الموضوع: فلسطينيات
عرض مشاركة واحدة
قديم 04/04/2005   #18
عاشق من فلسطين
مشرف متقاعد
 
الصورة الرمزية لـ عاشق من فلسطين
عاشق من فلسطين is offline
 
نورنا ب:
Nov 2004
المطرح:
حيث هناك ظلم ... هناك وطني..
مشاركات:
4,992

إرسال خطاب MSN إلى عاشق من فلسطين إرسال خطاب Yahoo إلى عاشق من فلسطين
افتراضي طفولة تنمو بين المقابر


الكاتب نضال حمد


نضال محمد حمد مواليد 1963 في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان.

متزوج وله ثلاثة أطفال.

مقيم في العاصمة النرويجية أوسلو منذ 1992

درس العلوم السياسية في جامعة فروتسلاف البولندية

أصيب اصابات خطرة وفقد ساقه في معركة الدفاع عن بيروت أبان حصارها واحتلالها سنة 1982

مهتم بالشؤون السياسية العربية والعالمية وخاصة الفلسطينية الاسرائيلية.

ملتزم بالعمل من أجل حرية شعب فلسطين وتحقيق وتطبيق حق العودة الخاص باللاجئين الفلسطينيين.

رئيس الجالية الفلسطينية في النرويج

ناشط في المنظمة النرويجية الموحدة من اجل فلسطين.

كتب مقالات في السياسة بالإضافة لبعض المحاولات والخواطر الأدبية الجياشة

نشر مئات المقالات والخواطر في المجلات والجرائد العربية وبعض المجلات الأجنبية.

ولازال ينشر في عدة مجلات وصحف عربية الكترونية وورقية.









..................طفولة تنمو بين المقابر ...............


عندما حدثت مذبحة مخيمي صبرا و شاتيلا في ايلول سبتمبر 1982 كنت يومها لازلت فتى صغيرا ومتسرعا، كنت لازلت في بداية سن الشباب الحيققي، 19 سنة فقط لا غير. وكنت احب واعشق فتيات من المخيم ، كن مجبولات من الطين الفلسطيني والحبق والزعتر البلدي، ومن الياسمين واشتعال الوطن في اكواخ القش والطين، واحتفالنا بحرية فلسطين تحت الواح الزينكو وعلى انغام مطر الشتاء الذي كان يوزع نفسه وفق تقاسيم الرياح، في مخيم لا يعرف الراحة او البنى التحتية، فقد كانت غائبة...

كنت افكر بفلسطين وبالحب العذري وبما تبقى لجميل من أثر بثينة ولخولة وهند وزبيدة وعنيزة، وامرؤ القيس الملك الضليل، وطرفة ومعصم خولة والخمرة والكبرياء الجاهلي وروح التحدي والشجاعة الخارقة والتمسك بكامل الملك والحقوق والتراب الموروث عن الأب والجد... أما الآن فلا أحد يتحدث عن التقسيم ولا احد يتحدث عن أراضي ال67 ومن ينطق بكامل التراب يتهم بالمس والجنون والخزعبلات واللا واقعية وغير العقلانية، اننا في زمن الانبطاح الفلسطيني ورفع المؤخرات العربية احتفالا بتدشينها امريكيا وصهيونيا...

نحن في زمن بدل من ان نحرر أرضا نخسر المزيد من المكاسب والاملاك والحقوق والاوطان والمقدسات، نخسر شعوبنا وذواتنا، فلا يصل الحق الى اصحابه ولا يعود الناس الى اوطانهم واحبائهم الا شهداء او جرحى أو اسري...

في زمن الطفولة التي تكبر وتنمو بين القبور والمقابر وتعرش على اضرحة الشهداء لتزيدها اخضرارا واحمرار ، نقول لكل حمامة ناحت بالأمس عند سجن ابي الفراس الحمداني في ارض الروم، وها هي تنوح اليوم على شبابيك السجون التي تعج بالفلسطينيين والعرب في كل مكان من سجن نفحة الصحراوي في فلسطين المحتلة مرورا بسجن ابو غريب الأمريكي في العراق المستباح وصولا لغوانتانامو الغياهب والمجهول، أننا باقون،صابرون ومتجذرون في هذه الارض وعليها مثل جذوع اشجار الصبر والتين والزيتون والعنب والنخيل..

