يملأون المكان صراخاً وضجيجاً ويملأ الوالي جيوبهم دراهم مسكوكة في ديوان المال العام الخاص بالولاية ، وبقدر صراخ الشاعر ينتفخ جيبه !

الجمعة :
يشاهد برنامجاً تلفزيونياً يبثه تلفزيون بيزنطة ..
يتحدث البرنامج عن فوائد الموز وكيف أنه منشط ومضاد للاكتئاب ، وكيف أن موزة واحدة يومياً تصنع الابتسامة والحيوية والنشاط ، ولو زاد وقت البرنامج دقيقة أخرى لقالت الدراسة أن الموز يدخل الناس الجنة بلا حساب !
يقفل التلفزيون بعد أن يكتشف سر سعادة القرود ويخرج باحثاً عن الموز ..
يتفاجأ أنه متوفر في الأسواق وأن ثمنه زهيد جداً !
هذا أمرٌ غير منطقي ، كل هذه الفوائد وبهذا السعر الزهيد ؟!
إنها فكرة مشروع قرار جديد سيعرضه على الوالي ، سيحاول إقناع الوالي بسن قانون حظر تعاطي الموز من قبل الشعب !
.
.

السنة الأربعون / الشهر الأول / الأسبوع الثاني /

السبت :
إلخ إلخ !!

..//

(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النور:19]
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.04529 seconds with 11 queries