عرض مشاركة واحدة
قديم 24/09/2009   #21
شب و شيخ الشباب رجل من ورق
عضو
-- زعيـــــــم --
 
الصورة الرمزية لـ رجل من ورق
رجل من ورق is offline
 
نورنا ب:
Aug 2008
المطرح:
ببحر بعيد
مشاركات:
1,989

إرسال خطاب MSN إلى رجل من ورق
افتراضي


من يعرفني قليلاً يعلم أنني بعيدٌ جداً عن أن أكون من المعجبين بالصحفي و نجم (أو أحد نجوم) قناة الجزيرة الدكتور فيصل القاسم لأسباب كثيرة يعود أغلبها إلى الطبع و الذوق الفكري و الصحفي الشخصي, و أقرأ أحياناً بعض المقالات التي ينشرها الدكتور القاسم في مواقع انترنتية مختلفة, و أجد في كثيرٍ منها نقاطاً و أفكاراً و عبارات أفهمها كشعبوية و باحثة عن استحسان و تصفيق القارئ العربي المسلم ليس إلا, فأغلبها عبارة عن "نكش" لما يقوم به الآخرون لإثبات أننا "أفضل منهم حتى لو ماد بنا الزمان", دون الإشارة إلى أننا نمتلك "نكشات" تكفي للاستهلاك الداخلي و التصدير إلى الدول و الكواكب المجاورة.
إذا كان أحد أبرز إعلاميي العرب يكتب لينال الاستحسان و الجماهيرية فهذه مصيبة, أما إن كان يكتب ما يراه فعلاً فالمصيبة أكبر (دائماً و أبداً هذا رأي شخصي).
خطاب الدكتور القاسم هو مثالٌ ساطع للخطاب القومي, أيّاً كانت القومية, فإلقاء اللوم دوماً على الآخرين و على "الظروف" دون الدخول في النقد الذاتي إلا بعموميات أغلبها تحاول تأكيد ذنب "الآخرين و الظروف" هي سمات الخطابات القومية في كلّ زمانٍ و مكانٍ... و منبر.
كتب الدكتور القاسم مؤخراً مقالةً بعنوان (لماذا يتقدمون.. و نتأخر نحن؟) و يقصد بالعنوان (لماذا يتقدّم "الكفرة" و يتأخر المسلمون؟), و فيها وردت العديد من الأفكار التي جعلت إشارات الاستفهام أحياناً و التعجّب غالباً تنهمر أمامي كالمطر الغزير.
كاستمرار للعنوان يبدأ الدكتور القاسم مقالته بالشكل التالي: "ليس هناك أدنى شك أن أكثر شعوب العالم تخلّفاً, بكل أسف, هم المسلمون" (!!!)
من قال هذا؟
ما هذا الاستخدام السلبي للـ"قومية الإسلامية"؟
المسلمون بدايةً ليسوا شعباً حتى يكونوا "أكثر شعوب العالم تخلّفاً", المسلمون مجموعة إنسانية تؤمن بدين واحد و لكنها مجموعة موزّعة في كلّ جنسيات و أقطار الأرض و في كلّ مستويات الحضارة, من البيت الأبيض إلى كهوف تورا بورا, و من أشهر و أكبر و أهم مراكز البحث العلمي و التكنولوجي و أكاديميات الفكر و الثقافة إلى أدنى درجات الجهل و التخلّف.. نعم يتوزّعون هكذا كما يتوزّع باقي مؤمني الديانات الأخرى, سماوية كانت أم لم تكن.
هل الدول ذات الأغلبية المسلمة متخلّفة؟ نعم هي كذلك, لكن الأمر لا علاقة له بديانة قاطنيها, هناك عشرات بل مئات الظروف الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و الفكرية قد خلقت حالة من التطرّف الرجعي لدى قطّاع معيّن, خلقت لديه نزعة عدميّة رهيبة, نعم هذا صحيح.. لكن المستفيد من هذا التخلّف هم الحكّام, و هم من يعملون على تغذية هذا التخلّف و هذه الرجعية و استخدامهما بما يلاءم مصالحهم, و هم أيضاً يوظفون الدين و الخطاب الديني بنفس الطريقة, فلا علاقة للدين (كمجموعة أفكار و قيم و مبادئ) بتخلّف الدول و تقدّمها, بل طريقة استخدامه كأداة استبداد هي المشكلة, و هذا ليس مشكلة "إسلامية" بل هي مشكلة خاصة بهيكلية الفكر الديني و علاقته التاريخية بالسلطة السياسية.
النرويج دولة مسيحية (مجازاً.. النرويج دولة مسيحية بنفس المنطق الذي نقول فيه عن أي دولة "إسلامية أنها مسلمة) و الكونغو دولة مسيحية... ما علاقة هذه بتلك؟ لا شيء !