في الزمن العربي المتهالك، كنت ادرس الوطن في قصص الآباء والأجداد عبر سماع حكاياهم والالتصاق بها ، لأنها كانت عنوان صراعنا وارشيف نضالنا ضد هؤلاء الغزاة الغرباء.. وكنت طفلا مجبولا بعرق الثورة الكادحة ومعجونا بدماء الحنين لوطن لم نره لكنا كنا نعشقه،وكنا نسميه الحكايات والقصص والروايات والاساطير، وكان فعلا اسطورتنا وروايتنا وحكايتنا وكل ما ملكت قريحتنا من إبداع روحي وفكري وميداني.. هكذا كنا نرى فلسطين الوطن المسجون والمسلوب والمنهوب والمصادر والمغيب والمجتث والمستأصل من ارض العرب.. فلسطين الانتماء، بلادنا الاصيلة كبراءة في طفولة تنمو على اضرحة الشهداء وبين المقابر، فوق عرائش المدافن، على اطراف المدن وفي مخيمات البؤس والحرمان والشتات، وطن البراءة حاضرا فينا كالخبز اليومي والهواء الذي نستنشقه يوميا أكان ملوثا ام نقيا..

في زمن الموت الرسمي العربي، وبعد مذبحة السادات الكمب ديفيدية السياسية، وصلحه الشهير مع سفاح دير ياسين، فجأة تفتحت جراحنا القديمة وكم من عدو أخذ يقتطف البراعم من ارض الازهار ، لتبدأ رياح الحرب والخيانة والعار ، ولتبدأ رحلة خطف ابناء المخيمات صغارا وكبارا ورجالا ونساء وعجزة واطفالا ، فاستشهدت مخيمات قبل معاهدة كمب ديفيد ومخيمات أخرى ابيدت قبلها وبعدها، فخسرت بعض العائلات الفلسطينية كامل اعضاءها، كل هذا على ايدي من يفترض أنهم اشقاء ، لكن هؤلاء كانوا كالترياق أكثر سُماً من الصهاينة انفسهم.

بعد نهاية المشير المثير، صاحب الغليون الشهير على منصة الاحتفالات بعيد التحرير في زمن الاستسلام الرسمي العربي الكبير ،وجدت نفسي في حصار بيروت ادافع عما تبقى من كرامة عربية مهانة تحت بساطير الغزاة و احذية لاعبي مونديال اسبانيا الكروي، ثم اصبت في المجزرة فاصبحت من ضمن ضحاياها في مخمي صبرا وشاتيلا يوم 17 ايلول 1982...

بعد اسبوع من اصابتي صحوت ، وجدت نفسي في غرفة بيضاء بالجامعة الأمريكية في بيروت الغربية.ثم بعد فترة من الإقامة في الجامعة المذكورة رغما عني وبسبب إصابتي الخطيرة، تعرفت على الكثيرين من ضحايا مجزرة الوطن اللبناني بكامله وكذلك على بعض ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا، من بينهم كان هناك صديقان من مخيم شاتيلا هما المرحومان باتريس شاتيلا ، توفي فيما بعد تحت التعذيب في أقبية المكتب الثاني اللبناني بعيد المجزرة بقليل. أما الآخر فهو احمد طه وكان يومها جريحا ويسير على عربة مقعدين، لكنه بقدرة قادر استطاع مع عربته الافلات من المجزرة، وأحمد طه كما قيل لي مؤخرا قد توفي نتيجة مرض عضال في السويد. رحمهما الله ، كانا يأتيان لزيارتي بشكل منتظم في مستشفى الجامعة الأمريكية ، هذا بالرغم من انهما كان جريحان، باتريس بلا ساق واحمد تقريبا بلا ساق ايضا، الأول يجر العربة و الثاني بالمناسبة يتعكز عليها.

بقي الوضع هكذا حتى اختفيا فجأة، فقتل باتريس كما قلت نتيجة التعذيب العربي الشقيق ولأجل اصرارهم في دوائر الأمن واقبية المخابرات على معرفة واكتشاف سر فقدانه لساقه، بعدما كان فقد وطنه وبعض أهله في مجزرة العصر وبعدما كان شعبه يهان يوميا من قبل رجال المخابرات والقوانين السيئة التي تحرم اللاجئين الفلسطينيين من الكثير من الحقوق المدنية والسياسة في بلد المقاومة والحريات.