المسلمون ليسوا شعباً كما أن المسيحيين ليسوا شعباً و اليهود ليسوا شعباً, و من العجيب أن الدكتور القاسم يقول أنه من عيوب العرب أن بعض دولهم تعود إلى "عصر ما قبل الدولة سياسياً و اقتصادياً و تكنولوجياً" لكنه يستخدم منطق ما قبل الدولة في توزيعه للبشرية, إن كان في المقالة بأكملها أو في هذه النقطة بالذات, فالمسلم السوري لديه قواسم مشتركة مع المسيحي السوري أضعاف ما لديه من المشترك مع الباكستاني مثلاً.. لسبب بسيط و هو أنه يتشارك مع المسيحي السوري في اللغة و المكان و ثمن ربطة الخبز.. هؤلاء شعب واحد.. المسلم السوري و الباكستاني السوري ليسوا شعباً واحداً, مثلما أن المسيحي السوري و المسيحي اليوناني و المسيحي الإيطالي ليسوا شعباً واحداً بالطبع..
ينفي الدكتور القاسم بعض مظاهر التقدّم في دول "إسلامية" مثل تركيا و باكستان, فعن تركيا يقول:" أما حكام تركيا العلمانيون فما زالوا يعتبرون أنفسهم أقرب إلى الغرب منه إلى المسلمين، لا بل يرون في التقدم البسيط الذي حققوه ثمرة لتخليهم عن الإسلام واعتناق العلمانية. وقد سمعنا العديد من الأتراك يقول بكل صفاقة إنه من الأفضل لتركيا أن تكون في مؤخرة الغرب على أن تكون في مقدمة العالم الإسلامي".و عن باكستان:" فحتى باكستان التي تمكنت من صناعة القنبلة النووية على وشك أن تصبح دولة فاشلة بسبب الفقر والقلاقل والفساد وسوء الإدارة".
الدكتور القاسم متحامل على تركيا, فهذه التي يراها مرتمية في أحضان الغرب هي الدولة الشرقية بامتياز, و قد عرفت مزاوجة تراثها مع ما يتطلّبه اليوم, و حتى في العمران سيجد الزائر لتركيا أنها حافظت على العمارة الشرقية الإسلامية أكثر منا نحن "الأوفياء" الذين هدمنا جواهر عمارة تاريخية لنزرع الاسمنت المسلّح. أما بخصوص باكستان فهو محقٌّ في أنها دولة تكاد تكون فاشلة, لكنني لست مع اعتبار إنتاج القنبلة النووية أمراً إيجابياً, بمعنى أنه أمر يحسب في عداد "التقدّم و "التطوّر", فعندما يكون لدى شعب دولةٍ ما الكثير من الاحتياجات التي يمكن سدّها بالمال الكثير الذي تكلّفه قنبلة نووية فإن إنتاجها هو غباء و تخلّف, إنه كمثل ربّ الأسرة الذي لا يوفر لعائلته شيئاً من احتياجاتها لكنه يملك سيارة فاخرة. و هذا الكلام ينطبق على باكستان كما ينطبق على الهند أو إيران أو روسيا أو حتى الولايات المتحدة. عدا عن لا أخلاقية الإنفاق في أداة دمار و قتل.
يورد الدكتور القاسم بعدها عدداً من الأمثلة عن دول "كافرة" بالمفهوم الإسلامي (على حدّ تعبيره) لكنها متطوّرة, و هذه الأمثلة تجعلني أتساءل عن مفهوم التطوّر و الحضارة لدى دكتورنا, فأكثر دولة نالت من الغزل من قبل السيّد فيصل القاسم هي الصين..
نعم, الصين تغزو العالم صناعياً.. لكن هل الصين دولة متطوّرة؟
لا يا سيدي, الصين ليست دولة متطورة, و قطعاً ليست حضارية.. كل ما لدى الصين أنها عرفت كيف "تبتز" العولمة و السوق العالمي و تحوّلت بحكومتها إلى "تاجر نخاسة" تبيع شعبها كيد عاملة رخيصة و دون حقوق تخفّض من قيمة الإنتاج مما يدعو كبريات الشركات إلى إقامة المصانع فيها. الحكومة الصينية هي حكومة استبدادية قمعية لم تنل رضى العالم إلا عندما دخلت لعبة الإمبريالية الاقتصادية من أوسع أبوابها و توظّفت كـ" مراقب دوام" لشعبها المستعبد. هل هذه حضارة؟
أما عن قوله بأن "البعض" يقول بأن تطوّر ماليزيا المذهل هو نتيجة عمل سكانها من الصينيين و ليس بفضل الشعب الملاوي المسلم... فلا تعليق, فقط علامة تعجّب (من "البعض" طبعاً, ليس منه)
الهند..
يقول الدكتور القاسم عن الهند:"ستجد أن السواد الأعظم من سكانها يعبدون البقرة، مع ذلك فهم يتربعون على عرش صناعة برامج الكومبيوتر ومستلزماته في العالم".