أما احمد فلم اسمع عنه أي شيء سوى ما عرفته اثناء احدى حفلات التضامن مع الشعب الفلسطيني في مهرجان كروي سنوي يقام بالنرويج، حيث ابلغني احد ابناء مخيم شاتيلا قبل عامين ونصف انه مقيم في مدينة هيلسينبورغ في السويد. وقد ارسلت له رقم هاتفي وعنواني وبريدي الالكتروني مع الشخص المذكور، على أمل اللقاء وتذكر تجربة الماضي وايام المجزرة السوداء وما بعدها من ايام اكثر سوادا. لكنه لم يجبني، وعلمت مؤخرا أنه قد توفي في السويد.

نعم لقد مات احمد طه غريبا في المنفى وليس كما صديقه الحميم خالد سرية في مذابح ومجازر حرب المخيمات في صبرا وشاتيلا، أو كما صديقنا اللبناني محمد علي الذي صرعته شظايا الصاروخ الصهيوني التي أصابتني كذلك. استشهد خالد سرية في مخيمه وهو يدافع عنه ضد الجماعات التي نفذت برامجها الدموية وحققت شعاراتها الطائفية على حساب مخيماتنا.

على هذه الصورة السوداء كان يومها الزمان العربي، خيانات ومجازر وحصارات وتصفيات وشطب للقضية الفلسطينية وللوجود الفلسطيني سلاحا وموقفا وبشرا، كل هذا بأيدي الأشقاء العرب، فلم تكد المخيمات تتعافى من مجزرة الصهاينة والانعزاليين حتى فوجئت بحصار ومجازر جديدة بالذات في صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة والرشيدية ،كل هذا في سنوات الحصار الثمانينية.

الطفولة الفلسطينية تنمو بين القبور وفي المقابر التي صارت مساكن ودور عبادة ودور سينما، نعم يقيم الشهداء في مخيم شاتيلا بمسجد المخيم، حيث لم يكن هناك مكان لدفنهم سوى بيت الله. وهناك في بيت الرب ترقد عظام صديقي محمد حسين، هذا البطل العروبي، الذي كان خير سند لي في زمن اصابتي، وهو الذي احضرني الى منزله في المخيم وانا على سرير الجراح، ثم اصر على ان اشاهد مسرحية مدرسة المشاغبين لعادل امام وسعيد صالح واحمد زكي وسهير البابلي ويونس شلبي وحسن مصطفى، واذكر يومها انني ضحكت لأول مرة منذ استشهاد مخيمي عين الحلوة وسقوط العاصمة بيروت ورحيل سفن الفدائيين الى الشتات الجديد وإصابتي بشكل خطير جدا.

الشهيد محمد حسين كان من مفاتيح الصمود الأساسية في مخيم شاتيلا مع القائد الشهيد علي ابو طوق،رحل محمد بعد ان كان قد فقد شقيقه ايضا في حملات التصفية التي تعرض لها الفلسطينيون في تلك الفترة، حيث اقتيد الشقيق الى مسلخ برج المر الشهير ومن يومها غاب ولم يعد، لذا على الذين يريدون معرفة مصير المفقودين في لبنان ، ومصير الامام السيد موسى الصدر المفقود في ليبيا أن يتعاونوا ايضا في كشف مصير المفقودين الفلسطينيين اثناء حرب المخيمات.

فكم من الأمهات والآباء رحلوا عن الدنيا وهم ينتظرون أي خبر عن فلذات أكبادهم الذين فقدوا أو اختطفوا على حواجز الحرب الدموية في لبنان ؟ ومن هؤلاء كانت أم محمد حسين العظيمة، حيث بقيت على أمل ولم تفقد إيمانها، تنتظر عودة ابنها المفقود كما وتندب رحيل ولدها البكر محمد، لكن قلبها لم يحتمل الصمود فرحلت قبل عدة أسابيع لتجاور ولدها او ولديها...

..غنــــي قلــــــيلا يـــا عصـــافير فأنــي... كلمـــا فكــــرت في أمــــــر بكـــيت ..
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05506 seconds with 11 queries