أستغرب كيف يسمح إعلامي مثله لنفسه بأن يتحدّث عن أتباع ديانة يقارب عددهم المليار بهذه الطريقة التحقيرية.. "يعبدون البقرة".. أليس هو نفسه الذي اعتذر للمسلمين أجمعهم بسبب استضافته لوفاء سلطان؟ لماذا يفعل بغيره ما لم يرض أن يفعله غيره بالمسلمين؟ أليس في هذا بعضٌ من ازدواجية المعيار؟
بدايةً... الهندوسية ديانة قديمة و راسخة و ذات تراث و ماضٍ مثلها مثل غيرها, و جزئية تقديس البقرة (و ليس عبادتها يا أستاذ فيصل, فهناك فرق) كأي جزئية في أي ديانة أخرى قد لا يرى من لا يؤمن بهذه الديانة منطقيتها.. و ليست سبب استخفاف و لا تحقير..
أمر آخر... الهند ثالث دولة في العالم من حيث عدد المسلمين فيها, نعم هذا هو الواقع, عدد المسلمين في الهند يقارب الـ 150 مليوناً, أي أن المسلمين الهنود أكثر من مسلمي شبه الجزيرة العربية و بلاد الشام و العراق مجتمعين, و من الصعب أن نقول عن 150 مليوناً أنهم أقلية بالمعنى الهامشي أو القليل الأهمية... فلهم دورهم الرئيسي في ما يحدث بالهند, خيره و شرّه..
على كلّ...
لم ينل الغرب من الدكتور القاسم إلا كلمتين أو ثلاث, و هذا غريبٌ عجيب برأيي, لا منطقي... لماذا يا ترى؟ هل لأنه "ليس جماهيرياً" أن نتحدّث عن الغرب و تطوّره في سياق خطاب قومي عروبي – إسلامي؟
توجد نقطة في حديثه عن الغرب, و هي أنه تطوّر بعيداً تماماً عن الدين, و في هذا الكلام جهلٌ أو تجاهل لتاريخ أوروبا منذ العصور الوسطى إلى ما بعد الحداثة, لكن نترك هذه النقطة ليوم آخر
أقفز فوراً إلى الخاتمة دون أن أمرّ بدعوته إلى العودة إلى الإسلام المتنوّر, فهذه التدوينة قد طالت و أريد أن أتحدّث في هذه القضية التاريخية و الفكرية بتأنٍ و عناية أكثر (رفقةً مع الحديث عن تطوّر أوروبا)
الخاتمة...
في الخاتمة كلّ عناصر الشوفينية و الاستعلاء و البحث عن التصفيق المجاني,ففيها يؤكد الدكتور القاسم أن العودة للإسلام المتنوّر "من شأنه ليس تخليصنا فقط من تخلفنا العلمي والصناعي، بل من الممكن أن يجعلنا نقود البشرية حضارياً" و هذا القول ليس إلا تكراراً للعنجهية الجاهلية من طراز "لنا الصدر دون العالمين أو القبر"؟
من يريد أن يقود البشرية؟ لماذا لنقود البشرية؟ أو بالأحرى سؤالٌ أوّل؟ من نحن؟
ثم يكمل "وأن الذين يقودون الآن دفة التقدم التكنولوجي والصناعي في العالم ليس لديهم مشروع حضاري يضاهي المشروع الإسلامي العظيم"..
و يظهر الخطاب المتعالي مرّة أخرى...
هذه الـ "نحن" المنتفخة ليست إلا إحدى أمراضنا, هي تعالي و استعلاء الأرستقراطيين الذين دار بهم الزمان, أو الأغنياء الذين أفلسوا..
الآخرون ربحوا اليانصيب و تقدّموا بخبطة حظ... نحن أفهم و أجمل و أقوى و أكثر فحولة و لكن "الزمن عاطل"... عجبي على هذا الهروب من الواقعية إلى الغزل الذاتي..
ثم عن أي مشروع إسلامي يتحدّث؟
أول ما يجب علينا فعله هي أن نضع الأسماء الملائمة للعناصر, و العناصر في أماكنها الملائمة.. و أن نحدد الحجم الملائم للضمائر الشخصية.. "نحن" كما أفهمها أنا هي مجموعة أشخاص, بمختلف انتماءاتهم الدينية أو عدمها, الإيديولوجية أو عدمها, تشترك في المكان الجغرافي و الانتمائي الذي سمّيناه "وطناً" تريد أن تعيش بعدل و مساواة و إخاء, تريد أن تتطوّر دون أن تَسحق, أن تتقدّم دون أن تسود, أن تعيش بسعادة دون أن تُبكي أحداً..
هذه الـ "نحنُ" التي تهمني... أي "نحنُ" أخرى هي بالنسبة لي مجرد "هُم"
للحديث بقيّة...

عن مدونة امواج اسبانية في فرات الشام
http://www.syriangavroche.com/2009/09/blog-post_17.html


قم واضرب المستحيل بقبضتك اليسرى
انت تستطيع ذلك
http://themanofpapers.wordpress.com
  رد مع اقتباس
 
Page generated in 0.05537 seconds with 11 queries